سادت نظرة سلبية وجدل كبير حول هذا المخلوق الذي لا يرى بالعين المجردة، إلا أنني أرى أنه أستاذ جاء ليعلم البشرية على المستوى الفردي والمجتمعي والدولي؛ فعلى مستوى الفرد، جعل الإنسان يشعر بقيمة نعم كثيرة مغبون فيها مثل الصحة، والذهاب للمسجد، والعمل، وحرية التجول، والتسوق المريح…. وغيرها من النعم والأنشطة التي كان يتمتع بها ويمارسها من قبل دون أي عناء، ولقنه درسا بأن الحياة يمكن أن تستمر بدونه، والأهم أنه أتاح له وقتا لمناجاة ربه، والتقرب إليه بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار والذكر، فبين له علة خلقه وهي العبادة، وفتح له نافذة روحانية بعد أن انغمس في المادية حتى أذنيه، بل وأصبح الحجر المنزلي إما شاهدا له أو شاهدا عليه.
وعلى المستوى الأسري، أتاح له هذا الحجر وقتا للتفاعل مع الأسرة التي قلما تجتمع في مجتمعاتنا الحديثة، وحاول أن يعالج ما ترتب على ذلك من عواقب وخيمة، فلملم شمل الأسرة التي مزقتها وسائل الاتصال الحديثة، وساعات العمل الطويلة، والانشغال الكبير بتحسين الدخل….وغيرها من الهموم التي لا تنضب، وأتاح وقتا للزوجين للراحة والتقاط الأنفاس من هذا الصراع الحياتي الشاق، وأضفى نوعا من البهجة والمحبة بين أفراد الأسرة، وجعلهم يبتكرون طرقا جديدة للتفاعل الأسرى. ومن الناحية المجتمعية، أعاد للعلم أهميته، وللطبيب مكانته، وللجندي رسالته، ونشر ثقافة احترام الآخر، والتضامن الاجتماعي، والبر، وأغلق صالات الرقص والمجون.
ودوليا، نرى أنه قد اختبر علاقات الدول، فهدد وجود اتحادات قائمة مثل الاتحاد الأوروبي، ودعم علاقات دول متصارعة ايدولوجيا مثل إيطاليا وروسيا، وكسر العنجهية الأمريكية والصهيونية، وردم صفقة القرن على المدى القريب على الأقل، وأوقف الإبادة الجماعية بحق المسلمين في الصين والهند وسط صمت دولي رهيب، وأذاق الدول والمجتمعات الغربية بصفة خاصة طعم آلآم الحاجة والعجز والفراق والتمييز ، والتي عانت ومازالت تعاني منها الشعوب التي استعمرتها هذه الدول عن قرب وعن بعد ومازالوا يمارسون عليها أنواعا من السيطرة.
وهذه النظرة الإيجابية لفيروس كورونا تذكرنا بآيات قرآنية كثيرة منها قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31]، وقوله ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وكذا قوله ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات: 56]، فهذا المعلم الصغير جدا حمل معه رسائل كبيرة وكثيرة جدا، فهل من معتبر.