نشرت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة اليوم والتي جاءت تحت عنوان “معنَى التاجرِ الصدوقِ ومنزلتُهُ ولماذَا هو مع النبيينَ والصديقينَ”
موضوع خطبة الجمعة اليوم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وبعدُ:
فإنَّ الصدقَ صفةُ المتقينَ، وطريقُ الفائزينَ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وهو جماعُ كلِّ خيرٍ، وأصلُ كلِّ فضيلةٍ، يقولُ سبحانَهُ: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
وللصدقِ مجالاتٌ متعددةٌ في القولِ والعملِ مِن أهمِهَا: الصدقُ في البيعِ والشراءِ وسائرِ المعاملاتِ الماليةِ، فالتاجرُ الصدوقُ هو الذي يتحلَّى بالصدقِ والسماحةِ ومكارمِ الأخلاقِ وحسنِ المعاملةِ بيعًا وشراءً لا يغشُّ ولا يخدعُ ولا يستغلُّ ولا يخونُ ولا يحتكرُ يرجُو مِن ربِّه سبحانَهُ خيرَيِ الدنيا والآخرةِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ:(البَيْعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَدَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى)، ويقولُ ﷺ: (أَلَا أُخبِرُكُمْ يمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ – أو بمن تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيْنِ سَهْلِ).
والتاجرُ الصدوقُ أمينٌ في بيعِهِ وشرائِهِ وسائرِ، معاملاتِه، وقد مرَّ نبيُّنَا ﷺ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَنَا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَ فَلَيْسَ مِنِّي(.
ومِن صفاتِ التاجرِ الصدوقِ الوطنيةُ الصادقةُ، فالتاجرُ الوطنيُّ الحكيمُ ينطلقُ في معاملاتِهِ مِن التزامٍ دينيٍّ وشعورٍ إنسانِيٍّ، لذلك فهو يبتعدُ عن كلِّ صورِ الجشعِ والغشِّ والاحتكارِ والاستغلالِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ:(المُحتَكِرُ مَلعون)، ويقولُ ﷺ:(مَنْ غَشَ فَلَيْسَ مِنّا)، ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : مَن دخلَ في شيءٍ مِن أسعارِ المسلمينَ لِيُغْلَيَهُ علَيهِم فَإِنَّ حقًّا عَلَى اللَّهِ تباركَ وتعالى أنْ يُقْعِدَهُ بِعِظَمِ مِنَ النَّارِ يومَ القيامةِ)،ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (اليَمِينُ الكاذبةُ مُنفّقَةٌ للسلعة، مُمحِقةً للبركة)، ويقولُ ﷺ: (مَنْ كَسَبَ مالا حَرَامًا فَأَعتَقَ مِنْهُ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، كَانَ ذَلِكَ إصْرًا عليهِ)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ) : (إِنَّ التَّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ)
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلينَ سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
لا شكَّ أنَّ منزلةَ التاجرِ الصدوقِ عندَ اللهِ تعالى عظيمةٌ، ويكفيهِ في ذلك حديثَ نبيِّنَا ﷺ: (التَّاحِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصَّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)؛ ذلك لأنَّ مَن يقدمُ الآخرةَ على العاجلةِ، ولا يحتكرُ ولا يغشُّ ويراعِي أحوالَ الناسِ حُقَّ لهُ أنْ يكونَ مع النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحسنَ أولئكَ رفيقًاذلك أنَّ معالجةَ النفسِ ومجاهدتَهَا بالحرصِ على الصدقِ والأمانةِ وإيثارِ ما يبقَى على ما يفنَى ليس بالأمرِ اليسيرِ الذي يُطيقُهُ كلُّ إنسانٍ في جميعِ أوقاتِهِ وتصرفاتِهِ، لذا كان إيثارُ التاجرِ للمكسبِ الأقلِّ مع الصدقِ والأمانةِ على أيةِ مكاسبٍ أُخرَى تأتي بشبهةٍ أو مالِ حرامٍ وحرصُهُ على تحرِّي الحلالَ يرقَى بهِ إلى صحبةِ النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ.
إنَّ اتباعَ التاجرِ الصادقِ لنبيِّهِ ﷺ وتأسيَهُ بهِ يجعلهُ أهلًا لمرضاةِ ربِّهِ بالبركةِ في مالِهِ ورزقِهِ وشمولِهِ برحمتِهِ ورضوانِهِ يومَ القيامةِ، لقد تاجرَ نبيُّنَا ﷺ مع عمِّهِ أبي طالبٍ ومع أُمِّ المؤمنينَ خديجةَ (رضي اللهُ عنها)، فكان ﷺ خيرَ مثالٍ للتاجرِ الصدوقِ الأمينِ، حيثُ وصفَهُ السائبُ بنُ أبِي السائبِ (رضي اللهُ عنه) بقولِهِ: كُنتَ شريكِي في الجاهليةِ، فكنتَ خيرَ شريكٍ، لا تُدارينِي، ولا تُمارينِي أي: لم يكنْ ﷺ يُخفِي عيبًا في سلعةٍ، ولا يُجادلُ بالباطلِ.
اللهُمَّ اكفنَا بحلالِكَ عن الحرامِ، وأغننَا بفضلِكَ عمَّن سواك.
واحفظْ بلادَنَا مصرَ وسائرَ بلادِ العالمين