730 يوما بالتمام والكمال مرت على رحيل شهداء حادث الكريمات أثناء عودتهم بعد الإنتهاء من مراسم دفن “خالتى” بقرية “بنى محمد” – محافظة أسيوط – ذلك الحادث الذى خلف وراءه صدمة نتج عنها أثارا نفسية لا يعلم مداها إلا الله إلى وقتنا هذا، حيث رحل من أهلى 11 شخصا بينهم أمى وخالى وخالتى وزوجة خالى وغيرهم، تغيرت خلالها الدنيا بكل ما فيها، فلم يعُد هناك طعم ولا لون لأى شيء.
هذا الحادث المفجع كان له “أيقونة” تسمى “الحاج كمال عبد الحميد”، خالى – شقيق أمى – الذى لن يجود الزمان بمثله، ففي هذا اليوم الموافق 5 مارس هو ذكرى رحيل أغلى الناس إلى القلب وهم شهداء حادث الكريمات، وإذا أردنا الحديث عن “كمال عبد الحميد” فالقلم لن يتوقف عن وصفه، فقل عنه ما تشاء، حنونا، كريما، جوادا، معطاءا، مصليا، شجاعا، إنسانا، مخلصا، إلى أخر هذه الصفات الحميدة التي قلما تجتمع في شخص في أيامنا هذه.
كمال عبد الحميد – مع حفظ الألقاب – كان يعبد الله تعالى من باب “جبر الخواطر”، وحبه لمساعدة الجميع دون استثناء القريب منهم والبعيد حتى يردد الناس عنه مقولة: “أذهبوا لكمال عبد الحميد، فلا يُظلم عنده أحد”، وأصل المقولة مأخوذة عن حديث النبى صلى الله عليه وسلم حينما وصف “النجاشى”، فقد يرى الكثيرين أن شهادتى في كمال عبد الحميد مجروحة، نظرا لكونه خالى، والكل يحترم خاله ويقدره، ولكن ما أكتبه وأقوله عن هذا الرجل عايشته بأم عينى دون أن يحكى لى أحد شيئا.
كان كمال عبد الحميد يصادق البسطاء والفقراء ويسعى للجلوس معهم أكثر من مصادقته لغيرهم، كان صادقا مع نفسه فصدقه الناس، كان كريما مع غيره، فأكرمه الله عند رحيله، استطاع أن يخترق قلوب كل من عرفه لإخلاصه وتفانيه في حل النزاع بين المتخاصمين، فقلبه لم يعرف سوى الحب، كان يسعى لإسعاد الآخرين لأجل، ذلك جعل الله تعالى له وجها بشوشا، بمجرد رؤيته يطمئن قلبك، ويزول الغضب، وتنزل إلى رغبته المرجوة.
كمال عبد الحميد الذى يعرفه الجميع، متسامحٌ لدرجة كبيرة، فى جنازته وقف المسلم والمسيحى يتلقى العزاء، فالكل لدى كمال عبد الحميد سواء، كانت الدموع صادقة، كل دمعة خلفها قصة وحكاية، كل منهم كان له موقف مع كمال عبد الحميد، فكان قلبه عامر بالإيمان، كل من طرق له بابا حقق له طلبه بقدر المستطاع، كان زاهدا في كل شيء، إلا أن يسير في الخير بين الناس، فكان يتصارع ويتنافس على هذا الأمر، كمال عبد الحميد كان له خبيئة مع الله، لا يعلم عنها أحد شيئا حتى أقرب المقربين منه، لا يعلم ما هي خبيئة كمال عبد الحميد مع الله.
كمال عبد الحميد كان يتاجر مع الله، وترك إرثا لذريته وأحفاده من بعده يتفاخرون به في أوساط الناس، فكان – عليه نسائم الرحمة – يمثل للكثيرين ولا زال رمزا للكرم والحكمة وإصلاح ذات البين، وإنكار الذات، والشجاعة والشهامة والفروسية، كان قائدا فى كل شئ، أعطاه الله من الحنيه ورقة القلب لو وزع على محافظة بأكملها لوسعتهم، كان رجلا صالحا يعلم قدر الرجال ومقدارهم، كانت ابتسامته المعهودة سلاحه الذي يلقي به شدائد الأمور، كان صلبا فى الحق، أعطاه الله وقارا وحبا فى قلوب الناس لم أري مثله قط.
أذكر أنه كان إذا حضر فى نزاع – ولو كان فيه دم – هدأت النفوس واستقرت وأنزل الله سكينته بين أصحاب النزاع وتم حله، بفضل الله ثم بحضور كمال عبد الحميد، لم يكن صاحب خطب رنانه، ولا يسعي للظهور، ولكنه كان صاحب أفعال لا أقوال، كان صاحب رحلات مكوكية ينتقل من مكان لآخر وقرية لأخري ومحافظة لأخري، كان لا يهدأ له بال حتى ينزع فتيل النزاع بين الخصوم، كان أفضل ما ميز به الله كمال عبدالحميد عن غيره من أبناء جيله هو “الاخلاص” كان مخلصا فى كل شيء.