يغيب عن البعض أن مجرد الاستهزاء بالنقود الوطنية أو إطلاق التعليقات أو الإشارات بأي صورة من الصور سواء بالقول أو بالتصوير يمثل جريمة يعاقب عليها القانون ، حيث أن النقود الوطنية تروج لسمعة البلاد ، وتنطق باسمها ، وتعبر عن ماضي الشعب وحاضره .
ولذلك عني المشرع بحماية هذه النقود من أي تعدٍ بالاستهزاء أو الإهانة ، وهو ما تضمنه قانون إصدار البنك المركزي والجهاز المصري رقم 194 لسنة 2020 حيث نصت المادة 59 من هذا القانون علي أنه :- ” يحظر علي أي شخص بخلاف البنك المركزي إصدار أي أوراق أو مسكوكات من أي نوع يكون لها مظهر النقد أو تشبه النقد ، كما تحظر إهانة النقد أو تشويهه أو إتلافه أو الكتابة عليه بأي صورة من الصور .
وتنص المادة 226 من ذات القانون علي أنه :- ” …. ويعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف حكم المادة 59 من هذا القانون فيما يتعلق بإهانة أو تشويه النقد ”
ويأخذ حكم الإهانة التشويه سواء بالكتابة أو بالرسم أو بالحرق أو بالبلل أو بتغيير المعالم بالكتابة عليه .
ولقد ظهر في الآونة الأخيرة الكثير من الفيديوهات لبعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يصورون النقود الوطنية بطريقة مسيئة ، ويقومون بنشرها على صفحاتهم الخاصة مصحوبة بتعليقات غير لائقة ، بشكل يهدد أمن واستقرار البلاد ، ويهز صورتها وسمعتها أمام الكافة .
فالنقود الوطنية وخصوصاً العملات المعدنية أو الورقية تسهل لأي شخص يطلع عليها أو يتداولها أن يري ماضي الدولة وحاضرها ، فقد أصبح نظام النقود أسلوباً مبتكراً لتبادل الثقافات والمعارف الخاصة بالشعوب وتراثها، إلي جانب أنها وفقاً للاعتبارات الاقتصادية يعتبرها علماء الاقتصاد بمثابة عقداً اجتماعياً ، ويبرهنون على ذلك من خلال مراقبة المراحل التاريخية التي تمتد عبر آلاف السنين منذ ظهور مفهوم العملة بأشكالها الأولى حتى الوقت الراهن ليصلوا إلى نتيجة مفادها أن هناك ترابطاً عضوياً بين العملة وبين مفهوم السيادة الوطنية .
محل الحماية الجنائية في نص تجريم إهانة النقود الوطنية :
ونشير إلي أن محل الحماية في هذا النص هي النقود الوطنية بكل أشكالها، فالنقود مصطلح شامل يتسع ليشمل العملات المعدنية والعملات الورقية والشيكات المصرفية والسندات والكمبيالات والأسهم ، بمعني أن النقود تشمل كل وسيلة لتبادل القيم والوفاء بالالتزامات .
و الاستهزاء بالنقود الوطنية وما تشمله من عملات الدولة الورقية أو المعدنية أو المسكوكات الأخرى يمثل اعتداء على هيبة الدولة وإضراراً بالاقتصاد الوطني ، فهو لا يؤدي للاستهانة بشعار الدولة ونقودها الرسمية فقط ، بل يؤدي إلى تقليل قيمتها وعدم قبولها بشكل مباشر أو غير مباشر فيؤثر سلباً على تداولها، ومن ثم تضاءل قيمتها وقوتها السوقية علي كل المستويات .
الركن المادي لجريمة إهانة النقود الوطنية :
يتمثل الركن المادي لجريمة إهانة النقود الوطنية في أي صورة من صور الإهانة للنقود الوطنية ، مثل السخرية والاستهزاء أو التعليق غير اللائق ، وكذلك الحرق والإتلاف والعبث بها أو تغيير شكلها أو طلائها بالحبر أو إنقاص معدنها أو أي فعل آخر من شأنه الانتقاص من هيبتها ، والإخلال بالثقة العامة لهذه النقود ، وما تمثله هذه الظاهرة من استهانة بالنقود الوطنية التي تحمل شعار الدولة .
وباستعراض كل صور الاعتداء على النقود الوطنية نجد أن فيها مبرر للتدخل التشريعي لتجريم هذه الصور ، حيث أنها تؤدي إلي الانتقاص من هيبتها وبالتالي هيبة الدولة ومن ثم التأثير علي اقتصاد البلاد ، ومن ثم فقد عاقب المشرع علي كافة صور الاعتداء كونها تؤدي للإخلال بالثقة العامة وتهدد الكيان الاقتصادي بالدولة، وتعمل على المساس بهيبة الدولة وسلطانها .
ولا شك أن هذه الأفعال لا تقع إلا عن طريق العمد ، ونستبعد أن تقع هذه الجريمة عن طريق الخطأ ، فكل من يقوم بالسخرية أو الإهانة أو المساس بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة ممثلة في نقودها ، أو شعاراتها أو رموزها الوطنية أو أي من متعلقاتها فإن ذلك لا يقع إلا بتوافر الركن المعنوي الذي يتمثل في القصد الجنائي العام .
العقوبة المقررة لمرتكب جريمة إهانة النقود الوطنية :
يعاقب المشرع كل من يرتكب فعل من أفعال إهانة النقود الوطنية بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف حكم المادة 59 من هذا القانون فيما يتعلق بإهانة أو تشويه النقد .
نري أن عقوبة الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه عقوبة مناسبة لهذه الجريمة وهو أمر يُحسب للمشرع المصري الذي أراد تحقيق غاية الردع لبعض الفئات التي تصور النقود الوطنية بصورة مهينة ، وهو ما شهدناه بكثرة في الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل .
ومما سبق يتضح أن أي صورة من صور الإهانة للنقود الوطنية يُعد سلوك مُجرم وفق قانون إصدار البنك المركزي والجهاز المصري رقم 194 لسنة 2020 ، حيث اعتبر المشرع أن إتلاف العملة أو تصويرها بقصد السخرية أو الإهانة أو استخدامها فيما لم تطبع أو تصنع العملة من أجله بشكل مهين وغير لائق ، أياً كانت قيمة تلك النقود هي أفعال غير مسئولة ، وتؤدي إلى الانتقاص من مكانة ورمزية هذه النقود ، ومن ثم فإنها تشكل جريمة يعاقب عليها القانون .
ومن ثم فإن هذه الكلمات تهيب بأفراد المجتمع الالتزام بالقوانين وعدم التهاون بأي شكل من الأشكال في التعامل مع النقود الوطنية ، لأنها تحمل اسم وشعار الدولة التي ننتمي إليها ، وتعبر عن هويتها وتاريخها وحضارتها، كما أن قيمتها المعنوية أكبر من قيمتها المادية، وأي سلوك يمكن أن يسيء للنقود يمكن أن يكون محل مسائلة جنائية حتي وإن كان علي سبيل الدعابة .