أعطيت الصديق اشرف فؤاد المصري المقيم في الكويت نصيحة منذ يومين ان لا يكتب او يغرد بأي شيء متعلق بالعلاقات بين مصر والكويت ، وقلت له ان هذه المرحلة أي شيء تكتبه سيؤخذ بشكل سلبى.
ولكني فشلت ان يأخذ بالنصيحة التي اعطيتها له، ووجدت انه لابد ان يتكلم احد، اذا كانت التصريحات الرسمية تخرج لتؤكد ان كل شيء تمام والامور ممتازة ولا يمكن تعكير صفو العلاقات التاريخية بين البلدين وان ما نشهده احداث فردية .
لا اسفة يا افندم.
كل شيء ليس تمام.
وهناك مرارة شديدة تزداد كل يوم ومنصات التواصل ( او عدم التواصل في هذه الحالة) تشهد ، وسبب ازديادها اننا ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعامة ولا نريد ان نرى the elephant in the room !
والقضية لم تبدأ بإعادة طائرات بعد ان حلقت في الجو ولا عندما ضرب متنمر عامل مصري في جمعية ولا حتى عندما خرج علينا مذيع ساذج حاول ان يثبت ان لا أحد يريد ان يحرق علم الكويت فدفع ثمن ذلك!
فالقضية متجزرة لها اسباب اجتماعية وسياسية.
فعلى المستوى الاجتماعي هناك جيل من الكويتيين الذين كانوا يرون مصر بعيونهم، التي عاشت زمن الرخاء والثقافة والفن – زمن أم كلثوم وَعَبَد الحليم حافظ ، هذا الجيل الذي كان يذهب لمصر ليدرس ويتنزه ويحضر مسرحيات فؤاد المهندس وحفلات الست – هذا الجيل لم يتبقى منه الكثيرون، ومصر التي كانوا يعرفونها لم يتبقى منها الكثير هي ايضا.
وظهر جيل من الكويتيين تعلم في الولايات المتحدة واوروبا والكثير منه ينظر الى مصر على انها بلد فقير يأتي اهلها لكي يعملون هنا ولا تعني له حضارة سبعة الاف سنة اي شيء.
والنظرة الى “من يعملون هنا” تتفاوت- فهناك من يحترم هؤلاء الوافدين ويرى ان اغلبهم لهم دور في المجتمع، وهناك من يرى انهم شغلوا وظائف، الكويتيون احق بها. وهناك من لديه نظرة عنصرية تجاه الاخر واذا كان في السابق لا يظهرها اصبح اليوم لا يخجل منها بل يعتقد انها نوع من الوطنية والحفاظ على البلد من هولاء الذين اتوا لأخذ خيراتها التي هو احق بها، متناسيا ان هولاء يعملون مقابل رواتبهم ولا احد يمن عليهم وان الذي أتى بهم الى هنا كويتي مثله.
وعلى الجانب الاخر هناك المصريون الذين يعملون في الكويت وتختلف طبقاتهم بين عامل البناء والبائع في محل والمحاسب في شركة والمهندس والطبيب والمستشار القانوني، وكل واحد منهم يأتي بخلفيته الثقافية ومستواه الاجتماعي في بلده.
وهناك تفضيل لاستخدام العامل الهندي او الاسيوي عّن العامل المصري لاسباب اولها ان العامل الهندي مطيع ( ثقافة شعوب) ومهاود مقابل العامل المصري الذي ليس بنفس خضوع جنسيات اخرى.
وثانيا لان هناك علاقات اجتماعية قديمة بين الكويت والهند وكان التجار الكويتيون يبحرون الى الهند على متن سفن “البوم” الخشبية قبل النفط، يقضون نصف العام هناك والنصف الاخر في الكويت، فهناك تعود وارتياح تاريخي بين الشعبين.
اما بالنسبة للوظائف الاخرى فهي وظائف يشغلها كويتيون ايضا ويرون انهم احق بالوظيفة، لكن الوافد يقبل براتب اقل وساعات عمل اكثر والقطاع الخاص يفضّل تعيين الاجنبي.
كما ان اغلب المواطنين الكويتيين يفضّلون الوظيفة الحكومية لكونها اكثر امنا وأكبر راتبا واقل جهدا.
ومع مرور الوقت وازدياد اعداد الكويتيين بدأت الحكومة تفرض نسب تكويت على الشركات والبنوك وغرامات على من لا يلتزم بها، الا ان ذلك لم يخفض عدد العمالة الوافدة التي كانت تنمو سنويا ولو بنسب بسيطة.
فازدحمت الشوارع واصبحت الكويت تعاني من اختناقات مرورية وبدأ التضييق على منح رخص قيادة للوافدين على اساس انهم هم سبب الازدحام، ومن هنا بدات حالة من الضجر تجاه هؤلاء الاجانب الذين “زحموا الديرة.”
ثم جاءت ملفات سياسية القت الزيت على النار، وبدأ التركيز على الجالية المصرية لكونها ثاني اكبر جالية بعد الجالية الهندية،
الا ان الجالية الهندية جزء كبير منها يعمل كخدم في المنازل، فلا احد يريد ان يستغنى عن خادمته او سائقه.
وبدأت جماعات سياسية لديها خلاف ايديولوجي مع مصر استخدام ملف العاملين المصريين لتعكير العلاقات ( كما يحب ان يصفها السياسيون) وانطلقت اصوات وحسابات على منصات التواصل، بعضها كان يوما يتغنى بمصر وجمالها، تحول ١٨٠ درجة واصبح يتعمد الاستخفاف بالبلد والسخرية منها واستباحة اهلها.
وبطبيعة الحال ظهرت حسابات في الجانب الاخر ترد وتسيء للكويت وهناك ايضا في مصر من مازالوا يرون دول الخليج كما كانت زمان قبل النفط عندما كانت مصر تقدم مساعدات وترسل مدرسين، فانطلقت معركة المعايرة والتراشق بين الطرفين، وبدل ما وحدة اللغة تجمعنا، سهلت الاساءة وتوصيل رسالة كراهية.
ومع الاسف هناك تقصير من الجهات الرسمية التي لم تفعل اي شيء جدي لوقف الحسابات والاساءات، فتفشى الامر بين الطرفين، واصبح عادي جدا ان يسيء اي شخص هنا لأي شخص هناك والعكس صحيح حيث انه لا يوجد رادع او مانع.
وبعد ذلك الباقي كله تفاصيل.
فماذا سنفعل؟ هل نستمر في التراشق على منصات التواصل ونبتسم لبعض امام الكاميرات ام نتصارح ونحل المشكلة وديا؟
ام نقول انه لا يوجد مشكلة وكل شيء تمام ؟؟؟
انصح كمحب للبلدين ان يتم التعامل بصراحة مطلقة مع الملف وان يتم التنسيق حول ما هي العمالة التي تحتاجها الكويت، وان يتم الاتفاق على عودة الاعداد والمهن التي لا تريدها ‘ حتى لو كانت كل المصريين ‘ مع الحفاظ على كرامتهم وكامل حقوقهم..، فهولاء لم يهبطوا على الكويت من السماء بل اغلبهم تم استدعاءهم من وطنهم للعمل واتوا للكويت سعيا وراء باب رزق شريف. فمصر كبيرة وتشهد حاليا نهضة تنموية وكما استوعبت اللاجئين اليها على مر العصور لن تضيق بابنائها، وهذا افضل بكثير من ان يعيش كل منا غير مرتاح، في انتظار ان تشعل اي حادثة صغيرة فتيل الازمة.
كما يجب تطبيق عقوبات غليظة ورادعة على أي طرف يسيء للاخر حتى نغلق ابواب جهنم.
وعلينا ان لا نأخذ هذا الامر بحساسية فالمصالح هي التي تجمع بين الدول وهي التي تفرقها، ومازلت ارى ان ما يجمعنا مع الكويت اكثر بكثير من ما يقرفنا.
اللهم بلغت اللهم فأشهد….