كتبت-رنا تامر عادل
بدأ القتال بين قوات الحكومية الإثيوبية وحكومة إقليمية قوية في شمال إثيوبيا منذ أسبوع تقريبًا، وتفيد التقارير بمقتل المئات ونزوح الآلاف إلى السودان.
وأمر رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، الحكومة بشن هجمات عسكرية بعد اتهام جبهة تحرير شعب تيغراي بشن هجوم على الجيش الإثيوبي الأسبوع الماضي.
نزح آلاف الأشخاص بسبب قصف الطائرات الحكومية لأهداف في منطقة تيغراي. وتصاعد الخطاب منقبل طرفي الصراع، مما أثار مخاوف من أنه قد يتصاعد إلى حرب أهلية كاملة ويزعزع استقرار منطقة القرن الأفريقي.
وفي أسوء السيناريوهات، قد يجتذب الصراع البلدان المجاورة، بما في ذلك السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية حساسة، والصومال الذي لا يزال يقاتل الإرهاب والتطرف.
كيف بدأ هذا الصراع في تيغراي؟
سيطرت جبهة تحرير تيغراي على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لعقود من الزمن قبل أن يتولى آبي أحمد السلطة في 2018، ويعلن عن إصلاحات ديمقراطية شاملة، وتفاوض على إنهاء الحرب مع إريتريا المجاورة، لكنه فكك أيضًا الحزب الحاكم في إثيوبيا، الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التي كانت تدير البلاد منذ ما يقرب من 30 عامًا.
وعندما قام آبي أحمد بتهميشهم، تراجع قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغري إلى منطقتهم الأصلية في شمال إثيوبيا. منذ ذلك الحين، اتهمهم أبي بمحاولة زعزعة استقرار البلاد. وفي بيان موجز أرسل إلى الصحفيين الاسبوع الماضي، اتهم مكتبه مباشرة الجبهة الشعبية لتحرير تيغري بتدبير أعمال عنف عرقية في جميع أنحاء البلاد.
وجاء في البيان أن “الأيدي الخفية للجبهة الشعبية لتحرير تيغري كانت هناك في عمليات قتل المدنيين في أجزاء مختلفة من البلاد”. ونفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغري مثل هذه الاتهامات.
لكن الأمور ساءت بشكل كبير بمجرد أن ضربت جائحة الكورونا إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في القارة الأفريقية من حيث عدد السكان. كان من المفترض أن يقود أبي البلاد خلال أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في صيف 2020. لكن أجلها بسبب انتشار الكورونا.
وعندما صوت البرلمانيون لتمديد تفويضات المسؤولين -التي كانت ستنتهي في أوائل أكتوبر- مضى زعماء تيغراي قدمًا في الانتخابات الإقليمية، في سبتمبر، التي اعتبرتها حكومة آبي غير شرعية. وقرر المشرعون الفيدراليون أن حكومة آبي يجب أن تقطع الاتصال بقيادة تيغراي وتمويلها.
وقال آبي أحمد إن جبهة التحرير الشعبية تجاوزت خطًا أحمر، عندما زُعم أنها نظمت هجومًا متعدد الجوانب على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي – “خيانة لن تُنسى أبدًا” ، على حد قول آبي أحمد.
ونفت جبهة تحرير شعب تيغري هذا الهجوم. اتهم نائب رئيس إقليم تيغري، الدكتور ديبريسيون جبريميشيل، في رسالة إلى الاتحاد الأفريقي، الحكومة بالاستيلاء على السلطة، واتهم آبي أحمد بسجن معارضية ومحاولة تحويل الفيدرالية العرقية في إثيوبيا إلى نظام يمتلك فيه رئيس الوزراء كل السلطة. وكتب: “بدأ نظام الدكتاتور آبي أحمد القائم على الرجل الواحد في تفكيك مؤسسات الدولة الدستورية”. وأضاف “أنه يهدد وحدة هذا البلد القديم”.
ما مدى خطورة هذا القتال؟
تم قطع الإنترنت وخطوط الهاتف في منطقة الصراع، لذلك كان من الصعب الإبلاغ عن بداية الهجمات. لكن الأمور تبدو قاتمة. وقال الجيش الإثيوبي إن قواته قتلت نحو 550 مقاتلا.
وقال رضوان حسين، المتحدث باسم قوة الطوارئ الإثيوبية، في مؤتمر صحفي إنه ليس لديه أرقام محددة للضحايا لأن القوات ما زالت تتبادل إطلاق النار. ويقول إن قطع الاتصالات، الذي ألقى باللوم فيه على الجبهة الشعبية لتحرير تيغري، أثر حتى على الحكومة الإثيوبية بشكل كبير.
وقالت منظمة العفو الدولية، يوم الخميس الماضي، إن العشرات – على الأرجح المئات – من المدنيين قتلوا في بلدة تقع على الطرف الغربي من الإقيليم المتنازع عليه. وقالت منظمة العفو إنها لم تتمكن من تحديد المسؤول عن عمليات القتل، لكن الشهود في المنطقة قالوا إن الميليشيات التابعة لجبهة التحرير الشعبية قاتلت بستخدام بالمناجل والفؤوس والسكاكين.
كما تقصف الحكومة أهدافًا في جميع أنحاء منطقة تيغراي وتقول وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن حوالي 7000 إثيوبي فروا من القتال عبروا الحدود إلى السودان. كما أعلنت الأمم المتحدة أنه حتى قبل بدء هذا الصراع، كان هناك بالفعل حوالي 96000 لاجئ إريتري و 100,000 آخرين نزحوا داخليًا من المنطقة.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيانها إن “الطرق قُطعت والكهرباء والهاتف والإنترنت توقفوا، مما جعل الاتصال شبه مستحيل، هناك نقص في الوقود وتوقفت الخدمات المصرفية مما أدى إلى نقص السيولة”.
هل يزداد الوضع سوءً؟
هذا الصراع لديه القدرة على أن يكون مدمرا. حذر بعض السياسيون من أن إثيوبيا يمكن أن تنقسم بالطريقة التي اتبعتها يوغوسلافيا في التسعينيات، خاصة بعد أن قللت الحكومة من أهمية القتال ووصفته بأنه “عملية لإنفاذ القانون”.
وقال كيا تسيجاي، المحلل السياسي الإثيوبي، إن الحكومة أبعدت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن جيرانها، حيث أبرم آبي أحمد صفقات مع إريتريا والحكومة السودانية الجديدة، تاركًا لجبهة التحرير الشعبية طرقًا محدودة لاستلام الأسلحة التي تحتاجها لمواصلة القتال.
وأضاف “لكن جبهة التحرير الشعبية ليست ميليشيا عادية. فإن تيغراي تعد موطن لجزء كبير من الأفراد العسكريين الفيدراليين، حيث توجد الكثير من معداتها، وهو إرث من الحرب الحدودية العنيفة بين إثيوبيا وإريتريا جارتها الشمالية بين عامي 1998-2000. ويمكنها حشد ما يحتجون من أفراد القوات المسلحة والآليات”.
يقول دبلوماسي أفريقي للإذاعة الوطنية العامة الإمريكية، وهو يتابع إثيوبيا عن كثب وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن التحذيرات من صراع متفجر في المنطقة كانت موجودة منذ فترة.
كما حذرت الأمم المتحدة من تطور الصراع لحرب أهلية، كما أبدت قلقها حيال الوضع في إقليم تيجراي الإثيوبي، والذي يشهد عمليات عسكرية موسعة وحذرت من إمكانية خروج الأوضاع عن السيطرة “بشكل كامل”.
هل هناك ما يشير إلى أن الجانبين يمكن أن يجلسا على طاولة المفاوضات؟
المؤشرات غير مبشرة، فقد دعا الاتحاد الأفريقي إلى وقف فوري لإطلاق النار. لكن آبي أوضح أنه لن يتفاوض حتى يتم اعتقال قادة جبهة تحرير شعب تيغري ويتم تدمير مخبأ الأسلحة الذي بحوزتهم.
وقال آبي أحمد إن “العمليات ستتوقف شمال البلاد بمجرد نزع سلاح من القوى المسلحة بإقليم تيغراي واستعادة الإدارة الشرعية والقبض على الهاربين وتقديمهم إلى العدالة”. وأضاف، في تغريدة له على حسابه الخاص بتويتر، أن “عمليات إنفاذ القانون لدينا في تيغراي تسير كما هو مخطط لها”.
اقرأ ايضا: