قال الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، إن الإنسان مدني بطبعه لا حياة له بمفرده؛ بل حياته بمجتمع وتواصل، فلابد له من صلة بمن حوله من جنسه، وقد أتاحت التقنية الحديثة وثورة الاتصالات المعاصرة أنماطا من التواصل لم يكن للناس بها عهد ولم يكن لهم بها معرفة، فقد جعلت الناس في تواصل ليس له نظير فيما يعهدون ويعرفون، تواصل لا يحده مكان ولا زمان ولا جنس ولا سن، تواصل واسع الانتشار استوعب العالم بأسره، شرقه وغربه، صغيره وكبيره، ذكره وأنثاه، على اختلاف الديانات وتنوع الثقافات.
وأضاف الضويني خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الرابع لكلية أصول الدين بالقاهرة والذي جاء تحت عنوان «وسائل التواصل الحديثة بين المكتسبات الحضارية والثوابت الاجتماعية من منظور إسلامي»، أن الله يقول في كتابه الكريم: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة»، وإن حاجتنا إلى التثبيت في الدنيا تسبق حاجتنا إليه في الآخرة؛ ولا يخفى عليكم أننا نعيش اليوم واقعًا مليئًا بفتن تغير الأفكار والقناعات، وتخدع وتغر بما تطرحه من شائعات وشبهات تبث ليل نهار، تحتاج إلى تثبيت، ولقد أثرت وسائل التواصل على الأخلاق والسلوك والتعامل بين الناس؛ فأصبحت البيوت الحية بحديث أهلها صامتة كأنها خالية، واستبدلت مجامع الناس للحديث والمؤانسة بصمت مظلم، بل أثرت على بعض الناس في دينهم، فجعلت من بعض العقول عقلية خرافية، أشربت أفكارا فاسدة.
وأوضح الدكتور الضويني، أن شبكات التواصل الاجتماعي بشتى صورها قد صارت جزءا من حياة الناس اليومية في كثير من شئونهم ومصالحهم دينيا أو دنيويا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو إعلاميا، ومن هنا وجب التنبيه إلى أن هذا التواصل وهذا النوع من التقدم له إيجابيات كثيرة، ينبغي أن تستغل وينتفع بها، كما أن له سلبيات كثيرة وخطيرة ينبغي أن ينبه ويتنبه لها وأن تتقى وتحذر، وأن تلك التطبيقات التي انتشرت بين أيدي الناس بشتى صورها وأنواعها تؤثر تأثيرا كبيرا على الصغير والكبير، ذكرا كان أو أنثى فمن المهم أن يدرك الجميع خطورة ما يكون فيها من شرور وأن يتوقى ذلك في أنفسهم وفي أسرهم.
وأضاف وكيل الأزهر أن تلك التطبيقات لا حصر لها ولا تحديد بل هي متنوعة يحدث للناس فيها في كل زمان تجديد وتنويع، كل ذلك في استعمال يحتاج إلى ترشيد وتنبيه فما يبث في تلك التطبيقات إما أن يكون خيرا فأستفيد منه وانتفع، وإما أن يكون شرا يفضي إلى هلاك وفساد في دين أو دنيا، ومنه ما لا خير فيه ولا شر، وهذا من اللغو الذي ينبغي أن يعرض عنه، وفي ضوء هذا فإن شبكات التواصل الاجتماعي يرى فريق أنها وسعت الإدراك، وزادت من الوعي، ونقلت البشر في سنوات معدودة إلى عالم لم يكن يمكن الوصول إليه بوسائل الاتصال التقليدية، وفريق آخر يرى أنها سبب في الانفلات الأخلاقي والاجتماعي، وأن ضررها قد تجاوز منفعتها بمراحل، فمع من نقف؟ مع الطرف الأول الذي ضخم الإيجابيات، أم مع الطرف الثاني الذي ضخم السلبيات؟.
وأوضح أن هذا المؤتمر جاء لكي يحدد لنا طريق التعامل مع تلك الوسائل إيجابا وسلبا، فلا يمكن إنكار حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي قد عادت على العالم أجمع بإيجابيات عديدة، ومن هذه الإيجابيات على سبيل المثال أنها قد سهلت الاطلاع على جديد المعارف من إصدارات بحثية ومحاضرات، كما سهلت عملية التواصل بين الأفراد، فأصبح العالم بفضلها أشبه بقرية صغيرة، حيث يستطيع مستخدمها التواصل مع شخص آخر في مكان آخر بعيد عنه بكل سهولة، وتأتي الفرصة للتعرف على أشخاص جدد يشاركونه الاهتمامات، وتكوين علاقات جديدة معهم، وفي المقابل فإن لمواقع التواصل الاجتماعي سلبيات عديدة أيضا؛ فالعلاقات التي يتم بناؤها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عادة ما تكون زائفة وليست حقيقية، إلا أنها تجعل المرء يظن العكس، فيصبح من الصعب التفريق بينها وبين العلاقات الحقيقية في العالم الحقيقي، كما لا يمكن إنكار حقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعي قد قللت إنتاجية الفرد؛ نتيجة إلهاء مواقع التواصل الاجتماعي للأفراد، علاوة على ذلك، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تخل بخصوصية الأفراد حتى مع وجود الإعدادات التي توفرها هذه المواقع لحماية خصوصية المستخدمين.
ولفت وكيل الأزهر إلى مما يجب التحذير منه أن لتلك الوسائل آثارا مدمرة على المجتمع وعلى الدين وعلى الأخلاق فقد ساعدت البعض على التجرؤ على الشرع الحكيم والخوض فيه بلا علم، ورد النصوص بغير بينة، وتهوين الواجبات والمحرمات، وبث الشبهات لإسقاط كثير من الأحكام، ويتلقف ذلك العامة؛ فيصابون بالشك في بعض أحكام دينهم، وتكثر البلبلة والجدال في أوساطهم، ومجالس الناس شاهدة على تفشي هذه الظاهرة بعد انتشار هذه الوسائل، حتى صار الانقسام بين الناس، واختلافهم في دينهم ظاهرا جليا، وأخطر من ذلك أن الملحدين استغلوا وسائل التواصل الاجتماعي لكسر المقدسات في نفوس المسلمين، وتهوينها في قلوبهم والطعن في رسل الله وكتبه وشرائعه، إضافة إلى أن البعض ينشر كل ما يعجبه وتارة ما يعجبه هذا ينسب كذبا للدين، فيتلقفها من لا علم له، لمجرد أنها أعجبته، ويتبرعون بنشرها محتسبين أجرها، والواجب على من بلغه شيء من ذلك أن يتثبت بسؤال أهل العلم عن صحته قبل نشره، فإن تبين خطؤه نبه مرسله إليه ووعظه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».