على الرغم من صدور كتب كثيرة عن حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، فما زال هناك كثير من الحقائق الخافية، التي لم يتعرض لها أحد، كما أن ثمة حقائق أخرى قام بعضهم بتشويهها.
يؤرخ الفريق سعد الدين الشاذلى احداث حرب أكتوبر على الجبهة المصرية إذ كان رئيسا لهيئة اركان حرب القوات المسلحة في ذلك الحين وهو من ألمع وأشهر العسكريين العرب والرأس المدبر وراء هذه العملية .
يبدأ الشاذلي مذكراته قائلًا: “لم نكف عن التفكير في الهجوم على العدو الذي يحتل أراضينا حتى في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو 1967، لقد كان الموضوع ينحصر فقط في متى يتم مثل هذا الهجوم، وربط هذا التوقيت بإمكانيات القوات المسلحة لتنفيذه.
وفي خريف 1968 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة تستطلع إمكان القيام بمثل هذا الهجوم على شكل مشاريع استراتيجية، تنفذ بمعدل مرة واحدة في كل عام، وقد كان الهدف من هذه المشاريع تدريب القيـادة العامة للقوات المسلحة، بما في ذلك قيادات القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي، وقد استمرت هذه المشاريع خلال عامي 1971 و1972، أما المشروع الذى كان مقررًا عقده عام 1973 فلم يكن إلا خطة حرب أكتوبر الحقيقية التي قمنا بتنفيذها فى السادس من أكتوبر1973”.
في هذه المذكرات أجَاب الشاذلي عن أسئلة فاصلة ومحورية في تلك الحرب بل في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي فيقول: “على الرغم من صدور كتب كثيرة عن حرب أكتوبر1973 بين العرب وإسرائيل، فما زال هناك الكثير من الحقائق الخافية، التي لم يتعرض لها أحد حتى الآن كما أن ثمة حقائق أخرى قام بعضهم بتشويهها.
في يوم السادس من أكتوبر 1973 في الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرًا شن الجيشان المصري والسوري هجومًا كاسحًا على إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة “المآذن العالية” التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح غير متوقع، لدرجة أن الشاذلي يقول في كتابه: “في أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي طابور تدريب تكتيكي”.
أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا إلى القيادة الموحدة للجبهتين، التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط عن جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط عن سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بذلك على أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر.
عارض الفريق الشاذلي بشدة أي تطوير خارج نطاق الــ12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية إلى الطيران الإسرائيلي.
بناء على أوامر تطوير الهجوم شرقًا، هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني (في تجاه السويس) بعدد لواءين، هما اللواء الحادي عشر (مشاة ميكانيكي) في اتجاه ممر الجدي، واللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر “متلا”. وفي قطاع الجيش الثاني الميدانى (تجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة في اتجاه منطقة “الطاسة”.
وعلى المحور الشمالي لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع في اتجاه “رمانة”، وكان الهجوم غير موفق بالمرة، وانتهى بفشل التطوير وخسرت القوات المصرية 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير بسبب التفوق الجوي الإسرائيلي.
اكتشفت طائرة استطلاع أميركية، لم تستطع الدفاعات الجوية المصرية إسقاطها بسبب سرعتها التي بلغت ثلاث مرات سرعة الصوت وارتفاعها الشاهق، وجود ثغرة بين الجيش الثالث في السويس والجيش الثاني في الإسماعيلية، وقام الأميركيون بإبلاغ إسرائيل ونجح أرئيل شارون قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلى غرب القناة من الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث، عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرّة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر ، وصلت إلى ستة ألوية مدرعة، وثلاثة ألوية مشاة مع يوم 22 أكتوبر.
تم تطويق الجيش الثالث بالكامل في السويس، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس – القاهرة، ولكنها توقفت بسبب صعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة، خصوصًا بعد فشل شارون في الاستيلاء على الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلي في احتلال السويس، مما وضع القوات الإسرائيلية غرب القناة في مأزق صعب، وجعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية والاستنزاف والقلق من الهجوم المصري المضاد الوشيك.
فى يوم 17 أكتوبر طالب الفريق الشاذلي بسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب، للزيادة من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب، والقضاء عليها نهائيًّا، علمًا بأن القوات الإسرائيلية كانت يوم 17 أكتوبر كانت لواء مدرع وفرقة مشاة فقط.
وتوقع الشاذلي عبور لواء إسرائيلي إضافي ليلًا، لذا، فطالب بسحب أربعة ألوية مدرعة تحسبًا لذلك،وأضاف أن القوات المصرية ستقاتل تحت مظلة الدفاع الجوي وبمساعدة الطيران المصري، وهو ما يضمن التفوق المصري الكاسح وسيتم تدمير الثغرة تدميرًا نهائيًا وكأن عاصفة هبت على الثغرة وقضت عليها. وهذه الخطة تعتبر تطبيقًا لمبدأ من مبادئ الحرب الحديثة، وهو المناورة بالقوات.