منذ تأسيس المسجد النبوي ، كان سعف النخيل هو الوسيلة المستخدمة في إضاءته عبر إشعال النار فيه، حتى السنة التاسعة من الهجرة، حين قدم الصحابي “تميم الداري” بقناديل الزيت، واستخدمت وسائل بدائية أخرى بعد ذلك في انارته وتعاقبت السنين، وظلت الأمور على هذا الحال إلى أن تغير بعد زيارة الوزير المصري “أحمد باشا حمزة”، للأراضي الحجازية ليزين أركان المسجد النبوي الشريف بالمصابيح الكهربية.
أحمد باشا حمزة تولى وزارة التموين في وزارة النحاس عام 1942، ووزارة الزراعة عام 1950، أكمل دراسته بالجامعة وسافر لـ انجلترا لدراسة الهندسة ثم عاد من الغرب بفكرة إنتاج الزيوت العطرية، فزرع الياسمين والزهور ذات الروائح الزكية، وأسس مصنعا لتحويلها إلى زيوت عطرية ثم تصديرها إلى أشهر مصانع العطور في العالم، بخاصة فرنسا، وبذلك كان هو أول من صنع وصدر الزيوت العطرية في الشرق الأوسط.
في عام 1947 ميلاديًا، ذهب أحمد باشا حمزة لأداء فريضة الحج وبعد أن أدى المناسك توجه إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي الشريف، وهناك وجد أن المسجد النبوي لا يزال يضاء بقناديل الزيت ذات الإضاة الخافتة لدرجة أن المسجد يكاد يكون مظلمًا، فحزن لذلك حزنًا شديدًا أن يكون مسجد سيد الخلق غير مضاء، وفور أن عاد إلى مصر قرر شراء عدد من المحولات الكهربائية والمصابيح والمعدات الكهربائية اللازمة على نفقته الخاصة وقام بإرسالها إلى بيت الله الحرام والمدينة المنورة، وأمر مدير مكتبه حينها بإصطحاب المهندسين معه والفنيين ومعهم المولدات الكهربائية وقاموا بتركيبها في المسجد النبوي الشريف، لينال بذلك شرف أن يكون أول من أضاء المسجد النبوي الشريف بالكهرباء.
في العام التالي سافر أحمد باشا حمزة لأداء مناسك الحج والعمرة، واستقبله حينها أمير المدينة المنورة في استقبال حافل وكان معه مدير مكتبه وكان طلب أحمد باشا وأمنيته أن يدخل إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فتم قبول طلبه بأصدار أمر ملكي خاص من الملك (عبد العزيز آل سعود)، بالسماح له بالدخول وكذلك تم السماح بالدخول لمدير مكتبه الذي قال في مذكراته “دخلنا قبر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، فاستقبلتنا رائحة زكية ووجدنا أرضاً رملية، أحاط جلال المكان بنا جعلنا غير قادرين على الكلام لفترة وبعدها ظللنا نتلو ما تيسر لنا من آيات القرآن الكريم، والأدعية،قبل الخروج أخذت معي حفنة من الرمال المحاطة بالقبرقسمتها نصفين، الأول وضعته فوق جثمان والدي في قبره، والنصف الثاني أوصيت أبنائي أن يضعوه فوق جثماني داخل القبر.