تحقيق : سماح عثمان
إن النفوس البشرية على ثلاثة أصناف : صنف عاجز بالطبع عن الوصول فينقطع بالحركة إلى الجهة السفلى نحو المدارك الحسية والخيالية، وصنف متوجه بتلك الحركة الفكرية نحو العقل الروحاني والإدراك، صنف مفطور على الانسلاخ من البشرية جملة جسمانيتها وروحانيتها إلى الملائكة من الأفق الأعلى ليصير في لمحة من اللمحات ملكاً.
ابن خلدون:
هناك عِبارات ومَباني وألفاظ خرجت من أفواهِ حُكَماء، وخَطَّتهَا يَدُ عُلماء وغَيورِين صُلَحاء، كَتبَ الله لها الذُّيوعَ والدَّوام والإنتِشار والإستمرار، وكأنها الوحي من السماء، أو حقائق مُتَشبّعة بأنفاسه، ومثل هذه العبارات لا تَخرج إلا من كَنفِ الفتن والأزمات، تَخرج لتَنفُذَ من أقطار الأرض والأزمنة والأوقات، بَلْ لِتَستَوعب ما وراء حُجُبِ القُرون الآتية، والعُقود المُستَشرِفة.
كلمات سابقة للعصر، خطها مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون في مقدمة كتابه الشهير ، قواعد مانت بمثابة نصائح وقراءة لكل العصور والنفس البشرية، عاش ابن خلدون بقية حياته في مصر، ومات ودفن في مقابر باب النصر ولكن لاأحد يعلم أين مقبرته إذ تحدثنا مع بعض الأهالي المترددين على هذا المكان وأيضا المتخصصين الدارسين ولاأحد لديه معلومة عن مكانها.
حتى الآن لا أحد يعرف أين توجد مقبرته فقد دفن بمصر منذ أعوام عديدة وتم نقل مقبرته إلي مكان آخر ولكن أين هو لا أحد يعلم .هو عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (1332 – 1406م) مؤرخ من شمال أفريقيا، تونسي المولد أندلسي حضرمي الأصل، كما عاش بعد تخرجه من جامعة الزيتونة في مختلف مدن شمال أفريقيا، حيث رحل إلى بسكرة وغرناطة وبجاية وتلمسان، كما تَوَجَّهَ إلى مصر، حيث أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، ووَلِيَ فيها قضاء المالكية، وظلَّ بها ما يناهز ربع قرن (784-808هـ)، حيث تُوُفِّيَ عام 1406 عن عمر بلغ 76 عامًا ودُفِنَ قرب باب النصر بشمال القاهرة تاركا تراثا ما زال تأثيره ممتدا حتى اليوم، ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث وأب للتاريخ والاقتصاد .
رفات العلماء والعارفين لحقت بأصحابها
ماوجدناه يعد نموذج صارخ في التعامل مع تراث الأمة وكيف تستباح قدسية البشر حتي الموتي منهم في مشهد مأساوي عميق..لقد انطلقت البلدوزرات واللوريات والأوناش تحطم حوش الصوفية في شارع جلال.. ومن الاسم فقط نستطيع أن ندرك أن هذا المكان كان مخصصا كمقبرة لأولياء الله الصالحين والعلماء ورجال الدين في مصر منذ مئات السنين..
وقد بقي هذا المكان محتفظا برفات هذه النخبة من العارفين بالله حتي اقتحمت البلدوزرات حرمة الموتي في الأيام الأخيرة وأطاحت بقدسية المكان.
ذهبنا إلي باب النصر ودخلنا إلي المقابر المكان محاط والقمامة من كافة النواحي وجدنا العديد من الناس التي تعيش بالمقابر وسألنا أحدهم عن مقبرة إبن خلدون فقال أنه لا يعرف شيئا ووصف لنا حانوتي كي يدلنا عليها، حيث صاحبنا تُربى كان يجلس فى طريق المقابر، ولكنه لا يعرف شيئا عن مقبرة ابن خلدون.
دخلنا إلي المقابر ووجدنا العديد من الناس والأطفال يعيشون بها في أماكن غير آدمية بالمرة ، فقال التُربى :أنه يوجد مقبرة يتوافد عليها السياح كثيرا ومابين ممرات قصيرة وأموات مر عليهم عشرات السنوات وصلنا إلى مقبرة لرحالة سويسري يدعي الشيخ “إبراهيم المهدي” ولد عام 1199هجريه وتوفي عام 1232هجريه بالقاهرة ولم تكن هى المقصد وعند خروجنا استوقفتنا سيدة أخري تعيش بالمقابر ومسئولة عن تأمين عددا منها قالت أنه تم نقل مقبرة إبن خلدون ولا نعلم إلي أين..؟! وطالبتنا بوقف البحث عن المقبرة بحجة أننا لا نصل لشئ..! فتركنا المكان مسرعين ومازلنا نبحث عن الهدف وعلى أطراف باب النصر عثرنا علي مقبرة العالم والإمام الصوفي ومن أعلام علم النحو في اللغة العربية “أبو محمد عبد الله جمال الدين بن هشام” وعلمنا أنا هناك العديد من الناس يأخذون بركات هذا الإمام.
وبالجزء الآخر من مقابر باب النصر قابلتنا فتاة تعيش هناك قالت أن مقبرة ابن خلدون توجد هنا وصاحبتنا إليها حيث وجدنا أنها علي شكل قبة ولكنها قديمة ومتهالكة يحيطها كوم قمامة يغطى حتى نصفها
وأضافت الفتاة أن السياح يتوافدون علي تلك المقبرة وايضا شباب الجامعات ويتم تصوير افلام وثائقية بداخل المقابر ولا تعلم شيئا عن وزارة الآثار فلم في حين قال رجل يدعي “الحاج سعيد” وهو صاحب عدة مقابر هناك أن هذه ليست مقبرة ابن خلدون وإنها لوصيفة “السيدة زينب” رضي الله عنها كما نفي معرفته بمكان مقبرة ابن خلدون تماما حيث قال لا أدري ولكن تم نقلها من هنا لربما أخدت إلي الشارع العمومي وأصبحت “تحت الأسفلت”.
الزهار: الأضرحة هي أهرامات مصر الإسلامية
وقال سامح الزهار الباحث فى الحضارة الإسلامية والقبطية أن الأضرحة أو ما احب ان أطلق عليها اهرامات مصر الإسلامية ، حيث أنها تتشابه في فكرتها مع فكرة بناء الاهرامات في الحضارة المصريه القديمه .. فهي ليست بناء للدفن فقط ، بل هو بناء يبرز اهمية و قيمة المعمار فى العصور الاسلامية و ما به من ملحقات معمارية خدمية في محيط الضريح و تتميز مصر بوجود اضرحه ترجع الى مختلف العصور الاسلاميه بسلسلة حلقاتها التي لا انفصال فيها ، سواء كانت للأولياء و رجال الدين من الشيوخ ، او من هم في مرتبة الاولياء التى يعتقد فيها المتصوفين ، او اضرحة آل البيت ، او أضرحة الزعماء و القاده و السلاطين و الملوك و الأمراء .
وأضاف “الزهار” في تصريح لـ”أوان مصر”، أنه من عجائب الأمور التي تخفي عن ذهن الكثيرين ان من أئمة العلم في الدنيا الذين علموا العالم بأسره مثل ابن خلدون و تلميذه المقريزي مدفونان في مصر وسط عدد كبير من العلماء و الاولياء و العباد و الزهاد في مقابر الصوفيه التي تجاور باب النصر و التي تعرضت إلي اهمال شديد فى الفترات السابقة الا أنه تبين أنه لا وجود لمقابر الصوفية الآن أو بمعني اشمل أنها في المراحل الاخيرة من الاندثار بما تحمله لنا من عبق التاريخ الذى ينبثق عن مراحل و اطوار تاريخنا الاسلامي بل التاريخ الانساني بأسره .