ترادفت في لقاءات وخطابات وبيانات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع وزير العدل، وفي كافة المحافل العامة، وفي تكليفاته للحكومة، إشادته بقضاء مصر الشامخ وحرصه علي دعم استقلاله ومكانته وعليه أسند إليه تحمل المسئولية لإعداد قانون الأحوال الشخصية الجديد، لإعلاء سيادة القانون، واحتراما لسلطة العدالة، ومساندة الجهود المبذولة لتطوير القضاء بما يواكب المسئوليات المتزايدة عليه في ضبط حركة المجتمع، وتحقيق عدالة ناجزة، تضمن الإستقرار في شتي المجالات وتعزيز التنمية، بما يحفظ حقوق المواطن، ويحقق العدالة اللازمة للحفاظ علي تماسك المجتمع وتوازنه، ويعلي من قيمة القانون واحترام أفراد المجتمع والأسرة المصرية.
ولعل توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي لوزير العدل بسن قانون جديد متكامل للأحوال الشخصية للمواطنين لمعالجة جميع المشاكل ومسائل الأحوال الشخصية، ويجمع (القانون) شتات ما يثار بين أفراد الأسرة الواحدة من دعاوي بشأن تلك المسائل جميعها، وحلها في قانون متكامل وموحد ومفصل.
وتنفيذاً للتوجيهات الرئاسية حققت وزارة العدل تطورا كبيراً لإنجاز تلك القوانين المتعلقة بالأسرة المصرية ومن بينها قانون الأحوال الشخصية للمواطنين المسيحين، في إطار من التنسيق الكامل مع جميع الأطراف والجهات ذات الصلة، واستيعاب مختلف الشواغل والاراء التي من شأنها تحقيق الأهداف المنشودة من التشريعات ، والحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد ،بتحقيق المصلحة العامة في سبيل إرساء العدالة الناجزة.
وتكفل وفاء الدولة بالتزاماتها وتعاونها، في حماية الأمومة والطفولة وترعي النشئ والشباب ، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم، وتكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، التي أوجبت الحفاظ على الأسرة و حمايتها ورعاية أفرادها، فهي أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق والوطنية.
وكما حثت المعايير الحاكمة للتشريع پأن يكون ترتيب شئون المجتمع على نحو يتسم بالجدية والرشد والعقلانية، ويعبر عن المصالح الإجتماعية الراجحة في المجتمع، ومن ثم فإن جوهر التشريع الرشيد يقوم علي الموازنة بين المصالح بما يحقق التوفيق بينها إلي أقصى حد مستطاع، ويحقق المستهدف بالتشريع، وهو تحقيق الخير للمجموع لا مجرد مصالح جماعات محددة أو أهداف معينة، وهذا يُعد تحقيقا لاستمرارية التشريع، ونزوعا به إلى العدل المطلق قدر الإمكان لتنظيم العلاقات الاجتماعية، وهو ما يهدف إلى العمومية والتجريد من الناحية العملية،ويراعي المصالح المتعددة لجميع الأطراف المعنية بقانون الأحوال الشخصية، الذي وجه به الرئيس عبد الفتاح السيسي على نحو متوازن لمعالجة القضايا الأسرية في سبيل اصلاح حال الأسرة وتعزيز استقرارها وحمايتها من التصدع أو الاضطراب وحسم ما يثور داخلها من منازعات والحفاظ عليها بحسبانها نعمة من الله يمتن بها علي خلقه. إذ يقول الله تعالى” والله جعل لكم من انفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبيات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف «كفي بالمرة شرا أن يضيع من يعول ».
لا شك أن مسائل الأحوال الشخصية تشكل ألصق الأمور بخصوصيات الحياة لأنها تمس الناس في أرق المشاعر والأسر والعائلات في أدق العلاقات فما أچل وأقيم كل مناقشة ودراسة في شأنها إذ تربط العلم بأرق وأدق روابط الحياة.
مفهوم الأحوال الشخصية، الذي عرفه المجتمع الدولي والمحلي، وتداول اصطلاح الأحوال الشخصية الذي ابتدعه الفقه القانوني الإيطالي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ليواجه به مشكلة تنازع القوانين أو التنازع بين النظام القانوني العام للدولة، وهو القانون الروماني وبين نظام القانون المحلي لكل إقطاعية أو مدينة إيطالية، وحتي يمكن الفصل بين اختصاص كل من النظامين أطلق ذلك الفقه علي القانون العام كلمة القانون وأسمي القانون المحلي بكلمة الأحوال وقسم الأحوال إلي قسمين، قسم الأموال وقسم للأشخاص، وهو الأحوال الشخصية، واستمرت التسمية حتي بعد توحيد إيطاليا واختفاء القوانين المحلية، ثم أصبح القانون المدني المقارن ينقسم إلي نوعين من القواعد القانونية، أولهما: يتعلق بالأموال أو العلاقات المالية أو العينية، والثاني: يختص بالعلاقات الشخصية، ويسمي بالأحوال الشخصية، ودخل هذا الاصطلاح إلي التشريع المصري في القانون المدني المختلط سنة ١٨٧٥، فنصت مادته الرابعة علي “أن تظل المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم وبالنظام المالي الزوجية وبحقوق الإرث الطبيعية والوصاية والقوامة من اختصاص قاضي الأحوال الشخصية”، ثم تطرق إلي القوانين المتعاقبة حتي ما كان يستمد من الشريعة الإسلامية أو شرائع غير المسلمين.
ويري الفقه الفرنسي، أن مصطلح الأحوال الشخصية يشمل كل ما يتعلق بحالة الشخص العائلية وأهليته، وفي الفقه المصري، تحديد مسائل الأحوال الشخصية ينتهي إلي نتائج تقريبية، إذ لا توجد تفرقه حاسمة في المعاملات بين المسائل المالية والمسائل الشخصية لأن بعض المسائل لها طبيعة مزدوجة كالميراث، فتؤخذ تعريفات الأحوال الشخصية علي أنها تعبر عن الاتجاه العام لفكرة الأحوال الشخصية، وفي كل الأحوال استعملت النصوص التشريعية المتعاقبة مصطلح الأحوال الشخصية لعلاقته بحالة الأشخاص وأهليتهم ونظام الأسرة كالخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجباتهما والمهر والطلاق والتطليق والإقرار بالبنوة والالتزام بالنفقة، وتصحيح النسب والوصاية والمواريث وغير ذلك.
ويرجع اتصال فكرة الأحوال الشخصية في أغلب صورها بالنظام العام، لأن الكثير من روابط الأحوال الشخصية يحقق مصلحة عامة ويعتبر من النظام العام، مما تفرض من حيث التنظيم التشريعي الموضوعي تعددا لايتاح لغيرها، فالقانون الواجب التطبيق عليها يختلف بحسب نوع المنازعة وأطرافها، فإذا كان متهم أجنبي فقواعد الإسناد تشير إلي تطبيق قانون أجنبي علي المنازعة شرط ألا تكون أحكام مخالفة النظام العام والآداب في مصر، أما بالنسبة للمصريين فالأصل الدستوري هو المساواة بين الأشخاص دون اعتبار لاختلافهم في الدين أو الجنس أو اللون وتقديراً للشعور بقدسية الدين في النفوس وضعت تشريعات مستمدة من مبادئ الدين الإسلامي ، وقد يلجأ المشرع إلي كافة الأديان السماوية.