في البداية نشير إلي أن القانون الجنائي المصري لا يعرف نظام الدية أو الصلح في جرائم القتل العمد ، فجنايات القتل العمد لا يسمح فيها القانون بالتصالح عن الحق فيها، حيث أكد المشرع في المواد القانونية الخاصة بهذه الجرائم على أنها جرائم لا تنتهك حق المجني عليه وحده ، بل أنها تتعدى ذلك بوصفها جرائم تنتهك حقوق المجتمع ككل .
وإلي جانب جرائم القتل العمد نجد أن المشرع يضيف جرائم السرقة والسرقة بالإكراه، والبلطجة وفرض السيطرة وترويع المواطنين ، إلي الجرائم التي لا يجوز التصالح فيها ؛ لأنها جرائم تعدى على حق المجتمع كله، وتهدد السلم والأمن والاستقرار العام داخل البلاد .
بينما قصر المشرع إمكانية التصالح علي جرائم القتل الخطأ و بعض جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة ، بما يعني أن الصلح لا يكون في جميع القضايا بل يحدد القانون أفعالا بعينها يتم فيها الصلح، نظراَ لأنها تتعلق فقط بالجاني والمجنى عليه .
ومنهج المشرع في ذلك مرده أن الصلح لا يكون إلا في الجرائم التي لا تضر إلا المجني عليه وحده ، ويأبي التصالح في الجرائم التي تضر المجتمع بأسره .
ولقد استحدث المشرع بموجب القانون رقم 174 لسنة 1998 المعدل بالقانون رقم 145 لسنة 2006 بشأن طائفة من الجرائم قدر أن مصلحة المجني عليه فيها تقتضي الاعتراف له بدور في تحديد مصير الدعوى الجنائية الناشئة عنها إما بالاستمرار فيها أو بانقضائها بالصلح .
ولقد بينت المادة 18 مكرر “أ” من قانون الإجراءات الجنائية الجرائم التي يجوز الصلح فيها على سبيل الحصر لا المثال وهي الجنح المتمثلة في القتل الخطأ (المادة 238 ” الفقرتان الأولى والثانية )، وجريمة النصب (المادة 336) ، وخيانة الأمانة فى ورقة موقعة على بياض (المادة 340) ، وانتهاك حرمة ملك الغير (المواد 370 و371 و373) .
وأيضاً المخالفات التي تتمثل في المشاجرة أو الإيذاء الخفيف (المادة 377 البند “9”) ، وإتلاف منقول بإهمال (المادة 378 البند “6”) ، والتسبب فى موت البهائم والدواب بإهمال (المادة 378 البند “7”)، و السب غير العلنى (المادة 378 البند “9”) ، و الدخول والمرور فى الأراضى المزروعة (المادة 378 الند “4”).
ويجوز الصلح فى هذه القضايا في إية حالة تكون عليها الدعوى أوبعد صيرورة الحكم باتا، وتأمر النيابة العامة بحفظ الأوراق أو بأن لأوجه لإقامة الدعوى الجنائية بحسب الأحوال وتقضي المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريم، وفى جميع الأحوال التي يتم فيها الصلح وفقًا لأحكام هذه المادة والمادة “18مكررا” يترتب انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح انسحاب إثره إلى جميع المتهمين في الواقعة محل الصلح ولو تعددت الأوصاف القانونية للاتهام، وطبقا لتعديلات قانون الاجراءات تم إضافة جرائم جديدة مؤثمة بنصوص قانون العقوبات “جنح ومخالفات”.
ونشير إلي أن الصلح عرفته البشرية منذ القدم، ولجأت إليه البشرية لنشر الأمن والأمان والسلام الاجتماعي بين أفرادها، وكان يتم ذلك بأن تخلع أسرة الجاني وتسلمه إلى أهل المجنى عليه أو عن طريق الدية التي يدفعها أهل الجاني للمجنى عليه، ولقد اخذت الشرائع السماوية بالصلح، وأجازت تطبيقه في جرائم القصاص والدية، وجرائم التعزير وجرائم القصاص “العمدية والغير العمدية .
وفي القفه الإسلامي فإن الأصل فى العقوبات الناشئة عن جرائم القصاص إنما تتناول شفاء غليل ولى الدم أو المجنى عليه فيما دون النفس، والجريمة قد تكون عمديه وفى هذه الحالة يجب القصاص أو الدية، وإذا وقعت بغير عمد وهى “القتل والجرح الخطأ” فيجب الدية فقط، مستشهدا بقوله تعالى ” ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف فى القتل أنه كان منصوراً”.
وما نريد أن نقوله أنه وفقاً للفقه الإسلامي فإنه فى حاله القتل العمد يسقط القصاص بالعفو، حيث يعتبر القصاص من حق العبد، والعفو معروف بإسقاط بلا مقابل، أما الصلح يتم دوماً بمقابل ويعتبر الصلح فى الجرائم القصاص محل اتفاق الفقه .
نشير في ذلك إلى قول الأمام أحمد ومالك وقول للشافعية ، بوجوب القصاص أو الديه، فولى الدم له الخيار بين أمرين أن يقتص عيناً من الجانى أو أخذ الدية، ويجوز له العفو عن القصاص أو العفو عن القصاص والديه معاً.
ويلاحظ أن كافة الدول تتجه إلى تقنين أحكام الصلح فى جرائم القتل والجرح العمديه، لاسيما أن الصلح فى القصاص يقود إلى تهدئة النفوس وإزالة أسباب الاضطراب بين أطراف النزاع وحسمه وسقوط العقوبة بإجراءات ميسره دون الحاجة إلى نفقات، ويقود إلى تحقيق أهداف العقوبة المتمثله فى الردع العام والخاص كما أنه يؤدى إلى تحقيق غرض العدالة من خلال إعطاء حق الصلح للمضرور شخصياً للتنازل عن حقة بإرادته الحرة .
وخاصة في الجرائم التي تثير اللغط ، ويكون فيه الجاني بالرغم من ثبوت جرمه إلا أنه مورثت عليه ضغوط كبيرة ، دفعته للجريمة ، فيكون حالئذ دفع الدية حلاً معقولاً .
إلا إننا نعود ونؤكد أن المشرع المصري لا يأخذ بهذا النظام ، فلا يوجد صلح في جرائم القتل العمد ، ولا يعرف النظام الجنائي المصري نظام الدية .