كتبت- هدى عامر:
في غضون أشهر قليلة، سارعت عدة دول عربية لإقامة علاقات سياسية طبيعة مع إسرائيل، في خطوات قادها وتصدرها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي أراد أن يقدم إلى تل أبيب عدة هدايا متتالية في فترة الرئاسية الصاخبة.
ورغم أن ترامب بات على بعد أيام من مغادرة البيت الأبيض، ليترك كرسي الحكم لخلفه جو بايدن، بعد أن تأكدت خسارته في الانتخابات الرئاسية، فإن الرئيس الأمريكي لا يزال قادرا على عقد اتفاقيات مفاجئة بين دول عربية وبين إسرائيل، لتطبيع العلاقات.
آحدث هذه الخطوات كانت للمغرب، التي أهداها ترامب اعترافا أمريكيا رسميا بسيادتها على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب، لتصبح رابع دولة عربية تنضم لقطار التطبيع في أشهر، بعد البحرين والإمارات، والسودان.
في السطور التالية، يستعرض لكم “أوان مصر” تفاصيل هذه الخطوة وأبعادها، ومواقف عدة أطراف منها.
اقرأ أيضا:
بعد الإمارات والبحرين.. دول عربية تتجه نحو التطبيع مع إسرائيل.. من بينهم شقيقة خليجية..فمن هم؟ خبير سياسي يُجيب لـ أوان مصر“
ضربة جديدة لترامب قبل مغادرة البيت الأبيض
مهدت تغريدة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، أمس الخميس، للأمر عندما كتب أن الولايات المتحدة “باتت اعتبارا من اليوم تعترف بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء”، الأمر الذي سيسهل الكثير للمغرب للمطالبة بحقها في أراضي البوليساريو لامتلاكها اعتراف أمريكي دولي وحقوق دولية.
في مقابل ذلك، أخذ ترامب من الرباط اتفاقا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو إعادة العلاقات القديمة التي توقفت بين البلدين.
ضربة ترامب الجديدة تأتي بعد تأكد خسارته الانتخابات الرئاسية، وقبل 40 يوما بالضبط من مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، ليفسح الطريق للرئيس المنتخب جو بايدن.
وتعتبر العلاقات الأميركية المغربية موغلة في القدم، إذ أن المغرب أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة، ما يجعل الإطار الثنائي للعلاقات بين البلدين يصل إلى حد إبرام عديد من الاتفاقيات المهمة، كان آخرها اتفاق التبادل الحر الذي تم إبرامه خلال العام 2004، ودخل حيز النفاذ في بداية عام 2007.
وبحسب مراقبين، فإن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء يعد تتويجا لتلك العلاقات، حيث أن كل الاتفاقيات المبرمة بينهما كانت تشمل أقاليم الصحراء المغربية.
المغرب تتعهد بتطوير العلاقات سريعا
في المقابل، أعربت المغرب عزمها استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل “في أقرب الآجال”، متعهدة بتطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي والعمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين.
وترى المغرب أن التطبيع لن يضفي طابعا سلبيا على موقفها من القضية الفلسطينية، فبحسب بيان القصر الملكي فإن “هذه التدابير لا تمس التزام المغرب بالدفاع عن القضية الفلسطينية وأن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين”.
وكشف البيان أن الملك محمد السادس هاتف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وطمأنه بأن “المغرب يضع القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن ترسيخ المغرب مغربيتها لن يكون أبدا على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة”.
وتعتبر المغرب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية لها بسيادتها لأراضي البوليساريو الصحراوية انحيازا للتاريخ والاختيار الديمقراطي وبالقانون الدولي، حسبما صرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وأضاف بوريطة أن الصحراء مغربية باعتراف المجموعة الدولية، لافتا إلى الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، الخميس، خلال اتصال هاتفي أجراه العاهل المغربي محمد السادس مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبحسب بيان صادر عن الديوان الملكي المغربي فإن الرئيس ترامب قد أخبر العاهل المغربي بأنه “أصدر مرسوما رئاسيا، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأميركية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية”، فيما اعتبر العاهل المغربي ذلك الموقف تعزيزا لـ”الشراكة الاستراتيجية القوية بين البلدين، والارتقاء بها إلى تحالف حقيقي يشمل جميع المجالات”.
نتنياهو يتوقع “سلام دافئ جدا”
من ناحية دولة الاحتلال، توقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون العلاقة مع المغرب “دافئة جدا”، وذلك في أول تعليق له على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وأضاف نتنياهو، في كلمة له على هامش احتفال عيد الأنوار اليهودي: “يمكننا الآن العمل سريعا على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب”، مشيرا إلى أنه سيكون هناك رحلات طيران مباشرة متبادلة بين إسرائيل والمغرب، قائلا: “سنعمل على إقامة جسر السلام”.
وتابع: “هناك علاقات وطيدة بين المغرب وإسرائيل، وكانت هناك علاقات وطيدة بين المغرب والشعب اليهودي على مدار العهد الحديث يعرف الجميع تعامل ملوك المغرب والشعب المغربي الدافئ مع الجالية اليهودية التي عاشت هناك”.
وأكد أن “مئات الألوف من أبناء هذه الجالية هاجروا إلى إسرائيل وهم يشكلون جسرا دافئا بين شعبينا وهو جسر حب وتعاطف وإخلاص ينبغي أن أقول إن هذه الأرضية الراسخة تشكل الأساس لبناء هذا السلام”.
وإلى جانب شكره ملك المغرب محمد السادس، وجًه نتنياهو شكره إلى الرئيس الأمريكي على دعمه توقيع اتفاقات سلام بين إسرائيل والعديد من دول الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا:
الديوان الملكي المغربي: تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل السياح الإسرائيليين
أهمية الصحراء الغربية
ولأن قضية الصحراء الغربية باتت مرتبطة بتحول سياسي مهم هو التطبيع مع إسرائيل، فمن المهم أن نتعرف على مدى أهمية هذه المنطقة للمملكة المغربية.
تبلغ مساحة الصحراء المغربية، التي كانت مستعمرة إسبانية في السابق، نحو 266 ألف كيلومتر مربع، تدير المغرب نحو 80 في المئة من مساحتها، والباقي منطقة عازلة تحت مراقبة الأمم المتحدة.
واقتصاديا، تملك الصحراء المغربية احتياطيات كبيرة من الفوسفات، وتزخر بالعديد من مناطق الصيد الغنية، وكانت المنطقة شهدت نزاعا مسلحا بين المغرب وجبهة “البوليساريو” بين عامي 1975 و1991.
ملك البحرين: قرار المغرب إقامة علاقات مع إسرائيل يعزز فرص السلام والاستقرار
مكاسب إسرائيل
يبقى السؤال المهم، وهو: ما المكاسب الإسرائيلية التي ستعود على تل أبيب من التطبيع مع دولة تقع في الشمال الإفريقي؟ وكيف تفكر إسرائيل في ملف التطبيع العربي؟
الدكتور عادل عامر، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي بكلية طنطا، لديه إجابة أو تحليل لهذه الأسئلة، من خلال قراءة ما تنحو إليه البوصلة الإسرائيلية في اتفاقات التطبيع.
وقال عامر، في تصريحات سابقة لـ”أوان مصر” إن التفكير الإسرائيلي في هذا الشأن يتلخص في اتجاهات عدة، أولها الاستحواذ على أكبر المكاسب من استثمارات اقتصادية، وهيمنة سياسية، إضافة لضمان التفوق العسكري في المنطقة.
واستشهد بما أكده بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحفي سابق مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حين قال إن الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن تفوق إسرائيل العسكري بنفس الطريقة التي قامت بها واشنطن بعد توقيع اتفاقات السلام مع مصر والأردن.
ولفت إلى أن المغرب واحدة من بين ثلاث دول عربية تتعامل مع إسرائيل بشكل شبه رسمي، وهي المغرب وتونس وقطر، من خلال الاعتراف بجوازات السفر الإسرائيلية وعلاقات في مجالي التجارة والسياحة، أما باقي الدول العربية فتتعامل مع إسرائيل بصورة غير رسمية أو غير مباشرة وبشكل غير متواصل. وهذه هي طبيعة الحال منذ بداية تسعينات القرن العشرين.
الموقف العربي
عربيا، لم تختلف أبرز ردود الفعل الرسمية كثيرا حول الاتفاق، إذ ثمنت مصر بوضوح على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي الخطوة.
وكتب الرئيس السيسي عبر حسابه على موقع تويتر: “تابعت باهتمام بالغ التطور المهم بشأن اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما برعاية أمريكية”، معتبرا أنها “تحقق مزيد من الاستقرار والتعاون الإقليمي في المنطقة”.
ورحب ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بالاتفاق المغربي الإسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، واعتراف أمريكا بسيادة المملكة على منطقة الصحراء العربية.
وكتب بن زايد في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر: “نرحب بإعلان الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة المغرب الشقيق على الصحراء المغربية، وبقرار الرباط استئناف الاتصالات و العلاقات الدبلوماسية مع دولة إسرائيل”.
وأعلن ملك البحرين أن قرار المغرب إقامة علاقات مع إسرائيل يعزز فرص السلام والاستقرار، وذلك بعد ساعات من إعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب، القرار.
كما رحبت سلطنة عمان بتطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل، و أكدت مسقط التزامها “بحق” الشعب الفلسطيني في”إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
وكانت السلطنة وقعت مع إسرائيل في يناير 1996 اتفاقا لفتح مكاتب تمثيل تجاري متبادلة وقررت السلطنة إغلاق المكتب في عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ولم تعترف المملكة العربية السعودية رسميا بإسرائيل بعد، ولكنها تخفف حدة خطابها ربما في إشارة إلى رغبتها في إقامة العلاقات معها, وفي الوقت ذاته تواصل الرياض الترويج للخط الرسمي المتمثل في عدم الاعتراف بإسرائيل حتى يتم الاتفاق على حل الدولتين ، مع القدس الشرقية المحتلة كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
وفي قطر، آثرت الدوحة الصمت، ولم تبد رأيها في الخطوة. وكانت قطر أول دولة خليجية تفتح فيها إسرائيل مكتباً تمثيلياً وذلك في العام 1996، قبل إغلاقه في 2000. ولا تخفي الدوحة اتصالاتها مع إسرائيل.