في واقعة أثارت غضبا كبيرا في الأوساط العربية والإسلامية، اطلق عليها واقعة “الصفا والمروة”، قام إخوان تركيا على خطى الباسيج الإيراني، أو شيعة إيران، باستغلال الدين لخدمة أجنداتهم وتحقيق مآربهم السياسية، بعدما سعوا بين الصفا والمروة منشدين بالقدس رايحين، خلال آدائهم العمرة.
وكان قد انتشر مقطع فيديو، روجت له وسائل إعلام تركية، يظهر “مسؤولين أتراك”، في زي المعتمرين، يهتفون للأقصى في قلب الحرم المكي، مرددين شعار “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”.
ووفق ما ذكرت صحيفة “العرب”، فإن الفيديو، الذي لاقى انتشارا كبيرا في تركيا، أبطاله معتمرون ينتمون لحزب السعادة، المحسوب على التنظيم الإخواني.
قيادات إخوانية
وأوضحت الصحيفة، أن المعتمرين المنتمين لحزب السعادة هم وفد من أكاديميي الجامعات، مشيرة إلى أن مرجعية تأسيس هذا الحزب تعود للقيادي الإخواني الراحل نجم الدين أربكان، الذي يوصف بـالمعلم الأول للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وتبرز الواقعة استمرار تسييس الإخوان للشعائر الدينية واستثمارها خدمة لمصالحهم، ضاربين بعرض الحائط حرمة المكان وقدسية الشريعة.
والحقيقة أن تلك الحادثة أعادت إلى الأذهان ما قامت به إيران في بعض مواسم الحج، لتنفيذ سياساتها المشبوهة، بعدما وقعت في عام 2015، حادثة التدافع المشبوهة في مشعر منى، إذ نتج عن الحادثة وفاة عدد من الحجاج نتيجة حركة ارتداد عكسي خاطئة من قبل 300 حاج إيراني، تبين فيما بعد وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني حاولوا زعزعة تنظيم الحج واتهام المملكة بالتقصير.
وفي 1990، قام أفراد من ما يسمى “حزب الله الكويتي”، بإيعاز من إيران، بإطلاق الغاز السام في نفق المعيصم بالقرب من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وبداخله الآلاف من الحجاج، مما أدى إلى مقتل أكثر من ألف حاج وحاجة وإصابة العديد.
وخلال موسم حج 1989، قامت مجموعة من الكويتيين الموالين للنظام الإيراني، بتفجيرات في مكة بعد تسليم المواد المتفجرة لهم من قبل مسؤول في السفارة الإيرانية في الكويت، يدعى محمد رضا غلوم ونتج عن ذلك قتل وجرح عدد من الحجاج.
وعام 1987، كشف رجال الأمن في السعودية عن كمية من المواد الخطرة شديدة الانفجار، وجدت داخل حقائب الحجاج الإيرانيين الذين قدموا إلى المملكة عبر مطار الملك عبد العزيز في جدة، على متن طائرة إيرانية كانت تقل 110 ركاب لأداء مناسك الحج.
ومن خلال واقعة الصفا والمروة، يبدو أن تركيا تسير على خطى إيران وتسعى إلى محاكاتها، رغم اختلاف الحسابات السياسية، وهو ما يؤكد المرجعية الواحدة التي تحكم تصرفات طهران وأنقران، وتتمثل أساسا في استثمار الدين سياسيا بما يعظم حضورهما الدولي.
استغلال واضح للدين
ويحلل الدكتور كرم سعيد الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الواقعة، ليوكد أنها تحمل عدة دلالات، تهدف جميعها إلى تلميع صورة تركيا التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح سعيد، في تصريحات له، بأن إخوان تركيا يحاولون استغلال الحرم الديني، الذي يستقبل عددا كبيرا من الجنسيات، لتلميع صورة بلدهم، التي فقدت بريقها، مضيفا أن تركيا تحاول تصدير شعارات تبين من خلالها أنها تنصر القضية الفلسطينية، لكن دون إجراءات، وهو ما أكده تصريح بنيامين نتنياهو، الذي قال مؤخرا إن أردوغان يواصل تعزيز تجارته مع إسرائيل رغم المواقف التي يحاول إظهارها في العلن.
وأوضح بأن الدلالات الأخرى تشير إلى محاولة استهداف أنقرة للرمزية الدينية، التي تمثلها السعودية، إضافة إلى تشويه الأدوار العربية المعتدلة، خصوصا أدوار دول مثل السعودية والإمارات ومصر، التي تشكل حائط الممانعة للتمدد التركي، على حد قول كرم سعيد.
وشدد الخبير في الشؤون التركية، على أن إخوان تركيا يحاولون استنساخ نموذج الباسيج اليراني، مشيرا إلى أن طهران حين تجد نفسها محاصرة تلجأ إلى مثل هذه الاختراقات للفت الأنظار وكسب التعاطف، وكذلك الحال بالنسبة لتركيا، ففي ظل تراجع الإسلام السياسي يتم اللجوء إلى مثل هذه الاستراتيجيات الدينية والعاطفية لكسب ود شريحة من المسلمين المعانين.