قصة جديدة من قصص الحيوان والقرآن الكريم ، وهي قصة ناقة نبى الله صالح عليه السلام.
لقد أهلك الله عز وجل قوم عاد لما كفرا بربهم، ثم جاءت أمة أخرى من بعد ( عاد ) – وهم قوم ( ثمود ) – ولكنهم ما جاءوا ليعتبروا بهلاك الأمم من قبلهم فيؤمنوا بالله عز وجل جاءوا ليتمسكوا مسيرة الكفر والشرك التى بدأها قوم نوح عليه السلام ووقع فيها قوم ( عاد ) فأهلكهم الله بذموبهم ( ولا يظلم ربك أحدا ) .
وقوم ثمود هم قوم نبى الله صالح عليه السلام .
وكانوا يسكنون فى منطقة تسمى ( الحجر ) فى شمال الجزيرة العربية بين الحجاز وتبوك .
وكان قوم ثمود قد أنعم الله عليهم بالخيرات والنعم الكثيرة فكانوا يعيشون فى مكان يظلله النخيل والأشجار وتنتشر فيه الكثير من العيون والمياه العذبة … فكانوا فى سعادة ونعيم حتى أنهم كانوا يقيمون القصور الفخمة فى السهول .
نعم .. لقد كان الواحد منهم يبنى بيتا من أغصان الشجر وعروقه ولكن البيت كان يتهدم قبل وفاة صاحبه فما كان منهم إلا أن فكروا فى بناء بيوت قوية فى الجبال فكانت تلك البيوت منيعة قوية . لقد كان الواحد منهم يذهب إلى الصخره فينحتها بيده ويتخذها بيتا له ولأسرته … وهذا من فرط قوته التى أعطاه الله يراها .
وظلوا على هذا الحال فترة من الزمان .. وكانوا كلما مرت الأيام نسوا نعم الله عليهم حتى اتهى بهم الأمر إلى أن كفروا بالله ( جل وعلا ) ونحتوا أصناما ليعبدوا مثل ما فعل قوم نوح وقوم عاد من قبل .
وفى ظل هذا الظلام الحال من الكفر الذى انتشر بهم أرسل الله إليهم نبيا صالحا ليدعوهم إلى عبادة الواحد القهار .
نبى الله صالح عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد
لقد كان قوم ثمود يعيشون فى رخاء ونعيم لا يعلمه إلا الله ( جل وعلا ) … فها أنت وكأنك تراهم قد فجروا العيون ، وغرسوا الحدائق والبساتين ، وشيدوا القصور ، ونحتوا من الجبال بيوتا ، وكانوا فى سعة من العيش ورغد ، ونعمة وتلف ، ولكنهم لم يشكروا الله ، لم يحمدوا له فضله ؛ بل زادوا عتوا فى الأرض وفسادا ، وبعدا عن الحق واستكبارا ، وعبدوا الأوثان من دون الله ، وأشركوا به ، وأعرضوا عن آياته ، وظنوا أنهم فى هذا النعيم خالدون ، وفى تلك السعة متروكون . بعث الله إليهم صالحا من أشرفهم نسبا وأوسعهم حلما ، وأصفاهم عقلا ، فدعاهم إلى عبادة الله ، وحضهم على توحيده ، … فهو الذى خلقهم من تراب ؛ وعمر بهم الأرض ، واستخلفهم فيها ، وأسبغ عليهم نعمه ، ظاهرة وباطنة ، ثم نهاهم أن يعبدوا الأصنام فهى لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ولا تغنى عنهم من الله شيا .
وبدأ يذكرهم بأن هذا النعيم لا يدوم لأحد فإن الدنيا قنطرة يعبر عليها العبد إلى آخرته ولذلك قال لهم صالح عليه السلام : ( أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152
خلاصة دعوة صالح عليه السلام لقومه.
بدأ صالح عليه الصلاة والسلام بدعوة قومه إلى عبادة الله وحده ، وعدم الإشراك به ، وهى (( نقطة البدء )) التى بها كل نبى . ولهذا قال لهم : ( يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) . وقدم لهم نفسه باعتباره رسولا أمينا لهم ، وأمرهم بطاعته ، وحثهم على تقوى الله : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) . وأخبرهم بعد انتظاره الأجر منهم ، وإنما يقوم بواجبه فى دعوتهم إلى الله … أما الأجر فهو عند الله (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) . ولفت أنظارهم إلى آيته البينة ، وهى الناقة ، ونهاهم عم إيذائها : ( قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم أية فذروها تأكل فى أرض الله تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) . وذكرهم بنعم الله عليهم ، فى استخلافهم بعد عاد ، وفى تسخير الأرض لهم ، وطالبهم بمقابلة نعم الله بالشكر، وليس بالإفساد والكفر : ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا ءالاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ) . وقال لهم ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب ) . وبينما أمرهم صالح بتقوى الله وطاعته ، وطاعة صالح نفسه باعتباره رسولا لهم ، فقد نهاهم عن العكس والنقيض … نهاهم عن طاعة المسرفين الظالمين ، من كبرائهم وساداتهم : (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) . وهذه خلاصة دعوة صالح عليه السلام لثمود ، فماذا كان ردهم عليه ؟ وماذا قالوا له ؟
خاب ظنهم فيه مع أنه جاء لينقذهم
لقد شب صالح عليه السلام فى قومه ، ونشأ بينهم ، ورأوا صفاته الطيبة ، وعرفوه عن يقين ، وكان معقد آمالهم ، ومحط رجائهم وكانوا ينتظرون من الكثير لهم ، وظنوا أنه سيتابعهم على كفرهم ، ويشاركهم شركهم بالله ، ولذلك جعلوه مرجوا فيهم . ولكنهم فوجئوا بنبوته ، ودعوته إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة ، والتخلى عن ما كان يعبد آباؤهم من الأوثان والأصنام ، واعتبروها دعوة غريبة مستهجنة مرفوضة !! فلما قام صالح عليه السلام وذكرهم بنعم الله عز وجل عليهم وأمرهم يتوجهوا بالعباده لفاطر السموات والأرض كانت النتيجة أنهم تعجبوا أن يأتيهم رجل فيطلب منهم أن يتركوا دين الأباء والأجداد ( قالوا ياصلح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهنا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفى شك مما تدعونا إليه مريب ( 62 ) ) . لقد كان لنا رجاء فيك … كنت مرجوا فينا لعلمك أو لعقلك أو لصدقك أو لحسن تدبيرك .
أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟! .. كل شئ نقبله منك إلا هذا يا صالح .. ما كنا نتوقع أبدا أن تعيب آلهتنا التى كان يعبدها الأباء والأجداد . إن أهل الباطل يبغضون من يدعوهم إلى الحق ويحاول أن يحملهم عليه ، صالح عليه السلام كان محبوبا عندهم قبل أن يدعوهم إلى التوحيد ونبذ الشرك … كما قال تعالى – حكاية عنهم : ( يصلح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ) ثم تغير الحال بعد دعوته إياهم حتى صار من أبغض الناس إليهم من أنه تلطف معهم فى الدعوة وصبر عليهم .
صالح عليه السلام يستمر فى الدعوة
وأستمر نبى الله صالح عليه السلام فى دعوة قوم ثمود ولم ييأس من هدايتهم . وكان (( صالح )) معروفا بينهم بالخلق الكريم والسيرة الحسنة ، ولم يكن غنيا مترفا ؛ بل كان متوسط الحال . أخلص (( صالح )) فى نصيحة قومه ، وذكرهم بالله الخالق ، وخوفهم من بأسه الشديد ، ونهاهم عن عبادة الأحجار التى لا تضر ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تتكلم ولا تغطى ولا تمنع . وكان لا يترك فرصة تمر دون أن يعظهم ، ويهديهم إلى الخير ، ويدعوهم إلى الحق . فاستجاب له البسطاء الضعفاء ، وآمنوا به ، واستمعوا لقوله واتبعوه أما الأغنياء وأصحاب السلطان والنفوذ فسخروا منه ، وهزئوا به وبالمؤمنين الذين أيدوه . وكان (( صالح )) يذكرهم بأنه لا يريد على النصيحة أجرأ ، ولا على الهداية ثوابا ، إنما يطلب الجزاء من الله تعالى .
واستمر عليه السلام فى دعوة المؤمنين إلى طاعة لله وحده وأن لا يستمعوا إلى زعمائهم من الأغنياء وأصحاب النفوذ ؛ لأن هؤلاء يفسدون فى الأرض ولا يصلحون . وكان المستكبرون من قوم (( صالح )) معاندين ؛ فعز عليهم أن يطيعوا رجلا بسيطا منهم ويصبحوا أتباعا له ؛ يستشيرونه ويستهدونه ! وقاموا بالقتنة ؛ فجاؤوا إلى المستضعفين من المؤمنين وقالوا لهم ( اتعلمون أن صلحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ( 75 ) قال الذين استكبروا إنا بالذى ءامنتم به كفرون ) .
هكذا أصر الكفار على كفرهم وثبت المؤمنون على إيمانهم ولم ييأس نبى الله صالح عليه السلام من دعوة هؤلاء الكافرين فكان يدعوهم إلى الله وهم يكذبونه ويسخرون منه فكان يصبر على إيذائهم ويذكرهم بنعم الله عليهم لعل قلوبهم تنفتح لنعمة الإيمان والتوحيد … فكان يقول لهم : ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا ءالاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ) . ومع ذلك لم تتحرك قلوبهم ولم تتأثر بتلك الدعوه الهادئة الرحيمة . ولم يكتفوا بذلك بل اتهموا نبى الله صالحا عليه السلام بالسحر والجنون ومع ذلك لم يلتفت لتلك الاتهامات بل استمر فى دعوته رجاء أن يهديهم الله على يديه .
صالح عليه السلام يستمر فى دعوتهم
فلما وجدوا أنفسهم لا يملكون أى حجة أمام الحجاج الساطعة والكلمات الناصعة التى تخرج من فم صالح عليه السلام والتى تدعوهم لى توحيد البارى ( جل وعلا ) .. وإذا بهم يطلبون منه الأيات ظنا منهم أنه سيعجز عن أن يأتيهم بأية من عند ربه عز وجل . ( قالوا إنما أنت من المسحرين ( 153 ) ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بأية إنى كنت من الصدقين ( 154 ) ) . وإذا به يجيبهم إجابة الواثق فى موعود ربه عز وجل ويقول لهم : ( هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ( 155 ) ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ) .
خروج الناقة من الصخرة
فلقد كان قوم صالح عليه السلام يجلسون فى ناديهم الذى يجتمعون فيه فجاءهم نبى الله صالح عليه السلام فدعاهم إلى الله وذكرهم ولم ييأس من هدايتهم لحظة واحدة فهو يعلم أن
قلوب العابد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء . فلما دعاهم إلى الله قالوا له : يا صالح .. إن أنت أتيت بآية ( معجزة ) لنؤمنن معك بربك فى التو والحظة . فقال : وأى آية تريدون ؟ قالو : نريد منك أن تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عظيمة – وذكروا له أوصافا لا تخطر على قلب بشر – ثم قالوا : فإن فعلت ذلك آمنا معك . فما كان من بنى الله صالح عليه السلام إلا أن لجأ إلى الله عز وجل الذى يسمع ديب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء . وقال : يارب أرهم هذه الأية لعلهم يهتدون … ثم نظر إليهم وقال : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذى طلبتم ، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقونى فيما أرسلت به ؟ قالوا : نعم ، فأخذ عهدهم ومواثيقهم على ذلك . ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا .
وفجأة .. حدث شئ لم يخطر ببالهم أبدا .. يا ترى ما الذى حدث ؟ .. لقد انشقت الصخرة وصدر منها صوت شديد … وخرجت ناقة عشراء بنفس الصفات التى طلبوها فكادت عقولهم أن تطيش ، وكادت قلوبهم أن تلين .. ولكن هيهات هيهات فقد كانت قلوبهم أشد قسوة من الحجارة .
لقد آمن بعضهم ودخل الإيمان قلبه وعلم يقينا أن صالحا مرسل من ربه عز وجل .. ولكن بقى أكثرهم على الكفر الذى ملأ قلوبهم ، ولم يفارقهم لحظة واحدة .
ناقة مباركة
وظلت هذه الناقة تعيش بينهم زمانا فى أمان، وذلك لأن صالحا عليه السلام حذرهم من أن يمسوها عليهم عذاب الله وسخطه . وأخبرهم بأن هذه الناقة ستشرب من الماء يوما وهم يشربون يوما .. ففى اليوم الذى يشربون فيه تمتنع الناقة عن الماء وفى اليوم الذى تشرب فيه الناقة يمتنعون عن الماء ويحلبون لبن الناقة الذى كان كفهيهم أجمعين . قال صالح عليه السلام ((154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فحذرهم نقمة الله عليهم إن أصابوا الناقة بسوء … فمكثت الناقة بينهم حينا من الدهر تشرب من الماء هى وفصيلها ( ابنها ) وتأكل الورق والمرعى وينتفعون بلبنها يحلبون منها ما يكف يهم .
معجزة شربها لماء العين كله
وقد كان شرب الناقة للماء شربا خاصا معجزا ، أشارت له آيات القرآن . ( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ( 155 ) ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ( 156 ) ) . وقال تعالى : ( إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ( 27 ) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر ) . لقد كان ماء عين ثمود قسمة بينهم وبين الناقة ، حيث يشربون هم ماء العين يوما ، وتشرب الناقة وحدها ماء العين كله يوما آخر ، وهكذا يكون شرب ماء العين بالتناوب بينهم وبين الناقة . كل له شرب يوم معلوم محدد ، وكل يحضر ليشرب العين فى يومه ، ولا يمنعهوها من ذلك ، ولا يمسوها بسوء . إذن كان قوم ثمود كلهم يشربون ماء العين يوما ، والناقة وحدها تشرب ماء العين كله يوما آخر !! أما كيف كانت الناقة تشرب وحدها ماء العين ؟ وأين كانت تضع هذا الماء ؟ فهذا لا يعنينا ، ولا نستغربه ؛ لأن هذه الناقة معجزة ، ولذلك شربها وحدها لماء العين كله يوما بعد يوم معجزة أيضا ، وطالما أن الله أخبرنا عن ذلك فى القرأن ، فنحن نؤمن به ونصدقه ونقول به.
وعقروا الناقة
فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع علماؤهم ، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة – يقتلوها – ليستريحوا منها ويتوافر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم .. قال تعالى : ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ( 77) . وكان الذى تولى قتلها منهم رئيسهم : قدار بن سالف .
وها هى قصة قتل الناقة :
كان ( صنيم بن هراوة ) قد تزوج بامرأة غنية اسمها (صدوق ) ، فلما آمن كان يستخدم ماله فى الأنفاق على بنى الله صالح والمؤمنين ، فعاتبته صدوق لأنها كانت كافرة ، ثم أخذت أولادها فخبأتهم عند أبناء عمها ، فقال صنيم : ردى على أولادى .
فرفضت ، فتحاكما إلى بناء عمه وكانوا مؤمنين فردوا عليه أولاده . فازدادت صدوق كراهية لصالح عليه السلام الذى أنفق زوجها المال عليه ، وآمن به ، وفرق بينها وبين أولادها . وكان لها صديقة اسمها (عنيزة بنت غنيم ) ، وكانت كافرة هى الأخرى وكان لها غنم تخرج لترعى ، فاذا رأت الغنم ناقة صالح هربت من أمامها ، ولا تجد الأغنام ما تشربه ، فاغتاظت عنيزة . وجمع بينها وبين صدوق كراهية صالح والمؤمنين معه واتفقتا على قتل الناقة . وكلما عرضتا المال على رجل ليقتل الناقة يرفض لأنه رأى أن فى هذا عمل فظيع فهى ليست ناقة عادية ، وإنما هى أية من عند الله . ولكن رجلا واحدة هو ( مصرع بنى مهرج ) كان يحب صدوقا ويريدها لنفسه ، فوافق على قتل هذه الناقة ، ثم خرج يبحث له عن أعوان لإرتكاب هذه الجريمة الفظيعة ، فوافقة صديقة ( قدار ابن سالف ) وكان عزيرا فى قومه . ثم انطلقا حتى صار عدد عصابتهم تسعه رجال يفسدون فى الأرض ولا يصلحون ، وتزعمهم قدار بن سالف أشقى القوم .
انطلق هؤلاء الرجال التسعة الأشرار فى تلك المهمة التى ستجلب عليهم غضب الله وسخطه وعذابه .. ذهبوا ليقتلوا الناقة . بحثوا عنها حتى وجدوها وهو قدار بن سالف فرماها بسهم فأصاب ساقها فخرت ساقطة على الأرض وأصدرت صوتا لولدها لتحذره ليهرب من هؤلاء المجرمين .. ثم قال الرجل وطعنها ثم ذبحها وسالت دماء الناقة على الأرض فما رآها ولدها هرب إلى أعلى الجبل . ويقال : أن ولد الناقة لما رأى أمه قد قتلت أما عينيه فزع فزعا شديدا وهرب منهم .. فلما أرادوا أن يلحقوا به وجدوه قد دخل فى تلك الصخرة التى خرج منها هو وأمه بعد أن صرخ صرخة شديدة .. والله أعلم .
وحان وقت الهلاك
ولما علم نبى الله صالح عليه السلام بما حدث خرج غاضبا على قومه وقال لهم : ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة بسوء ؟ فانتظروا العذاب الذى سيأتيكم من عند الله ( جل وعلا ) .
ومع ذلك سخروا منه وظنوا أنه يستهزئ بهم أو أنهم يهددهم ولم يصدقوا أن العذاب سيحيط من كل جانب فقالوا له فى سخرية ( يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) فقال لهم صالح عليه السلام ( اتمتعوا فى داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) .
كيف نزل العذاب عليهم
لقد وعدهم صالح عليه السلام أن ينزل بهم العذاب بعد ثلاثة أيام .. وكانوا قد اقتلوا الناقة يموم الأربعاء وأصبحت ثمود يوم الخميس – وهو اليوم الأول من أيام المهلة – ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام ولما كان صباح اليوم الثنى رأوا وجوههم حمراء كما قال لهم أيضا ؛ ولكنهم لم يهتموا بل قالوا لعلها ردة الدم إلى الجسم والوجه بعد صفرة المرض . فلما كان اليوم الثالث ورأوا وجوههم سوداء مظلمة ، أدركوا أنهم كانوا يخدعون أنفسهم فى الأيام السابقة ؛ وأعتقدوا أن الأمر جد كما أنبأهم (( صالح )) ؛ فأرادوا أن تكون به ويقتلوه قبل أم يموتواهم !
واجتمع نفر من قومه ، وتقاسموا على أن يتسللوا إليه فى جنح الظلام ، ويباغتوه وأهله والناس نيام ؛ فيوقعوا بهم من غير أن يراهم أحد ، وأجمعوا أمرهم بينهم على أن يكون ذلك سرا مكتوما ، لا يذيعونه ، ولا يتناقلونه . بيتوا له الشر ، وأضمروا له ولأهله القتل ، ظنا منهم أن ذلك يعصمهم من العذاب ، وينجيهم مما سيحل بهم من العقاب ، ولكن الله لم يمهلهم ، بل أحبط مكرهم ، ورد إليهم كيدهم ، ونجاه مما أرادوا به ، وأنقذه والذين آمنوا معه من العذاب ، وأنزل بالكافرين عقابة ؛ تصديقا لوعده ، ومظاهرة لنبيه .
نعم .. لقد أهلكم الله عز وجل كما وعدهم نبى الله صالح عليه السلام ففى اليوم الثالث لما أصبحوا ووجدوا وجوههم مسودة وكأنها قد طليت بالقار قاموا وتحنطوا وكفن بعضهم بعضا وقعدوا ينتظرون العذاب .. لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب .
الله يعذبهم بالصيحة والرجفة والصاعقة
ولما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم وأصابتهم الصاعقة ففاضت أرواحهم وزهقت أنفسهم فى ساعة واحدة . وقد أطلق القرآن على العذاب الذى وقع بقوم ثمود عدة أسماء . فسماه : صيحة ، ورجفة ، وصاعقة . ولا تعارض بين هذه الأسماء ، فكل اسم تلحظ فيه مرحلة من مراحل ذلك العذاب ، ودرجة من درجاته . لقد انشقت بهم الأرض ، فسمعوا لها صيحة قوية ، وصوتا عاليا ، ثم رجفت بهم وحركتهم ، ثم صعقتهم وأهلكتهم . قال تعالى ( فأخذتهم الصيحة مصبحين ) . لقد انشقت الأرض أمام ثمود ، وزلزلت ، وسمعوا لا نشقاقها صوتا عاليا ، وصيحة مدوية . وهذه الصيحة المدوية التى سمعوها نتج عنها رجفة قوية قال تعالى ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين ) . وهذه الرجفة وقعت بعد الصيحة فقوم ثمود سمعوا صيحة قوية ، ثم رجفت بهم الأرض بعد ذلك ، وتحركت حركة شديدة ، وزلزلت زلزالا كبيرا بعد الصيحة . ثم صعقوا بعد الصيحة والرجفة ، فسمى العذاب الواقع بهم (( صاعقة )) . قال تعالى ( وأما ثمود فهدينهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صعقه العذاب الهون بما كانوا يكسبون ) . لقد صعق قوم ثمود بالصاعقة ، كانوا ينظرون وهم مصعوقون ، عاجزون عن الحركة أو الهرب ، غير قادرين على الأنتصار أو دفع ذلك العذاب عنهم . لقد طغت ثمود ، ولم يلتفتوا لتحذير صالح عليه السلام ، وأقدموا على عقر الناقة ، فأوقع الله بهم العذاب ، وأخذهم بالصيحة والرجفة والصاعقة ، ودمدم عليهم ، وسوى مكانهم بالأرض ، أو سوى الأرض بهم ! أهلك الله ثمود بعدله ، وعاقبهم جزاء على كفرهم وطغيانهم ، ودمدم عليهم ، وأطبق عليهم العذاب ، حتى عمهم جميعا ، وسوى الأرض بهم ، وهو القوى الحكيم العادل ، فلا يخاف متابعا يتابعه ، ولا محاسبا يحاسبه ، ولا نكيرا ينكر عليه ، ولهذا عقب على دمار ثمود بقوله : ( ولا يخاف عقبها ) . ( فأصبحوا فى دارهم جثمين ) . صرعى لا أرواح فيهم ، ولم يفلت منهم أحد ، لا صغير ولا كبير ، ولا ذكر ولا أنثى إلا جارية كانت معقدة – واسمها : كلبة ابنة السلق . ويقال لها : الزريقة . وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام فلما رأت ما رأت من العذاب أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شئ ، فأتت حيا من الأحياء ، فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها ، ثم طلبت منهم شربة ماء فلما شربت ماتت . قال تعالى ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جثمين ) . وقال تعالى ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ( 29 ) فكيف كان عذابى ونذر ( 30 ) إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ( 31 ) ) .
أما الذين آمنوا بسيدنا صالح ، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا ، … قال تعالى ( فلما جاء أمرنا نجينا صلحا والذين ءامنوا معه برحمة منا ومن خزى يومئذ إن ربك هو القوى العزيز ( 66 ) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا فى ديرهم جثمين ( 67 ) كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعد الثمود ( 68 ) .
صالح عليه السلام يخاطبهم بعد هلاكهم
لقد خلت ديار ثمورد منهم ، وأصبحت خاوية ؛ كأن لم يكن بها ساكنون يتحركون . وذهب ثمود إلى عذاب الله ، وخلفوا وراءهم بيوتهم وممتلكاتهم ، التى أقاموا فيها ما أقاموا … وها هم قد غادروها مكرهين معذبين ، كأن لم يغنوا ولم يقيموا فيها . إلا بعدا لثمود ، وسحقا لهم ، وتبا وخسارة لهم ، وخزيا وذلا لهم ، وهذه هى النهاية التى يستحقونها بسبب كفرهم وطغيانهم ، وهى نفسها نهاية كل قوم كافرين . ووقف صالح عليه السلام على أطلال قومه المعذبين ، وشاهد جثثهم صرعى كهيشم المحتظر ، فعقب على هذا قائلا لهم وهم أموات : ( يقوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون النصحين ) . لقد قام صالح عليه السلام بواجبه نحو قوم ثمود ، وبلغهم رسالة الله ، ونصح لهم ، وأخلص فى نصحه ، وهذا كل ما يملكه تجاههم . أما هم فقد أغلقوا أمام نصحه قلوبهم ، ورفضوا دعوته لهم ، فوقع بهم العذاب !!
النبى صلى الله عليه وسلم يمر بديار ثمود
عن ابن عمر رضى الله عنهما لما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، فاستسقى الناس من الأبار التى كان تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ، ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهراقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التى كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال : ((إنى أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم ) ) . لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن استعمال الماء الذى فى ديار ثمود ؛ لأنه ماء قوم معذبين ، وأمرهم بإرهاق القدور التى طبخوا فيها بذلك المال ، وإطعام العجين الذى عجنوه بذلك الماء لدوابهم ، وهذا النهى للتنزية لا للتحريم ، وهذا التصرف من إرشاد لهم إلى ما هو أولى . والرسول صلى الله عليه وسلم يريد من المسلمين أن تبقى قلوبهم نافرة من المعاصى ، وأن لا يرضوا نفسيا بالقوم المعذبين ، ولذلك نهاهم عن الإقامة فى ديار القوم المعذبين ، وعن الدخول عليهم ، حتى لا تهتز نظرتهم للعصاة والمعاصى ، وحتى لا يتأثروا بما كان يفعله المعذبون الهالكون .
وسن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يرموا بديار المعذبين وهم باكون . عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : (( لآ تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، لئلا يصيبكم مثل يصيبكم ما أصابهم).
موضوعات متعلقة