قصة نبي الله يونس علية السلام مع الحوت قصة عجيبة ، بل إنها من عجائب الدنيا التي تذهل العقول ، ولولا أنها وردت فى كتاب الله ما كان عقل الانسان يستطيع ان يصدق ما حدث.
قال تعالى :((وإن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون(14 ) فساهم فكان من المدحضين (141) فالتقمه الحوت وهو مليم (142) فلولا انه كان من المسبحين (143) للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون (144) فنبذنه بالعراء وهو سقي (145) وانبتنا عليه شجرة من يقطين (146)وأرسلنه إلى مائة ألف أو يزيدون(147) فامنوا فمتعنهم الى حين )) .
ففى بلاد العراق القديمه كانت هناك قريه اسمها ((نينوى)).
وهى قريه تكثر فيها النعم والخيرات من الزروع والثيمار والدواب والخضره والماء المتدفق من الانهار، ولكن اهل القريه لم يشكروا الله طرفة عين، بل كفروا بالله وعبدوا الاصنام والكواكب والنجوم من دون الحى القوم (جل وعلا )، وظلوا على ذلك الحال زمن طويلا .
فارسل الله عز وجل نبيهم يونس علية السلام إلى الصراط المستقيم ,ويحذرهم من عذاب يوم عظيم , ليبتعدوا عما هم فيه من ضلالة وكفر , ويمتنعوا عن ارتكاب المحرمات .
ولم يكن ((يونس)) علية السلام من أهل ((نينوى)) , فكان غريبا عن القوم , ليس له فيهم , وليس له بينهم قرابة .
فأقام عندهم يدعوهم إلى الهدى, ويرشدهم الى الخير , ويبصرهم
بالفضائل ومكارم الأخلاق . فلم يستجيبوا له , ولم يسمعوا نصائحه, وزادوا فى انحرافهم عن الطريق المستقيم , وأمنوا فى ابتعادهم عن النهج القويم , وأغرقوا فى لذائذهم وشهواتهم .
وكان يونس علية السلام شابا طرى العود متوقد الحيوية والنشاط , فثارت ثائرتة لإعراض الناس من أهل (نينوى) عن دعوته . فأوحى الله إليهى أن أنذرتهم من نزول العذاب بهم إن لم يؤمنوا بالله (جل وعلا) فذهب إليهم يونس علية السلام وحذرهم من عذاب النار وعقابه ووعدهم أن العذاب سينزل بهم بسبب كفرهم وعنادهم . ومع ذلك لم يستجيبوا له، بل سخروا منه ومن كلامه فحزن يونس حزنا شديدا ، وظل يدعوهم إلى الله إلى أن يئس منهم فخرج من تلك القرية ووعدهم بنزول العذاب بهم بعد ثلاثة أيام .
توبة قوم يونس علية السلام
لم ينتظر يونس علية السلام أن يأتيه الأمر من الله عز وجل بالخروج من هذة القرية الظالم أهلها بل تعجل الخروج وهو فى حالة شديدة من الحزن والغضب .
ومر اليوم الأول على الموعد الذى حدد يونس لنزول العذاب بهم .
ومر اليوم الثانى دون أن يحدث شىء .
فلما جاء اليوم الثالث رأوا علامات نزول العذاب قد حاق بهم .
فلما تحققوا من نزول العذاب بهم , قذف الله فى قلوبهم التوبة والإنابة , وندموا على ما كان بهم إلى نبيهم ,فلبسوا المسوح ,وفرقوا بين كل بهيمة وولدها , ثم عجوا غلى الله عز وجل , وصرخوا, وتضرعوا إليه , وتمسكنوا لديه , وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والامهات , وجارت الانعام والدواب والمواشى , ورغت الإبل وفصلانها, وخارت البقر وأولادها , وثغت الغنم وحملانها , وكانت ساعة عظيمة , فكشف الله بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذى كان قد اتصل بهم بسبب توبتهم ولهذا قال تعالى : ((فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمنها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيوة الدنيا ومتعنهم إلى حين)).
فقد اخبرنا ربنا أن قوم يونس نفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بهم , ورفعة الله عنهم بعد احاطهم بهم .
ومضت الايام الثلاثه التي وعد بها يونس ,فجاء ينظر موعود الله فيهم ,ولعله كان معتزلا لهم ,لم يدر بما فعلوه من التوبه والانابه …..فوجدهم لما اطل عليهم سالمين ,فأغضبه ذالك ,وكان جزاء القاتل عندهم ان يقتل ,فخرج هاربا من قومه ,خشيه القتل .
وكان الواجب علي يونس ان يرضي بقضاء الله (تبارك وتعالي)
,ويسلم لامره فليس للعبد أن يغضبه فعل ربه ,وما كان ليونس ان يخرج من غير أذن منه ,ولذلك نهي الله رسولنا .ان يكون كصاحب الحوت ..وصاحب الحوت هوه يونس لالتقام الحوت له …قال تعالي ((فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت))
فلما تاب قوم يونس ورفع الله عنهم العذاب اخذوا يبحثون عن يونس (عليه السلام )فلم يجدوه فدعوا الله أن يرد اليهم هذا النبي الكريم الذي ترك بلادهم ياسا من ايمانهم بعد ان عاندوه وسخروا منه .
يونس (عليه السلام ) في بطن الحوت
كان يونس في تلك الحظه قد ابتعد عن تلك القريه حتي وصل الي شاطئ البحر فوجد سفينه تستعد للرحيل فطلب منهم أن ياخذوه معه فوافقوا بل وكانوا في قمه السعاده ان يكون هذا النبي الكريم علي ظهر تلك السفينه .
فلما اقلعت السفينه اخذ يونس عليه السلام يصلي ويذكر الله (عز وجل )فاحبه الناس حبا شديدا واستبشروا بوجود هذا النبي الصالح معهم ، فلم يطلبوا منه ان يعمل اي شيئ…بل كانوا يخدمونه ويحرصون علي راحته .
وحين اظلم الليل ذهب يونس الي ركن من اركان السفينه .واغمض عينيه وراح في سبات عميق .وذلك بسبب ما لقيه في ذلك اليوم من تعب المشي وجهد المسير .
وما هي الا ساعات قلائل حتي هب (عليه السلام ) من نومه مذعورا علي صوت صراخ الناس في السفينه …فقد بدات الامواج تعلوا وتضرب بعضها بعضا وكادت السفينه ان تغرق ….فما كان من ربان السفينه الي ان اصدر اوامره بتخفيف احمال السفينه حتي لا تغرق .
فاخذ الركاب يلقون بعض امتعتهم عسي ان يكون ذلك سبب في نجاتهم …ولكن مع ذلك مازالت السفينه تضطرب وتكاد ان تغرق بهم جميعا .
وهنا اصدر ربان السفينه اوامره بانه لابد من القاء احد الركاب في البحر والا فسوف تغرق السفينه .
وهنا رفض كل راكب ان يلقي بنفسه في البحر في هذا الظلام الدامس ، لان من يلقي بنفسه في هذا الوقت في البحر ان لم تاكله الاسماك والحيتان فسوف يموت من الخوف والرعب .
فاشار عليهم الربان بان يقترعوا فمن وقعت عليه القرعه القي بفسه في الماء بدلا من ان يغرقوا جميعا .
فلما اقترعوا وقعت القرعه علي نبي الله يونس ليلقوه في البحر لكنهم رفضوا ان يلقوه واعادوا القرعه للمره الثانيه فوقعت علي نبي الله يونس فقالوا :مستحيل ان نلقي هذا النبي الكرين في البحر، فاعدوا القرعه للمره الثالثه فوقعت علي نبي الله يونس ….فما كان منه الا ان القي بنفسه في البحر وقد تاكد الكل من موته وهلاكه .
انطلقت السفينه في طريقها، واما يونس (عليه السلام ) فقد بعث الله اليه حوتا عظيما من البحر الاخضر فالتقمه وابتلعه .
فامر الله الحوت الا ياكل له لحما ولا يهشم له عظما فانه ليس رزقا له …فطاف الحوت به البحار كلها .
حقا انها معجزه فريده
لما استقر يونس (عليه السلام)في بطن الحوت ,اجرى الله له معجزه اخري حيث امر الجهاز الهضمي للحوت الا يهضم يونس ,وان لايفرز العصارات الهاضمه عليه .. فهذا الوفاد الي المعده ليس وجبه غذائيه ,وهو لا يصلح للهضم .وما هو الا مقيم في المعده اقامه يسيره ليغادرها بعد ذلك ….وهذه المعده اشبه ماتكون بقارب انقاذ لانقاذه ,ولا يجوز لها ان تهضمه .
وتلقت معده الحوت امر الله راضيه ,ونفذته ,فلم تفرز علي يونس عصارتها الهاضمه ,وبقي يونس حيا فيها .
ولا يستغربن احد هذا الامر ,فلو كان الامر امرنا نحن البشر لكان مستحيلا ,فلا احد من البشر يسطتيع ان يتحكم في الحوت ,ولا ان يامره بعدم مضغ فريسته في فمه ,وعدم هضمها في معدته ,ولو امره احدنا بذلك ,فلن يستجيب له ,لانه لن يفهم عليه ,ولن يخضع له .
ثم إنه لا يمكن لاحد ان يبقي حيا في معده حيوان او حوت بالحساب البشري ,لانه لو لم يمضغه الحوت ولم يهضمه فلن يبقي في بطنه حيا ,لانه سيموت بانقطاع الاوكسجين عنه .
هذا بالمنطق البشري والحساب البشري .
اما بالنسبه لاراده الله وقدرته فالامر هين مفهوم ان الله فعال لما يريد ,وهو علي كل شئ قدير …..ان الله هوه الذي امر الحوت ان يتوجه نحو السفينه ففعل ,وامره ان يفتح فمه استقبالا ليونس ففعل ,وامر فمه ان لا يمضغ يونس ففعل ,وامر معدته الا تهضم يونس ففعلت .
والله هو الذي قدر ليونس ان يعيش حيا في بطن الحوت .
ان الامر كله معجزات وخوارق ,يعجز عنها البشر ,لكنها مفهومه لانها من فعل الله .
-يونس عليه السلام يسجد لله عز وجل في بطن الحوت –
ولما استقر في جوف الحوت حسب انه مات ,فحرك جوارحه فتحركت ,فاذا هو حي فخر لله ساجدا وقال :يارب …. اتخذت لك مسجدا في موضع لم يعبدك احد في مثله .
لقد فوجئ يونس عليه السلام أنه في ظلمات ثلاث :ظلمه الليل وظلمه قاع البحر وظلمه بطن الحوت …وهنا احس بذنبه وشعر انه اخطا عندما خرج من القريه بغير امر من الله (عز وجل) فاخذ يصلي ويسبح ويستغفر الله (جلا وعلا)في بطن الحوت .
وبعدما سبح يونس عليه السلام ربه وهو في بطن الحوت , تضرع إليه ودعاه وإستغاث به وقال : لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين .
كان من الممكن ان يظل في بطن الحوت الي يوم القيامه ولكن شيئا واحدا كان السبب في نجاته من هذا العذاب الاليم …هذا الشيئ هوه التسبيح والذكر والدعاء
نطق يونس عليه السلام في دعائه بالكلمه الطيبه ((لا اله الا انت )) واعل توحيد الالهيه واكد عليه .
انه في غم وضيق , وانه بعيد عن جميع المؤيدين والناصرين من المخلوقين ,وانه يوقن ان ايه قوه بشريه عاجزه عن الوصول له , وانه لا يمكن ان يقدم له مخلوق مساعده او نفعا .
انه يعيش حقيقه انه لا اله الا الله ,ويستشعر حاله انه لا اله الا الله , ويدرك فعلا انه لا نافع ولا ناصر ولا مؤيد الا الله . ولهذا نطق بها بلسانه , وهوه يستحضرها في قلبه ويعيشها بكيانه .
ونستفيد نحن من هذا الدعاء النبوي الكريم ان نبدا دعاءنا وتضر عنا بالثنا على الله, وإعلان أنه لا إله إلا الله ,ثم نقوم بتقديم طلباتنا وحاجاتنا بعد ذلك .
وبعدما أثنى يونس على الله , اعترف بتقصير قائلا :((إنى كنت من الظلمين )) .
أدرك يونس وهو فى بطن الحوت الذاهب فى عرض البحر , أنه تسرع بالخروج من قومه , قبل توجيه الله له , وأن الله عتب عليه ولامه من أجل ذلك , وقدر أن يوقع به هذا البلاء , ويمتحنة .
ولما أدرك ذلك انطلق لسانه بالاعتراف بأنة كان ظالما فى فعله وتصرفه وخروجه , وطلب من الله أن يتجاوز عن ظلمه , فيسامحه ويفرج كربه .
ولا يراد بوصف يونس بالظلم هنا حقيقة الظلم , لأنه نبى كريم (علية الصلاة والسلام ) , والأنبياء معصومون , يعصمهم الله من الوقوع فى الظلم والفسق والذنب والعصيان .
وصف يونس نفسه بالظلم لشعوره بالتقصير فى حق الله , وحيائه من الله , وطلبة تفريج الغم والكرب والضيق .
الملائكة تشفع له عند ربه عزوجل
إن يونس النبى (علية الصلاة والسلام ) , حين بدا له أن يدعوا بهذه الكلمات وهو فى بطن الحوت , فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين , فأقبلت الدعوة تحف بالعرش … قالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة …فقال الله تعالى : أما تعرفون هذا ؟ قالوا : يارب أو لا ترحم ما كان يصنع فى الرخاء فتنجيه فى البلاد , قال : بلى فأمر الحوت فطرحه بالعراء .
خرج يونس علية السلام من بطن الحوت وهو فى غايه المرض والتعب وقد ضعف بدنه وتاكل جلده .. قال تعالى : ((فنبذنه بالعراء وهو سقيم )).
وقف الحوت على شاطىء البحر بأمر الله , وأخرج يونس من بطنه بأمر الله , والقاه على الشاطىء بأمر الله وعاد الى مياة البحر بأمر الله.
وبهذا انتهت محنة يونس فى البحر وفى بطن الحوت , بأمر الله وخرج منها بأمان برعاية وتدبير الله.
موضوعات متعلقة