أفرزت الأنشطة اليومية جرائم جديدة في محيط حياتنا ، فتلوث بيئتنا التي نعيش فيها ، حيث تشكل هذه الجرائم تهديداً خطيراً لحياتنا اليومية ولكوكبنا وللأجيال القادمة علي هذا الكوكب .
والجرائم البيئية لا تقيّدها حدود، ولا يحدها نطاق ، فمنها مثلاً التخلص من المخلفات بطريقة غير صحية بإلقائها في الشوارع ، ورمي النفايات الخطيرة بدون مراعاة أي ضوابط ، والإفراط في القطع الجائر للأشجار ، والإسراف في صيد الأنواع المحمية من الحيوانات و الأسماك .
ولا شك أن حماية البيئة من أهمّ الأولويّات التي يجب أن ننظر إليها بوصفها ضرورةً ملحّةً لا بدّ منها، وهي غايةٌ يجب العمل عليها سواءً على مستوى الفرد، والمجتمع، والدولة، وعلى مستوى العالم أجمع؛ إذ إنّ حمايتها من الأمور المتعلّقة بسلامة الحياة على كوكب الأرض، وإمكانيّة العيش عليه دون التعرّض إلى الكثير من المشاكل والكوارث البيئيّة .
وفي هذا الإطار فقد نشطت الدولة المصرية لتنظيم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 في ظل تحديات دولية كبيرة وذلك في الفترة من 7 حتي 18 نوفمبر 2022 في شرم الشيخ ، إيماناً منها بأهمية المحافظة علي البيئة النظيفة التي تلائم الحياة البشرية السليمة .
فحماية البيئة من أهمّ القضايا التي نادت بها الشرائع السماويّة ، فقد عدت خصال المحافظة علي البيئة حمايتها عبادةً من العبادات ، وعدّ رميَ القاذورات والأوساخ فيها من الأفعال التي تستوجب العقوبة، وينال فاعلها الإثم، لذلك يجب علينا جميعاً أن نتكاتف لحماية البيئة، ومنع الضرر الذي قد يصيبها .
تتمثل إشكالية هذه الحماية في انعدام دور المجني عليه بمعني لا يوجد مضرور مباشر في هذه الجرائم ، وبالتالي عدم إثارة النزاع لعدم وجود البلاغ أو الشكوى ، وخاصة أن الضرر قد لا يلحق بفرد معين علي وجه الخصوص ، بمعني أن نتيجة الجريمة البيئية قد لا تمس شخص محدد بذاته ، ولكن النتيجة تمس المجتمع بأسره بل والعالم ككل .
كما تتمثل إشكالية هذه الحماية في أن مسألة حماية البيئة قد تبدو مسألة أخلاقية لا قانونية ، تميل نحو حث القيم الإنسانية للمحافظة علي النظافة و مكافحة التلوث ، ومن ثم فقد يجد البعض غرابة في استخدام سبل العقاب علي التعديات الواقعة علي البيئة .
التدخلات التشريعية لحماية البيئة :
لم يألو المشرع المصري جهداً في محاولة الحفاظ علي البيئة تشريعياً ، فأصدر العديد من التشريعات المتعلقة بالبيئة ، ومنها القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة ، والقانون رقم 38 لسنة 1976 في شأن النظافة العامة ، والقانون رقم 93 لسنة 1962 في شأن صرف المتخلفات السائلة في مجاري المياه والصرف والذي حل محله القانون رقم 48 لسنة 1982 .وقانون التخلص من البرك والمستنقعات وأعمال الحفر رقم 51 لسنة 1987 ، وقانون المحميات الطبيعية رقم 102 لسنة 1983 ، وقانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 ، وقانون الاشعاعات المؤينة رقم 59 لسنة 1960 ، وقانون الطيران المدني رقم 28لسنة 1981 .
ولقد عكفت هذه التشريعات علي مواجهة الجرائم الاتية :
أولاً :- الجرائم الماسة بالطيور والحيوانات البرية والكائنات الحية المائية :
فقد قرر المشرع فرض الحماية علي نوع معين من الطيور والحيوانات البرية والكائنات الحية المائية بمنع صيدها أو قتلها أو الاتجار فيها ، أو إتلاف عششها ، ومن أمثلة هذه الطيور الزرزور ،والكروان ،واللقلق ،والصفير ،و القنابر ،والبلابل المغردة ، وأبو منجل ، ومن أمثلة الحيوانات الكبش الجبلي ،والماعز الجبلي، والفهد ،والنمر ،وغزال لودار الأبيض، والغزال المصري .
ولقد فرض المشرع حمايته علي المحميات الطبيعية التي تحدد طبيعياً للحفاظ علي الطيور والحيوانات من الانقراض ، ومن أمثلتها محمية نبق ، وأبو جالوم ، وجزيرة فرعون بسيناء ، وتجدر الإشارة إلي أن الوسيلة التشريعية لتحديد منطقة ما أنها محمية طبيعية تكون بموجب قرار من رئيس مجلس الوزراء ، بناء علي قرار بتحديد الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض يصدر من وزير الزراعة أو المحافظين بالتنسيق مع جهاز شئون البيئة ، طبقاً لقانون المحميات الطبيعية رقم 102 لسنة 1983 .
كما فرض المشرع حمايته علي النباتات النادرة ومن هذه النباتات العضيد ،والسيال ،والبسلة ، وبلح السكر ، والصفين ،والأراك والحرجل ، والعتر ،و الشوسي ، والسدر ، والربل ، و الحماضي ، والأتل .
فجرم المشرع أعمال قطع أو إتلاف النباتات أو حيازتها أو نقلها أو استيرادها أو تصديرها أو الاتجار فيها بكامل أجزائها أو في جزء منها أو مشتقاتها أو منتجاتها .
وكذلك جّرم المشرع القيام بأعمال من شأنها تدمير موائلها الطبيعية أو تغيير الخواص الطبيعية لها أو لموائلها ، وقطع الأشجار يتم بفصلها عن الأرض ، كلها أو جزء منها ، ولم يحدد المشرع المكان الذي يتم فيه القطع من ثم تقع الجريمة إذا وقع قطع الأشجار في أي مكان ، ولا أهمية لوسيلة القطع سواء بمنشار أو بأي وسيلة آخري ، والإتلاف يعني تخريب أو إفساد النبات أو الانتقاص من فائدته كلياً أو جزئياً .
كما جرم المشرع كل أعمال الاتجار في جميع الكائنات الحية الحيوانية أو النباتية المهددة بالانقراض أو تربيتها أو استزراعها في غير موائلها دون الحصول علي ترخيص من جهاز شئون البيئة وتحدد اللائحة التنفيذية أنواع هذه الكائنات وشروط الترخيص .
ثانياً : الجرائم المتعلقة بالمواد والنفايات الخطرة :
قرر المشرع تجريم طائفة من الأفعال التي تتعلق بالمواد والنفايات الخطرة ،نظراً لخطورة هذه المواد ، والمواد والنفايات الخطرة هي :
هي تلك المواد ذات الخطورة التي تضر بصحة الإنسان وتؤثر تأثيرا ضاراً بالبيئة ، مثال المواد المعدنية أو السامة أو القابلة للانفجار أو الاشتغال أو ذات الإشعاعات المؤينة ، ويدخل في مدلول المواد الخطرة الفيروسات والميكروبات والجراثيم والفطريات والبكتريا وغيرها من المواد المعدية .
ويشمل ذلك أيضاً الإشعاع وهو طاقة كهرومغناطيسية متحركة بسرعة هائلة تنبعث من المواد ذات النشاط الإشعاعي أو أجهزة الأشعة ، كما أنه في الوقت في الوقت ذاته طاقة ضوئية تشتمل علي الموجات الضوئية بكل أطوالها المختلفة ، سواء القصيرة جداً مثل الأشعة الكونية وأشعة جاما وأشعة بيتا و الأشعة السينية وسواء الموجات الطويلة مثل موجات الراديو والرادار والتلفزيون ، ولقد جرت العادة علي أن يطلق الإشعاع علي الإشعاعات ذات الموجة القصيرة جداً التي لها القدرة علي تغيير الحالة الطبيعية للأجسام .
أما النفايات الخطرة هي مخلفات الأنشطة والعمليات المختلفة أو رمادها المحتفظ بخواص المواد الخطرة التي ليس لها استخدامات بديلة .
ونظراً لخطورة هذه المواد فقد جّرم المشرع بعض الأفعال المتعلقة بها ، ومن ذلك استيرادها أو توريدها أو تداولها ، أو استخدام أو رش المبيدات دون مراعاة القواعد والاحتياطات اللازمة .
ثالثاً :- جرائم الإخلال بالنظافة العامة :
كذلك جرم المشرع في قانون النظافة العامة الصادر برقم 38 لسنة 1967 طائفة من الأعمال التي تنطوي علي الإخلال بالواجبات التي التي فرضها المشرع للمحافظة علي نظافة البيئة المحيطة ، ولقد رصد المشرع العديد من الأفعال التي تمثل تهدد للبيئة وتنطوي علي تلويث لها ، ومن أهم هذه الأفعال ما يلي :
إلقاء قمامة في غير الأماكن المحددة لها :
حظر القانون رقم 38 لسنه 1967 فى مادته الأولى وضع القمامة أو القاذورات أو المتخلفات أو المياه القذرة فى غير الأماكن التي يحددها المجلس المحلى ، فجرم المشرع وضع القمامة أو القاذورات أو المخلفات أو المياه القذرة في غير الأماكن التي حددها المجلس المحلي .
ويقصد بالقاذورات أو القمامة أو المخلفات التي وردت في النص كافة الفضلات الصلبة أو السائلة المتخلفة عن استخدم الأفراد والمباني السكنية ، وغير السكنية كالمباني الحكومية ودور المؤسسات والشركات والمصانع والمحال علي اختلاف أنواعها والمخيمات والمعسكرات والحظائر والسلخانات والأسواق والأماكن العامة والملاهي وغيرها .
ويقصد بالمياه القذرة المياه التي يترتب علي إلقائها في غير الاماكن المخصصة لها أضرار صحية أو مضايقة للعامة أو روائح كريهة أو الإخلال بمظهر المدينة أو القرية أو نظافتها .
عدم حفظ القمامة في أوعية خاصة :
أوجب المشرع في المادة الثانية من قانون النظافة العامة رقم 38 لسنة 1967 علي شاغلي العقارات المبنية وأصحاب ومديري المحال العامة والملاهي والمحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة وما يماثلها حيازة أوعية خاصة لحفظ القمامة بجميع أنواعها ووجوب تفريغها طبقا للقواعد التي تنص عليها اللائحة التنفيذية .
وفي حالة الخالفة أجاز المشرع للجهة الإدارية المختصة أن تقوم بإعداد هذه الأوعية وتحصل ثمنها من المخالف بالطريق الإداري .
مخالفة الشروط والمواصفات في نقل وتشوين القمامة :
أوجب المشرع في نقل وتشوين القمامة أن تتوافر في عملية جمع ونقل القمامة والقاذورات والمتخلفات ، وكذلك في نقل وتشوين المواد القابلة للتساقط أو التطاير الشروط والمواصفات والأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية لقانون النظافة .
عدم إزالة القمامة من الأرض الفضاء :
أوجب المشرع علي حائزي الأراضي الفضاء سواء كانت مسورة أو غير مسورة المحافظة عليها نظيفة ، و إزالة ما يوجد بها من أكوام أتربة أو قاذورات ، و أوجب المشرع فى المادة الثالثة منه أن تتوافر فى عمليات جمع ونقل القمامة والقاذورات والمتخلفات والتخلص منها وكذلك فى نقل وتشوين المواد القابلة للتساقط أو التطاير الشروط والمواصفات التي تحددها لائحته التنفيذية .
وقد نظمت اللائحة التنفيذية للقانون رقم 38 لسنه 1967 فى شأن النظافة العامة والتى صدرت بموجب قرار وزير الإسكان والمرافق رقم 134 لسنه 1968 جمع ونقل القمامة والتخلص منها ، فأجازت فى مادتها الخامسة للجهة القائمة على أعمال النظافة العامة أن تتولى أجهزتها المختصة جمع القمامة والقاذورات والمتخلفات من المبانى والأماكن المنصوص عليها فى المادة الأولى من اللائحة ونقلها إلى الأماكن المخصصة لذلك والتخلص منها، أو أن تعهد بهذه العمليات أو بعضها إلى متعهد أو اكثر وذلك وفقا للشروط والمواصفات والأوضاع التي يقررها المجلس المحلى المختص .
كما أجازت اللائحة التنفيذية للجهة القائمة على أعمال النظافة العامة فى سبيل ذلك أن تحدد أماكن تخصص لوضع وإلقاء القاذورات والقمامة والمتخلفات تمهيدا لنقلها فإذا لم تحدد الجهة المذكورة تلك الأماكن وجب على شاغلى المبانى والأماكن المشار إليها الارتباط بمتعهد، مع الاحتفاظ بما لديهم من القمامة والمتخلفات فى الأوعية المخصصة لذلك وتسليمها إلي جامع القمامة التابع للمتعهد أو التابع للجهة القائمة على أعمال النظافة .
كما أجازت اللائحة للجهة القائمة على أعمال النظافة العامة أن تضع صناديق وسلال بالطرقات والميادين وغيرها من الأماكن . وحظرت إلقاء القمامة أو المتخلفات فى غير الأماكن أو الصناديق أو السلال المخصصة لذلك .
ويجب أن تتوافر فى الصناديق التي تضعها الجهة القائمة على أعمال النظافة العامة ذات الشروط التي يتطلبها المشرع فى الأوعية المخصصة لحفظ القمامة والقاذورات والمتخلفات فيجب أن تكون مصنوعه من مادة صماء معدنية أو ما يماثلها وان تكون خالية من الثقوب بحيث لا تسمح بتسرب السوائل والفضلات وان تكون مزودة بغطاء محكم ومقبضين وان تتناسب سعتها مع كمية ما تستقبله من المتخلفات