حوار _ سهام سعيد
منذُ سبتمبرَ 2014 أضحى اليمنُ السعيدْ حزيناًّ ، خيمَ على أرضه التعاسة والأنين ، امتلأتْ أوديته بالضحايا ، وسجونهُ بالمعتقلين ،
فصل جديد من فصول تعذيب الإعلاميين فى سجون الحوثي ،يرويه الصحفي اليمني، هشام عبدالملك اليوسفي ، الذي تم اعتقاله فى السجون الحوثية منذ 4 أعوام مآساته في حواره لـ أوان مصر، والتي جاءت على نحو مأساوي.
وقص الصحفي اليمني الحر في حواره لـ أوان مصر، مآساته التي عاشها سردًا وتفصيلًا، داخل سجون التنظيم المخالف للقيم والعادات الإنسانية لـ الحوثيون، وذلك لقوله كلمة حق، بعد ان تم استهدافه واختطافه، ليقضي أسواء أيام حياته في سجون الحوثيون.
في البداية حدثنا عن واقعة الإختطاف ؟
بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، قاموا بإقتحام كافة القنوات الفضائية ، وصادروا كل مكاتب الإعلام الموجودة هناك لكي يتم نقل صورة واحدة عن الإحداث هناك ، وفي أحد المرات كنت اقوم بتغطية وقفة احتجاجية ضد الإنقلابيين ، سمعت أحد المليشيات يطلب من أنصاره إطلاق النار على ركبتي ولكني نجوت بفضل الله.
وبعدها انتقلت أنا وزملائي لأحد الفنادق لممارسة عملنا الصحفي،نظراً لإنقطاع التيار الكهربي عن المنازل والمواقع حينها ، وبعد أن علمت الميلشيات بتواجدي أنا و زملائي قاموا باختطافنا ، ووجهوا لنا تهمة بث شائعات ونشر أخبار كاذبة .
كيف كان يومك الأول فى غرفة التحقيق ؟
كانت أيام قاسية للغاية ، كنت فى حالة من الانهيار التام ، كنت فى مبنى البحث الجنائي وكان أول تحقيق هناك ،سبقه عمليات تجويع وتعذيب ، وعند دخولي غرفة التحقيق تم تعذيبي وركلي فى أماكن متفرقة ، وتم تهديدي بالنقل لمخزن السلاح لتصفيتي كما حدث مع زملاء آخرين ،ثم قام المحقق بإجراء مكالمة هاتفية مع أحد القيادات ليطالبه بترحيلي إلى مخزن السلاح ، وبسبب الضغط النفسي والجسدي وقعت على الأرض وفقدت الوعي ، ولذلك تم نقلي إلى الزنزانة .
ما حجم المعاناة التي شاهدتها فى سجون الحوثي ؟
فترة إعتقالي كانت طويلة ” 1955 يوما ” ضمنها سنة ونصف من الإخفاء القسري على فترات متفرقة ، كنت أحاول فى تلك الأيام إيصال أى معلومة للخارج عن مكان تواجدي وحالتي الصحية ، ولكن تعمدت الجماعة منع الإحتكاك بـ أي سجناء آخرين حتى لا يتم التوصل إلينا .
تم توزيعنا على عدة ” بدرومات ” ضيقة مترين فى متر ولايوجد تهوية جيدة ، فكانت الإجراءات صارمة ، فلا يتم فتح الباب إلا لدخول ” دورة المياه ” ثلاث مرات يومياً على حسب مزاج السجان ، فأحياناً كان يفتح الباب مرتين فقط ، فكنت أعاني أشد المعاناة فى تلك الفترة .
وبعد كل فترة إخفاء يتم فتح باب الزيارات وتصلنا أخبار سيئة عن وفاة أحد الأقارب أو الأصدقاء ، فكل هذة الأخبار السيئة كانت تتراكم دفعة واحدة ، فتمثل صدمة كبيرة لنا ، بالإضافة لعمليات التعذيب هناك.
والدي مغترب فى جمهورية بنين ،لم يمكنني الإتصال به إلا بعد ثلاث سنوات ونصف من الحجز بعد إلحاح طويل .
وقد أصابني العديد من الأمراض داخل المعتقل مثل الروماتيزم ، وامراض العظام بسبب الإهمال الطبي وعدم التعرض لأشعة الشمس ، فالوضع الطبي كان مميت هناك بسبب انتشار العديد من الأمراض مثل الإلتهاب الرئوي .
ماهي أصعب الليالي التى مررت بها داخل المعتقل ؟
أصعب الليالي التى مررت بها كانت ” ليلة القلم ” عندما اكتشفت عناصر المليشيات وجود قلم بحوزتي أنا وزملائي ، فتم تعذيبنا بأشد أنواع العذاب من رمي الماء البارد علينا فى أماكن مفتوحة ، والقيام بركلنا فى أجزاء متفرقة ، وإجبارنا على أداء تمرينات قاسية ، والتدحرج على الارض وكذلك التعذيب بسلوك الكهرباء ، امتلاك القلم كان يمثل جريمة بالنسبة لهم لانه يمثل خطراً عليهم .
ومن الليالي الأخرى التى مررت بصعوبة عندما أُصيبت أمي فى حادث سير ولم تتمكن من زيارتي لمدة شهر ، هذا الأمر أقلقني كثيراً وظننت أنه قد حدث لها شيئاً كبير ، ولم ينتهي قلقي إلا عندما جاءت لزيارتي.
كيف تم إطلاق صراحك من المعتقل ؟
أُطلق صراحي فى الخامس عشر من شهر أكتوبر 2020 ، فى عملية تبادل الصحفيين مقابل مقاتلين حوثيين أسرتهم قوات التحالف والحكومة اليمنية ، وبعدها توجهت مباشرة للقاهرة للإقامة مع ووالدتي ، وأيضًا للعلاج من الأمراض التى أصابتني خلال فترة السجن.
ذكرى من داخل المعتقل محفورة فى عقلك ولن تنساها ؟
كل أيام المعتقل لا يمكنني نسيانها ، ولكني حتى اليوم لم أستطع نسيان أصوات السجناء الذين يتم تعذيبهم بطرق وحشية فى وقت متأخر من الليل ، كان هذا الأمر ألم نفسي كبير ، فأنا استمع للصراخ والآنين ولا أستطيع التخفيف عنهم ، فقد كان يتم تعليقهم طوال الليل وتعذيبهم بطرق مختلفة ، وبعد خروجي من المعتقل لم أتمكن من تجاوز الأمر .
وأتمنى أن تنقضي الأيام سريعاً ويذهب الحوثيون بغير عودة ، وتعود البلاد إلى ماكانت عليه.