قصة بقرة بني إسرائيل التي هي من العجائب التي حدثت في بني إسرائيل ، فقد امتلأت حياتهم بالعجائب والغرائب ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم ( حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ) .
قال تعالى : ( وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجهلين ( 67 ) قالوا ادع لنا ربك يبن لنا ما هى قال أنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون ( 68 ) قالوا ادع لنا ربك يبن لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر النظرين ( 69 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشبه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ( 70 ) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا تشبه فيها قالوا الئن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ( 71 ) وإذ قتلتم نفسا فادرءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ( 72 ) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحى الله الموتى ويريكم ايته لعلكم تعقلون ) .
وها هى تفاصيل هذه القصة :
كان فى بنى إسرائيل شاب فقير فى كل شئ … فى المال وفقير فى الأخلاق ليس عنده دين ولا أمانة . وكان له عم غنى كثير المال وكانت له ابنة جميلة جدا . فكان هذا الشاب يتمنى موت عمه فى أقرب وقت من أجل أن يرث المال الكثير ويتزوج ابنة عمه الجميلة . ولكن عنه عاش طويلا وكان فى غاية الصحة والعافية . فتجعل هذا الشاب موت عمه من أجل أن يستمتع بالمال . وأخذ هذا الشاب يدبر تلك المؤامرة الحقيرة لقتل عمه … إلى أن استطاع فى ليلة من الليالى أن يقتل عمه … وحتى لا يعرف الناس أنه هو الذى قتل عمه ، أخذ جثة عمه وألقاها أمام بيت أحد أقاربه وجلس يبكى على باب البيت وكأنه حزين على موته . فلما مر الناس عليه وجدوه يبكى ويتهم أهل هذا البيت بقتل عمه . فخرج أصحاب البيت وأقسموا أنهم لم يقتلوه . وضاع الحق بين الناس ولم يعرفوا من القاتل !!! وذهبوا إلى نبى الله موسى عليه السلام وأخبروه بخبر هذا الرجل المقتول . فقام وقال لهم : أسألكم بالله من الذى يعلم قاتل هذا الرجل ؟ … فلم يرد أحد فقال له رجل منهم : يا بنى الله لماذا لا تسأل ربك حتى يخبرك بخبر القاتل . فسأل موسى ربه ( جل وعلا ) فأوحى إليه بأن يأمرهم أن يذبحوا بقرة . فتعجب الناس من ذلك وظنوا أن موسى عليه السلام يستهزئ بهم . فقال لهم موسى عليه السلام : ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجهلين ) : أى أعوذ بالله أن أخبركم بشئ من أوامر الله فلقد أخبرتكم بما أمر الله .
ولقد كان يكفيهم أن يذبحوا أى بقرة ؛ لأن الله ( جل وعلا ) لم يحدد لهم أى مواصفات لتلك البقرة ولكن شددوا فشدد الله عليهم . فسألوا عن سنها فأخبرهم بأنها متوسطة العمر لا كبيرة ولا صغيرة وأمرهم أن ينفذوا أمر الله ( جل وعلا ) دون أى تأخير لكن بنى إسرائيل كانوا لا يطيعون الأوامر بل كانوا يتهربون ويتحايلون على تلك الأوام بأدنى الحيل حتى لا ينفذوها … وكانوا يكثرون من الأسئلة بقصد التهرب من الأوامر وتضييع الوقت . فسألوا نبى الله موسى عليه السلام : ما لونها ؟ فأجابهم بأنها بقرة صفراء فاقع لونها – أى شديدة الصفرة – جميلة المنظر .. تسر من النظر إليها من شدة حسنها وبهائها . ثم شددوا أيضا : (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا) . فأخبرهم بأنها بقرة ليست مذللة أو معدة للحرث ولا لسقى الأرض بالساقية … سالمة من العيوب ليس فيها أى لون يخالف لونها فهى صفراء خالصة الصفراء . فلما حددها بهذه الصفات : (قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ 71) .
أخذوا تلك المواصفات من موسى عليه السلام ، وراحوا يبحثون عن بقرة تتصف بها . بحثوا عن بنى إسرائيل ، فلم يجدوا إلا بقرة واحدة فقط تتصف بهذه الصفات … كانت تلك البقرة لشاب يتيم فقير كان بارا بأبيه الذى مات ، وبارا بأمه التى ما زالت تعيش. فساومهم وبقى يساومهم ، ويرفع سعرها تدريجيا ، وهم يراجعونه ويساومونه … رفع سعرها من مائة دينار ، إلى مائتين . ثم إلى أربعمائة . ثم ثمانمائة . ثم طلب منهم أن يضعوها فى الميزان ، وأن يدفعوا له ثمنها بما يساوى وزنها ذهبا ! فأضطروا إلى الموافقة لعدم وجود بقرة غيرها . ودفعوا للشاب ما طلبه ، فصار من كبار الأغنياء لبره بوالديه . أخذوا البقرة وذبحوها ، ثم أخذوا جزءا منها ، وضربوا بها جسد القتيل . فأحيا الله القتيل فنظر حوله فوجد أناسا كثيرين فسأله أحدهم : من الذى قتلك ؟ فقال : قتلنى ابن أخى طمعا فى ثروتى .. ثم مات القتيل مرة أخرى . فألقى القبض على القاتل وحرم من الميراث عقوبة له على جريمته … ومنذ ذلك اليوم لم يورث قاتل من الميراث المقتول . قال الله تعالى : ( كذلك يحى الله الموتى ويريكم ايته لعلكم تعقلون73) . أى : كما شاهدتهم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له … كذلك أمره فى سائر الموتى ، إذا شاء إحياهم أحياهم فى ساعة واحدة .
وعلى الرغم من إعجاب ودهشة بنى إسرائيل لما حصل من موسى عليه السلام فإنهم ظلوا على عنادهم وبقيت قلوبهم على قساوتها كأنها الحجارة أو أشد قسوة منها . ولقد لقى موسى عليه السلام من (( بنى إسرائيل )) – كما لقى غيره من أنبيائهم – كل عنت وعناد وصدود ، وما يزالون إلى اليوم يتصفون بالنفاق والغدر والمكر ، ويخالفون شريعة الله وأوامره التى أنزلها فى (( التوراة )) ؛ ولقد تجرؤوا على كتاب الله فغيروا وأخفوا كل دعوة فيه إلى الفضيلة والأخلاق.
موضوعات متعلقة