الرصاص كمطر يعم أرجاء المكان، الجميع يهرولون كلٌ واحد منهم يبحث عن مكانٍ آمن يختبأ فيه، وهناك على الجانب الآخر طفلًا في الثانية عشر من العمر، بكاءه يُحدث ضجيجًا في المكان، يختبئ خلف والده من بطش رصاص الإحتلال، ليلتقط مصورًا صورة له لتكون حديث العالم لعدة سنوات.
الكاميرا التي ترصد هذا المشهد المثير، انتقلت لتلتقط آخر في غاية القسوة، لطفل في الخامسة من العمر ملقى على شاطئ البحر، وحذاءه بجانبه، وقد لفظ أنفاسه الأخيرة، إثر صراعات شديدة بينه وبين الموج القاسي الذي كتب السطور الأخيرة في عمره قبل أن يصل الشاطيء.
لم يكون هذا المشهد السابق آخر التقطات تلك الكاميرا القاسية، ولكنها وثقت مشهدًا دارت أحداثه لمدة خمسة أيام، لطفلًا في الخامسة من العمر، يلعب ويهرول هنا وهناك، إلى أن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث وقع في حفرة عمقها 30 مترًا ليصارع الموت بداخلها، حتى تأتيه أشعة النور التي تكشف عنه تراكمات التراب، ولكن كان قضاء الله أقوى بأن صعدت روحه إلى بارئها.
وفي آخر طفل سوري يبلغ من العمر 4 سنوات يجلس داخل سيارة إسعاف مغطى بالغبار والدماء تسيل من وجهه، قبل أن يحدق مذهولاً في عدسة المصور ، بعد دقائق على إنقاذه من غارة استهدفت منزله في مدينة حلب.
تلك المشاهد السابقة مجرد لمحات لقصص مأساوية، حدثت لأطفال صغار عانوا منها أشد المعاناة، ولكنهم كسبوا تعاطف الجميع في مشارق الأرض ومغاربها، وسيظلون عالقون في أذهان الجميع، حتى أخر العمر.
محمد الدرة
الزمان 30 سبتمبر عام 2000، المكان غزة حيث المعاناة وبطش الكيان الصهيوني المحتل، حينما كانت المداهمات التي ترتكبها قوات الاحتلال مستمرة، إذ كان من ضمن ضحاياها الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة، وذلك بالتزامن مع انتفاضة الأقصى والتى شهدت احتجاجات امتدت إلى مناطق واسعة من الأراضى الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
المصور الفرنسي “شارل إندرلان” المراسل بقناة فرنسا 2، من كان له الفضل في إظها معاناة الدرة ووالده إلى العالم، حيث يختبىء خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية.
وفاة الدرة آثار الغضب فى النفوس وسالت من أجله دموع الوطن العربى، ما جعل يوم وفاته عالقًا في أذهان الجميع بالوطن العربي يرثونه كل عام.
الطفل إيلان السوري
واقعة الطفل السوري إيلان الكردي، لم تكن اقل معاناة من الطفل الفلسطيني محمد الدرة، حيث كان آيلان بين مجموعة من المهاجرين السوريين الذين غرقوا عندما انقلب بهم زورق كان يقلهم من بودروم إلى جزيرة كوس اليونانية، وكان بين القتلى شقيقه غالب، خمس سنوات، ووالدته ريحانة، 28 عاماً، فيما نجا والده.
أما صورة جثته ممدا بعدما جرفتها المياه إلى شاطئ تركي قد أثارت موجة تعاطف وغضب بسبب ما اعتبر تقاعساً من الدول المتقدمة عن مساعدة آلاف اللاجئين الذين يقومون برحلات بحرية خطرة في قوارب متهالكة للوصول إلى أوروبا.
آيلان من بلدة كوباني ذات الغالبية الكردية الحدودية مع تركيا، وكانت عائلته غادرتها للجوء إلى تركيا هربا من أعمال العنف قبل أن تقرر الهجرة إلى أوروبا.
وفي عام 2017، طبعت فنلندا على عملتها الوطنية صورة الطفل السوري إيلان التي هزت العالم على الشاطئ، وذلك في لفتة إنسانية وبمناسبة الذكرى الـ 100 لاستقلالها.
الطفل ريان المغربي
لمدة 90 ساعة ظل الطفل المغربي ريان يعاني من ظلمات الجب الذي وقع بداخله، الجميع يحاولون الوصول له لكن دون جدوى، حتى اضطرت السلطات المغربية إلى حفر المكان بالحفارات، حتى تمكنوا من الوصول إليه، ولكن كانت روحه خرجت إلى بارئها، رغم ظهوره في فيديوهات يتحرك ولم يلفظ أنفاسه الأخيرة.
السلطات المغربية صرحت عن خروج الطفل ريان المغربي من البئر بعدما قضى حوالي 90 ساعة متواصلة بدون طعام أو شراب، ولفظ أنفاسه الأخيرة.
ومن جانبه نشرت وكالة المغرب العربي للأنباء لقطات من أقرب نقطة في الجرف الكبير الذي حفره فريق الإنقاذ للوصول لـ الطفل ريان القابع في قعر بئر منذ يوم الثلاثاء الماضي.
وتتواصل دون توقف جهود إنقاذ الطفل ريان، البالغ من العمر 5 سنوات، والذي سقط على عمق 32 مترا، في ثقب مائي بقرية اغران بجماعة تمروت بإقليم شفشاون يبلغ عمقه 60 مترا.
وفي وقت سابق، كشف مصدر مسؤول أن كاميرات المراقبة رصدت الطفل وهو يستلقي على جانبه داخل البئر. وقال إن فرق الإنقاذ يفصلها متر وثمانون سنتيمترا فقط للوصول إلى ريان، حيث تم الحفر 4 أمتار يدويا، إلى حدود الساعة العاشرة من صباح اليوم السبت، وباقي 180 سنتيمترا للوصول إلى الهدف.
الطفل السوري عمران
الصورة التي تم التقاطها لعمران والتي توثق هذه اللحظة المأساوية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب مقاطع فيديو نشرها مركز حلب الإعلامي الموالي للمعارضة، تظهر عمران وهو يجلس على مقعد داخل سيارة إسعاف، الغبار يغطي جسده والدماء على وجهه، يبدو مذهولاً ولا ينطق بكلمة، يمسح الدماء عن جبينه بيده الصغيرة ثم يعاينها بهدوء ويمسحها بالمقعد من دون أن يبدي أي ردّة فعل.
صورة الطفل التي انتشرت تلخص معاناة الأطفال في حلب الذين يتعرضون يومياً للقصف حتى وهم داخل منازلهم في هذه الآوانة”، وكان المصور الفوتوغرافي قريباً من حي القاطرجي، حيث يقطن عمران مع عائلته في الطابق الأول من أحد المباني، حين تعرض لغارة جوية.