وصلت قمة التوتر بين مصر وبريطانيا الى حد مرتفع عندما اشتدت أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم فى منطقة القنال , فقد كانت الخسائر البريطانية نتيجة العمليات الفدائية فادحة وخاصة في الفترة الأولى مما أدي إلي إنسحاب العمال المصريين من العمل في معسكرات الإنجليز مما أدي إلي وضع القوات البريطانية في منطقة القناة في حرج شديد.
فمنذ أكثر من ستين سنة وبالتحديد فجر يوم الجمعة 25 يناير 1952 فهو يوم يوضح لنا قصة كفاح شعب مصر ضد الاحتلال البريطانى الغاشم بكل طبقاته من شرطة و فدائيين و عمال و طلبة و مفكرين , حيث أقدمت القوات البريطانية على مغامرة أخرى لا تقل رعونة أو استفزازًا عن محاولاتها السابقة لإهانة الحكومة وإذلالها حتى ترجع عن قرارها بإلغاء المعاهدة.
فقام القائد البريطاني بمنطقة القناة باستدعاء “البريجادير أكسهام” ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات “الشرطة” المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة وترحل عن منطقة القناة كلها. والانسحاب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز إختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته فى منطقة القنال.
ولكن علي الفور رفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلى وزير الداخلية في ذلك الوقت ” فؤاد سراح الدين باشا ” الذي أقر موقفها، وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام . وهذا ما تسبب في فقدان أعصاب القائد البريطاني في القناة وقامت قواته ودباباته وعرباته المصفحة فكانوا تقريبا 7000 جندي وظابط ومعهم عشرات الدبابات والعربيات المدرعة وعربيات اللاسلكي بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على 800 في الثكنات وثمانين في المحافظة , وقاموا بمحاصرة قسم “شرطة” الاسماعيلية لنفس الدعوى بعد أن أرسل إنذارا لمأمور قسم الشرطة يطلب فيه منه تسليم أسلحة جنوده وعساكره ، غير أن ضباط وجنود “الشرطة” المصرية رفضوا قبول هذا الانذار.
ووجهت دباباتهم مدافعهم وأطلق البريطانيون نيران قنابلهم بشكل مركز وبشع بدون توقف ولمدة زادت عن الساعة الكاملة ، ولم تكن قوات “الشرطة” مسلحة بشىء سوى البنادق العادية القديمة , ومع ذلك قاوم الجنود المصريون واستمروا يقاومون ببسالة وشجاعة فائقة ودارت معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة فى القسم ولم تتوقف هذه المجزرة حتى نفدت آخر طلقة معهم بعد ساعتين طويلتين من القتال، سقط منهم خلالهما 50شهيدًا و 80 جريحا وهم جميع أفراد حنود وضباط قوة الشرطة التى كانت تتمركز فى مبنى القسم ، وأصيب نحو سبعون آخرون، هذا بخلاف عدد آخر من المدنيين وأسر من بقي منهم , بينما سقط من الضباط البريطانيين13 قتيلا و12 جريحا .
كما أمر البريطانيون بتدمير بعض القرى حول الاسماعيلية كان يعتقد أنها مركز إختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته فقتل عدد آخر من المدنيين أو جرحوا أثناء عمليات تفتيش القوات البريطانية للقرى المسالمة .
وبعد أن سالت الجدران من الدماء أمر الجنرال “اكسهام” بوقف الضرب لمدة قصيرة لكي يعلن علي رجال الشرطة المحاصرين في الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعي الأيدي وبدون أسلحتهم والا فان قواته ستستأنف الضرب باقصي شدة
ولكن أصيب القائد البريطاني المتعجرف بالدهشة حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه مليئ بالحماسة والوطنية وهو النقيب “مصطفي رفعت” فقد صرخ في وجهه في شجاعة وثبات قائلا : ” لن تتسلموا منا الا جثثاً هامدة” وبرغم ذلك الجحيم ظل ابطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة لأنها معركة أرض وشرف وكرامة وعرض , واستمرت هذة المعركة الا أن نفذت طلقاتهم وموت الظباط والجنود وما تبقي منهم تم أسرهم ثم بعد ذلك تم الإفراج عنهم في نفس السنة فبراير 1952 وظل هذا اليوم تخليدا لذكراهم ولأرواح الشهداء وتم اعتبار هذا اليوم 25 يناير عيد “الشرطة المصرية ”
حيث لم يستطع الجنرال” اكسهام ” ان يخفي اعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال قائلا : ” لقد قاتل رجال الشرطه المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فان من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا
وقاموا جنود بريطانية بأمر من الجنرال “اكسهام” بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم امامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم .