في ظل الحرب المستمرة في غزة، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة رئيسية للتواصل والتفاعل بين المسلمين والعرب والداعمين للقضية الفلسطينية والعالم الخارجي.
ومع ذلك، فقد واجه الداعمون تحديات كبيرة في الوصول إلى جمهورهم، وذلك بسبب تأثير الخوارزميات على أنظمة الترويج وعرض المحتوى في هذه المنصات.
وبالرغم أن مصطلح “الخوارزمية” قد أصبح جزءًا لا يتجزأ من عالم الحاسوب والبرمجة، فقد لا يعلم الكثيرون أن أصل هذه الكلمة يعود إلى عالم الرياضيات والفيلسوف المسلم، أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي. الذي وُلد في مدينة خوارزم (في أوزبكستان حالياً) حوالي عام 780م، وعاش في بغداد، عاصمة الدولة العباسية، حيث عمل في بيت الحكمة، المركز الثقافي والعلمي المهم في تلك الحقبة، حتى وفاته عام 850م.
ساهم الخوارزمي في تأسيس علم الخوارزميات، وألف كتابًا بعنوان “الجبر والمقابلة”، الذي يُعتبر أحد أهم الكتب في تاريخ الرياضيات، ووضع الخوارزمي قواعد الجبر والحساب، في مجال الحوسبة، أثرت أعماله في تطوير الخوارزميات المستخدمة في برامج الحاسوب والذكاء الاصطناعي.
تعتمد خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي على ثلاثة عوامل رئيسية لتحديد المحتوى الذي سيظهر للمستخدمين:
• التفاعل: يتم إعطاء الأولوية للمحتوى الذي يتفاعل معه المستخدمون أكثر من غيره، مثل المحتوى الذي أعجبوا به أو شاركوه أو علقوا عليه.
• الاهتمامات: تستند الخوارزميات إلى معلومات حول اهتمامات المستخدمين، مثل الصفحات التي يتابعونها والمجموعات التي ينتمون إليها.
• التوقيت: يتم عرض المحتوى الجديد للمستخدمين أولاً، عادةً ما يكون في أعلى الصفحة أو في قسم الأخبار.
ونتيجة لهذه العوامل، فإن المحتوى الذي يحظى بتفاعل كبير من المستخدمين في منطقة جغرافية معينة، مثل المحتوى المتعلق بالحرب في غزة، من المرجح أن يظهر للمستخدمين في تلك المنطقة. ومع ذلك، فإن خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي تميل إلى إعطاء الأولوية للمحتوى الذي يتوافق مع اهتمامات المستخدمين، مما قد يؤدي إلى حجب المحتوى المتعلق بالحرب عن المستخدمين الذين لا يهتمون بالشأن الفلسطيني.
وقد أدى هذا الوضع إلى استياء كبير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في العالم، الذين اتهموا هذه المنصات بفرض رقابة على المحتوى المتعلق بالحرب في غزة، وتصفيته استنادًا إلى اعتبارات سياسية أو ثقافية. كما أعربوا عن مخاوفهم من أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى تقويض حرية التعبير ونشر الأخبار الكاذبة.
تأثير الخوارزميات على حرية التعبير:
يمكن للخوارزميات أن تؤثر على حرية التعبير بطرق مختلفة، منها:
• الحجب: يمكن للخوارزميات أن تؤدي إلى حجب المحتوى الذي يعارض معتقدات أو آراء المستخدمين، أو الذي يتضمن معلومات قد تكون حساسة أو مؤذية.
• التصفية: يمكن للخوارزميات أن تؤدي إلى تصفية المحتوى من أجل تقديمه بطريقة معينة، مثل إبراز المحتوى الذي يدعم وجهة نظر معينة أو إخفاء المحتوى الذي يعارضها.
• التشويه: يمكن للخوارزميات أن تؤدي إلى تشويه المحتوى من خلال تقديمه بطريقة غير دقيقة أو مضللة.
التحديات التي تواجه شبكات التواصل الاجتماعي:
تواجه شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة من التحديات في التعامل مع محتوى الحرب في غزة، بما في ذلك:
• صعوبة تحديد المحتوى الحقيقي من المحتوى المزيف: يمكن أن يكون من الصعب على شبكات التواصل الاجتماعي تحديد المحتوى الحقيقي من المحتوى المزيف، خاصةً في ظل الحرب، حيث يتم نشر الكثير من المعلومات المتضاربة.
• ضرورة الحفاظ على السلامة والأمن: تتحمل شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولية الحفاظ على السلامة والأمن على منصاتها، مما قد يتطلب منها اتخاذ إجراءات ضد المحتوى الذي يمكن أن يؤدي إلى التحريض على العنف أو الكراهية.
• حماية حقوق المستخدمين: يجب على شبكات التواصل الاجتماعي حماية حقوق المستخدمين، بما في ذلك حقهم في حرية التعبير.
حلول مقترحة:
هناك مجموعة من الحلول المقترحة للتعامل مع التحديات التي تواجه شبكات التواصل الاجتماعي في التعامل مع محتوى الحرب في غزة، بما في ذلك:
• زيادة الشفافية: يجب على شركات وسائل التواصل الاجتماعي زيادة الشفافية حول كيفية عمل خوارزمياتها لعرض المحتوى، وذلك لمنح المستخدمين المزيد من السيطرة على ما يظهر لهم. يمكن القيام بذلك من خلال توفير معلومات حول كيفية حساب التفاعل والاهتمامات والتوقيت، بالإضافة إلى كيفية استخدام هذه العوامل لتحديد المحتوى الذي يظهر للمستخدمين.
• الاعتماد على التقارير من المستخدمين: يمكن لشركات وسائل التواصل الاجتماعي الاعتماد على التقارير من المستخدمين لتحديد المحتوى الذي ينتهك سياساتها. يمكن القيام بذلك من خلال إنشاء أدوات سهلة الاستخدام للمستخدمين للإبلاغ عن المحتوى الذي يعتقدون أنه مسيء أو مضلل.
• التعاون مع الجهات الحكومية: يمكن لشركات وسائل التواصل الاجتماعي التعاون مع الجهات الحكومية لمكافحة الأخبار الكاذبة والدعاية.
يمكن القيام بذلك من خلال مشاركة المعلومات حول المحتوى الذي يتم الإبلاغ عنه، بالإضافة إلى تطوير تقنيات جديدة لتحديد وإزالة المعلومات المضللة.
المستقبل:
يشعر الكثيرون بالحاجة الملحة لتطبيقات تواصل اجتماعي عربية في المستقبل، بهدف تجنب التحكم في المعلومات خلال الأوقات الصعبة وتحقيق تواصل آمن وموثوق للمستخدمين خلال فترات الصراع والتوتر. فهل نرى ذلك قريباً؟