«التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز». عبارة قد تراها ضمن نصوص دستور 2014 لكن بينها وبين الواقع بون شاسع ولست هنا راغبًا في التطرق إلى مجانية التعليم المقررة بذات المادة 19 من الدستور قدر ما أتساءل عن جدوى المنظومة التعليمية الحالية وتعاطيها مع مبادئ ثلاث: بناء الشخصية، تأصيل المنهج العلمي، وعدم التمييز.
فالمتعاطي مع الواقع يجد أنه أمام براندات وماركات جعلت من التعليم سلعة رائجة تفوق في أسعارها العرض والطلب وأقرب ما تكون لتجارة المكيفات القائمة على صعوبة إقلاع الزبائن، فمهما وجدت الطبقات المختلفة على اتساعها فجوة بين مردود الشهادات العلمية ودنيا المشاهير الهاربين من التعلم، فإن الوجاهة حاكمة في ديمومة التحايل لتحصيل برند أو آخر مهما كان مقابله المادي، وعلى غرار أكاديميات بير السلم غير المعتمدة فإن من المؤسسات التعليمية المعتمدة أضحت تقدم الشهادات بأسعار تنافسية دون النظر لعدالتها أو مناسبتها للشرائح المختلفة لتجد شريحة عريضة نفسها مضطرة للاستدانة وتكبد المعاناة للتشبث ولو قليلا في دنيا البراندات والماركات غير التعليمية.
ورغم أيضا ما تضمنه الدستور من عبارة:«تشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها»، إلا أن الواقع يعكس خيبة في مردود وزارة التربية والتعليم في الرقابة شأن وزارت أخرى في تفعيل رقابتها على السلع أساسية كانت أم ترفيهية، وبمنطق قريب فإن المسؤولين بها مجرد شعارات للاستهلاك المحلي ودون رقم تمثيلي لتلقي الشكاوى على غرار شقيقتها التموين.
يحسب لكثير من الأفراد رغبتهم في التشبث بالوجاهة المجتمعية في تحصيل أبنائهم شهادات ورقية للتفاخر حتى اليوم، رغم التحديات الاقتصادية، ويقدر لهم أنهم لازالوا يحتفظون بنهمهم في شراء سلعة غابت عنها جودتها وفرغت من مضمونها، فلم تعد تعليما ولم تعرف طريقا للتربية، بل أضحت عائقًا إضافيًا أمام أسر حرصت على تربية أبنائهم ليجدوا في تلك المباني مجتمعًا يعكس واقع الانحرافات والسلبيات مجتمعة في آن واحد، فما بين جشع بعض المدراء وتخاذل ثلة من المدرسين، مرورًا بـ «حشيش الخفراء»، لم يجد الطالب طلبه من المدرسة ولم يعرف ولي أمره متى وإلى أين؟
ورغم تفاوت البراندات المدرسية وتباين مسمياتها وتغريب اللغة الأم في وطنها لم يختلف الأمر في مردوده عن أن يكون شهادة بالمقابل المادي دون العلمي، وأضحى أبسط ما تعلمناه سابقًا وما حصلناه مسلوبًا من الجيل الحالي إلى أن يشاء الله، وكي لا أكون متحاملًا على المسؤولين في التربية والتعليم سابقًا، لي جملة من التساؤلات: هل يجد الطالب في مبانيكم على قلتها وتنوعها منهجًا ومربيًا؟ هل يستطيع الحامل لأوراق اجتياز امتحاناتكم المُسربة وخلافها أن يواكب سوق العمل أو يمحو أميته قبل محو أمية الآخرين؟ كم سنة أضعتم على الطلاب وماذا كانت محصلتهم من السنوات المهدرة؟
ربما لن أجد لديكم أجوبة، قدرما سينال مني ألسن اعتدنا أن تصفق لكم طمعًا ورهبا، وقبل أن اترحم على أدنى مظاهر مجانية التعليم في دنيا البيزنس المعاصر علي أن أكون أكثر حنكة وأن أبحث في معاجم الكون عن مسمى لما يحدث في بلادنا غير أن يكون علمًا وأن يكون مجتازه متعلمًا.
لمتابعة أوان مصر عبر يوتيوب اضغط هنا
لمتابعة أوان مصر عبر فيسبوك اضغط هنا