الشعب المصري يعي جيدًا حجم الأزمة الإقتصادية الحالية التي يمر بها العالم أجمع، والتي تأثرت بها مصر سلبًا كباقي الدول بلا إستثناء، وارتفعت معها الأسعار بشكل جنوني، ويعلم تمام العلم أن هذه الكارثة العالمية ناتجة عن زيادة معدلات التضخم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما سبقها من أزمة كورونا، لكنه يئن من جشع التجار ومحتكري السلع، والزيادات المتكررة للأسعار والمنتجات الغذائية الغير مبررة من مستغلي الأزمات.
ويقدر حجم التحركات المكوكية للحكومة من أجل إحتواء الأزمة الراهنة، ولعل أخرها ما قام به البنك المركزي من قرارات غير متوقعة نهاية الإسبوع الماضي، ومن أهمها رفع معدل الفائدة 3% بمقدار 300 نقطة في محاولة منه لتقليل معدلات التضخم، وما سبقها من قرارات رئيس الوزراء للسيطرة على جنون الأسعار وضبط السوق المحلية، لكنها بلا جدوى من وجهة نظر المواطن، كونه لم يلمس أي انخفاض ملحوظ حتى الآن.
المؤكد أن القرارت وحدها لا تكفي، والقوانين الرادعة ليس لها قيمة أمام معدومي الضمير، طالما لا تضرب الحكومة بيد من حديد، فما فائدة ما تم الإتفاق عليه من قرارات وزيادة في العقوبات المفروضة على المحتكرين والمستغلين للأزمة، أمام إستمرار تفاقمها، بل وتزداد سوءًا يومًا تلو الأخر، لأن الجاني يضرب بهذه القوانين عرض الحائط، ويتمادى في جرمه للمجتمع، لأنه يعلم جيدًا أن الرقابة عليه غير صارمة، وأن المواطن لا يحمله المسؤولية، ويعي أن الشعب يلقي باللوم كله على الحكومة وحدها.
الحقيقة المؤكدة أن هناك جشع من التجار واستغلال للأزمة الحالية بشكل مغالى فيه، والحكومة وحدها هي التي تتحمل المسؤولية كاملة، وعليها سرعة ضبط الأسعار في الأسواق بشتى الطرق المختلفة، لأنها الخاسر الأول والوحيد لهذه المعضلة، وعليها بسط سيطرتها بقوة وحزم على أسعار السلع، وتنفيذ العقوبات الرادعة على المستغلين للأزمة من خلال تكثيف حملاتها الرقابية والتفتيشية على جميع السلع والأسواق.
التجار في مصر لا تحكمهم قواعد الإقتصاد ولا الأعراف السائدة في الأسواق في مثل هذه الأزمات، بل يحكمهم الجشع في المكاسب والأرباح غير المشروعة وغير العادلة، أصبح الحال يسيطر عليه المصلحة والمنفعة الخاصة، مستغلين عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأسواق والأسعار، يحددون السعر برغبتهم ومن وجهة نظرهم الخاصة، لا يعنيهم حال المواطن المكلوم، ولا أنين الأسر المطحونة التي باتت لا تستطيع تلبية متطلبات حاجتهم المعيشية البسيطة.
صحيح أن هناك بعض المحاولات التي تتخذها الحكومة للحد من أثار الأزمة لتخفيف العبء عن كاهل المواطن، كتدشين حملات معًا ضد الغلاء، وإقامة الشوادر والأسواق المتنقلة، والتي تطرح فيها السلع بأسعار مخفضة، مع العلم أنها ليست منة ولا منحة منها، إنما هو حق مكتسب وفرض عين عليها بموجب القانون والدستور الذي فرض عليها توفير الغذاء الأمن للمواطنين، إلا أنها مسكنات وقتية للآلام، لأنه لا يستفيد منها كل المواطنون، ولم تكن بالشكل الدائم، وعليها القضاء على المرض لاستئصاله والتخلص منه.
على الحكومة أن تعي جيدًا أن مشروعاتها العملاقة التي حققتها خلال السنوات الماضية وحجم إنجازاتها في الإستثمارات المختلفة قد يضيع في لحظة أما الضغوط الراهنة التي يمر بها المواطن ويئن منها الشعب، وعليها ألا تصم أذانها عن أهات الأهالي والأسر التي لا تستطيع توفير لقمة العيش لأبنائهم نتيجة الزيادة الهائلة في إرتفاع الأسعار، والمستفيد منها هم مستغلي الأزمات فقط.
في بداية الأسبوع المنصرم صرح مصدر مسؤول بالحكومة في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج الحكاية المذاع على فضائية MBC مصر أن الحكومة تدرس تحديد سعر حوالي 15 سلعة أساسية، من خلال تحديد هامش ربح يتراوح بين حد أدني وحد أقصى، وللحقيقة في مثل هذه الأزمات لابد من إتخاذ قرارات عاجلة وإستثنائية لتخطي الأزمة.
وبصراحة على الحكومة أن تعلن وبشكل فوري فرض «التسعيرة الجبرية» على كافة السلع الغذائية والمنتجات الأساسية، وليس فقط على 15 سلعة، ولكي ترفع عن نفسها الحرج أمام العالم عليها أن تأكد أن هذا الإجراء مؤقت لحين القضاء على جشع التجار والسيطرة على الأسعار، ولحين الإنتهاء من هذه الأزمة، كما يستلزم عليها أن تنشر السعر العادل بعد إضافة هامش ربح بسيط جدًا خلال الفترة المقبلة في صباح كل يوم وعلى مدار الساعة في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بشكل رسمي وملزم لجميع التجار، وحال عدم الإلتزام يستوجب الإبلاغ عنه على أرقام واضحة ومحددة مع سرعة إتخاذ الإجراء القانوني اللازم ضده.
وللقضاء نهائيًا على مشكلة التلاعب بالأسعار لا بد أن تتعاون جميع أجهزة الدولة المعنية وخصوصًا المجموعة الوزارية المسؤولة عن الحالة الإقتصادية في الرقابة الصارمة على الأسواق والسلع، وتكثيف حملاتها التفتيشية على المحلات والمتاجر، مع الاستعانة بالأجهزة الأمنية كجهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني وقطاع المباحث العامة بالتعاون مع وزارة التموين وجهاز حماية المستهلك للتحري وكشف التجار المتلاعبين بالسعر وأماكن إختباء السلع، وهي مهمة وطنية وتتعلق بالأمن القومي المصري شأنها شأن باقي الأمور التي تهدد أمن وإستقرار الوطن، ولا بد من إتخاذ إجراءات جريئة وفورية، وأن تعلن الحكومة وقت زمني محدد للقضاء على مشكلة تفاقم الأسعار، وعلى مجلس النواب القيام بدوره في مراقبة المدة المحددة ومراجعة مؤشرات الأداء، وأن تتحمل الحكومة المسؤولية كاملة لتحقيق الإستقرار، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه.