لم تمض سويعات على فزعة شباب البلابيش، التي تمتد بينمحافظتي سوهاج وقنا، حتى بادر الفنان سيد بدرية بتقديم اعتذار مصور عن أي إساءة أو سوء فهم، قد بدر منه بحق البلابيش خلال تصريحاته عن فيلمه الجديد “الثأر ثأري” الذي دخل فعلياً مرحلة التحضير.
إذ أثار ما تناولته بعض الصحف والمواقع الإخبارية حول الفيلم، وتعرضه لمناطق مهمة تحكمها العادات والتقاليد حتى الآن، حفيظة رموز البلابيش خشية من أن يتطور الأمر ليؤدي إلى فتنة حال تعرض ذلك العمل للقبيلة وقراها ونجوعها بالإساءة.
كتبت بالأمس مقالاً عن الفيلم حذرت فيه القائمين عليه، بألا يتعرضوا لاسم البلابيش بسوء، فهي التي ينتمي إليهاالمئات من رجال القضاء والإعلام والسياسة ورجال أقل ما يوصفون به أنهم من عاشقي تراب هذا البلد، مصرنا الحبيبة.
لم يكن المقال متجنياً على أحد، بل عمدت من خلال سطوره لإبراز الصورة العادلة عن البلابيش وسيداتها ورجالها الأوفياء، خصوصاً أن الفيلم سيتناول عادات وتقاليد مختلفة، ومنها حياة المرأة الصعيدية، و الخلافات و”القودة” وتقديم الكفن في صعيد مصر لإنهاء الخصومات الثأرية.
إلا أن ما أثار حفيظتنا هو إمكانية المساس بتلك الثوابت بشكل خاطئ يساء فهمه، لاسيما وأن معظم مشاهد الفيلم تجري خارج مصر.
وتلقيت صباح اليوم اتصالاً هاتفياً من “كاليفورنيا”، وإذبالفنان سيد بدرية مخرج فيلم (الثأر ثأري) يجددالاعتذار والتعهد بعدم المساس سلباً باسم البلابيشوامتداداتها التاريخية بتفاصيل قد تسيء لنا في فيلمه.
وإحقاقاً للحق، لمست فيه طيبة وتعاوناً كبيراً، وحرصاً على الأصول والأعراف، إذ قال في سياق اتصاله ” أنا أعشق الصعيد والقبائل، أقدرها وأحترمها، ولن أُسيء يوماً لها، فأنا من بورسعيد الباسلة، ولا أقبل إهانة أهلي ومحافظتي أيضاً، وبالتالي لن أقبل أن يٌسيء أحد أعمالي إلى البلابيش وقبائلها المحترمة”.
وأكد مراراً وتكراراً احترامه وتقديره للصعيد بكل قبائله وعائلاته ، وأنه سيتم استبدال أي لفظ أو مشهد من شأنه الإساءة، وأنه سيعمل على إبراز شهامة العائلات والقبائل العربية العريقة في صعيد مصر.
وروى على مسامعي أحد المشاهد التي تستدعي تقاليد صعيدية خاصة، ولاحظت خللاً في مضمونه، فطلبت منه تغيير مسار المشهد وتصحيحه، وما كان من الفنان إلا أنه التزم بذلك، فهو لا يعلم حياة “الصعايدة” إلا من خلال السينما التي يمتهنها، ولكن ننصحه بمراجعة التفاصيل مع أبناء الصعيد حتى لا يقع في المحظور.
يقول بدرية أنه خارج مصر منذ 42 عاماً، وهذا في حد ذاته يؤكد عدم درايته (نلتمس له العذر)، وأن المعلومات التي جمعتها عن البلابيش جاءت عبر البحث على الشبكة العنكبوتية فقط، ولم أكن أنوي الإساءة لها، الفيلم عبارة عن ملحمة تكشف عن فخامة الصعيدي وهيبته، ودور السيدة المصرية “ست البيت” ودورها في تربية الاولاد.
ولعل كل ما سرده الفنان شيء طيب، ولكن ما يقلقني حقاً أن السواد الأعظم من المشاركين في الفيلم (أميركان)، وهناك مشاهد لتقديم الكفن بنهاية الفيلم نتمنى ان تُراعى فيها أصول التقاليد، فمثل هذه الاعمال تجعل أصحابها على المحك بين القبول والتصفيق أو درب المحاكم وكيل الاتهامات!
إن مبادرة الفنان سيد بدرية وتوضيحه للأمر خطوة طيبة للغاية، ويجب أن يقابل ذلك منا بكل طيب أيضاً، فأطلب من أبناء العمومة في البلابيش وكل قبائلنا وعائلاتنا ان يتفهموا موقف الرجل، إذ يكفي ما ناله والمشاركين في العمل.
الشيء بالشيء يذكر، قبل سنوات أساء أحد المنتجين الفنيين استخدام مفردات تتعلق بنساء الصعيد، فقامت الدنيا وقتها ولم تقعد، وثار رجال الصعيد وصاحوا بشراهة في وجه من يسيء لنسائهم، عنوان العفة والشرف، ودبت الغيرة والنخوة والدم الحر بأجسادهم حتى انتهى الأمر، بأحكام قضائية بلغت حد السجن بحق المُخطئ وقتها.
أما الحاج سيد بدرية فإننا نراه متفهماً لنا ولحقوقنا ولعاداتنا … ونشكره على المبادرة وتوضيح الموقف، ولكن تذكر أن البلابيش بل الصعيد عموماً خط أحمر… و”إذ عُدتم عُدنا”.
ولا يفوتني ان أشيد بموقف شباب البلابيش الغيور بسوهاج وقنا، والذي يعكس انتماءاً جميلاً، ينبع من وطنيةخالصة وعشق كبير لمصرنا الحبيبة.
أما شباب القبائل الأخرى في دار السلام وقنا الذين عبروا عن تضامنهم مع البلابيش فأقول لهم”اعتدنا منكم الوقفات الرجولية وها انتم كما عودتمونا فشكراً جزيلاً لكم”.