حينما يتحول الأبيض إلى رمادي، ويتحول الرمادي إلى أسود ويتحول الأسود إلى عدوان، فتش عن الإعلام، وحينما يتحول الحق إلى شك ويتحول الشك إلى زور ويتحول الزور إلى بهتان فتش عن الإعلام، قالها يسرى فودة من قبل وأقولها الآن، وفي الغالب ستظل هى العبارة الأدق على مر السنين في وصف الإعلام، لأنه ببساطة أحد أهم التروس المحركة لعجلات الدولة، فأما أن يقودها نحو الخروج من عتمة الظلام إلى نور الفهم والتقدم، وأما أن يقودها نحو الضلال والضياع، ولعل الفاصل في ذلك هي الكلمة التي يتلفظ بها الإعلامي وتتطرق إلى أذهان الجمهور، فهي خطيرة إلى الحد الذي قد يهدم أمة أو يصلح شأنها.
بالنسبة لي أري الإعلامي في ثلاث شخصيات، الأول يستغل عمله في الإعلام لإثارة الجدل والفوضى وخلق الفتن للمساهلة في هدم الشعوب، وهؤلاء أصبحوا ظاهرون للجميع في الأونة الأخيرة والكل عرف نواياهم، والشخصية الثانية تستغل عملها الإعلامي في مساندة الوطن وكشف الفساد ووضع حلول له، أما الشخصية الثالثة هي التي ستقف أمامها طويلا ولا تصل إلى موقف ثابت له، وهي التي تتلخص بالنسبة لي في إبراهيم عيسى، فمرة يثير الجدل بتصريح حول الدين، ومرة آخرى ينتقض الفئة الأصيلة وهي نساء الصعيد وغيرها من المواقف الكثيرة.
ما يفعله إبراهيم عيسى ألخصه في مشهدين، الأول هو المساهمة في الحرب على الدين الإسلامي والتشكيك في العقيدة والنصوص القرآنية، وهذا لا أجد له مبرر إلا أنه ضمن عملية ممنهجة على الدين الإسلامي ومحاولات لهدمه، أما المشهد الثاني هو السعي وراء هدم العادات والتقاليد والقيم التي تميزنا نحن المصريين عن غيرنا من الشعوب، والسعي نحو التطبع بتقاليد الغرب وإباحة المثلية وغيرها من الأفكار التي تتنافي مع ديننا الحنيف، وهذا ما يتضح لو ربطنا بين وقوفه تقديرًا لمنى زكي على مشهدها المثير في “أصحاب ولا أعز” وهي تخلع “الكلوت”، وتصريحاته عن نساء الصعيد الأخيرة واتهامهم بأشياء لم نراها من قبل، فهو يساهم في هدم الشخصية المصرية بكل تقاليدها وعاداتها، ويرغب في أن نتطبع بالعالم الغربي، وهذا ما يأخذنا إلى شيء أخر.
الشيء الأخر الذي لربما يسعى لصناعة التريند وتصدر المؤشرات في البحث، فهي أحد وسائل الصراع بين العاملين بالإعلام حاليا، ولكن أعتقد أنه شيء لا يشغل ذهن إعلامي بحجمه، فلو كان الأمر كذلك وكان فعلا من الباحثين عن التريند من خلال التصريحات المثيرة، فلا بد أن تعلم أن هناك فارق كبير بين انتشار المحتوى، وبين قيمة تأثيره في المجتمع، فلو الإعلام يقاس بالتريند لكانت الأفلام الإباحية هي الأكثر استحواذا على شاشات التلفاز وهذا بالأرقام، فهي حقًا الأكثر بحثا ومشاهدة على الانترنت، ولكن الإعلام يقاس بمدى تأثيره الإيجابي على الأشخاص وكيفية الإرتقاء بالمواطن من الناحية الثقافية والأخلاقية.
تصريحاته بين الحين والآخر تذكرني بمقولة “جوزيف جوبلز” وزير الدعاية الألمانية أثناء حكم هتلر الذي قال “أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس”، يبدو أنه يحمل نفس الشعار ويظن أنه أذكى من الجميع ويمارس كذبه وتشكيكه في النصوص الثابته طوال الوقت، ولكن صدقني مهما تكذب وتشكك لن يصدقك أحدًا، لأن ما تتحدث فيه هي نصوص ثابته وراسخة في قلوب الجميع ليست قابلة للشك، وأيضًا لأنك ببساطة لست هتلر.
كعادتي أقدر من أسمائهم كأسماء الأنبياء، فهو شيء عظيم حقًا أن يكون اسمك على اسم نبي، هذا يجعلك تبحث عن سيرته وأفعاله وتحاول أن تقتدي به، ولكن للأسف لم يكن لك نصيبا من اسمك، فلم تكن فصيحا وحكيمًا في حديثك عن نساء الصعيد، كإبراهيم عليه السلام مثلا حينما سأل عن من هدم الأصنام رد ببساطة قائًلا اسألوا كبيرهم ليوضح لهم أن تلك الأصنام لا تتحدث وأنها عاجزة، وأيضًا لم تكن عادلًا في حديثك عن الإسراء والمعراج، كعدل عيسى عليه السلام، الذي قال من كان منكم بلا خطيئة فل يرمهما بحجر.