«إن البذرة المُختفية في قلب التفاحة هي شجرة غير منظورة».. هكذا عبر جبران خليل جبران بعبقرية عن الأمل الكامن داخلنا، إذ أنّ تلك البذرة الصغيرة تمتلك إمكانيات غير محدودة تؤهلها لتصير شجرة يومًا ما، وبحلول هذا الأسبوع أكون قد عِشتُ ربع قرن من الأمل أحمل فِي قلبي عدة بذور.
خمسًا وعشرين عامًا عِشتُ فيها الكثير من مشاهد الحياة، أدين للأزمات التي جعلتني أكثر نضجًا، ورغم كل الندوب ما زال بإمكاني الضَحِكَ والحلم والحب، لستُ بحاجة لإخفاء قلقي من الغد المجهول، بل أرى أنّ هذا القلق صِحّيّ، وأحاول تدويره وإعادة إِنتاجه؛ ليتحوّل إلى طاقة تنتج نورٌ يُضيء عتمّت اللَّيل حتى تشرق الشمس.
قد يرى البعض -خاصة الشباب- أنّ الحديث عن الأمل فِي ظل الظروف العصيبة التي يعيشها العالم يعتبر شيء من الوقاحة، خصوصًا بالنسبة لشاب على أعتاب حياة جديدة لا تُبنى على المشاعر بقدر ما تعتمد على العمل، ربما يتراءى إلى الأذهان تساؤلات حول صاحب العمل الَّذي يقبل موظفًا جديدًا في ظل تفشى مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)؟ وفي الوقت الَّذي تسعى المؤسسات إلى تخفيض عدد موظفيها، أنت تطلب المستحيل! حتى السفر حاليًا بات ممنوعًا، لذا سوف يضيع عمرك في العدم!، لكن معذور من لا يحمل في قلبه بذور.
حينما كنت تلميذًا في المدرسة وبالتحديد في الصف الثاني الإعدادي، كان لديّ زميل في الفصل يُوّبخ باستمرار من قِبل المُدرسونَ، بسبب بلادته وفشله في القراءة والكتابة.. تفنن المُعلمون في معاقبته، تارة يُأمر بمسح السَبُّورَة وتارة أخرى يُطرد من الحصة، حتى أصبح مركة مُسجلّة لديهم وفقد الجميع الأمل فى أن يتلقى صاحبنا حرفًا واحدًا، فتركوه وشأنه كأنّه شيئًا لم يكن.
وفجأة غاب صاحبنا عن الفصل ولم يشعر أحد بغيابه، ظننا أنّه سَئِمَ المدرسة حتى عند رؤيته داخل لجنة الامتحانات كان الأمر عاديًا: سوف يرسب كالعادة، ثمّ حدثت المفاجأة المدوية، حصد صاحبنا المركز الأول على مستوى المدرسة.
الكل يتساءل كيف حدث ذلك؟ حقًا إنه شيء غير قابل للتصديق!!، إدارة المدرسة شَكّت في أن يكون صاحبنا قد حصل على أسئلة الامتحانات بطريقة غير مشروعة، فقررت إعادة امتحانه ثمّ للمرة الثانية يحصد المركز الأول.. انتشرت قصته وأصبح حديث الصباح والمساء، وظل محافظًا على تفوقه حتى انتقلنا إلى المرحلة الثانوية، والحقيقة أنّه اكتشف البذرة الكامنة داخله، حَرَّكَ الأمل ليخلق آفاق جديدة ويصنع المعجزة، باختصار لقد صارت البذرة شجرة.
من هنا أحببتُ قصائد محمود درويش وفي أشد اللحظات بأسًا كنت أردد هذا النص البديع: صأصير يومًا ما أريد، كان يهزّني هزًا.. وعلى مدار ٢٥ عامًا مضوا لم أكن شخصًا مثاليًا، حققتُ نجاحات وإخفاقات ظلت تتفاعل لتصير ما أنا عليه اليوم، لكن لقد أحسن الله بي إذ دفعني إلى طريق صاحبة الجلالة حيث الدرب الَّذي أحب.