شيماء رستم
جنود المواطنين يتخلون عن قضايا الجمهور من أجل الأناقة
عبرت مهنة التمثيل أو التشخيص و التقمص بأصعب مراحل حتى ترسخ جذورها وأهدافها و أهمية تأثيرها على المجتمع، والحياة بشكل عام، و كان فيما مضي حينما يمتهن أحدا هذه المهنة و بالأخص فى العالم العربى يتم التعامل معه على انه شخص بلا هدف، شخص لا يليق ان يكون من عائلة مرموقة، و كان يطلق عليه المشخصاتى، لكن بعد أن أثبت الفن أهمية دوره فى المجتمع و تم الاعتراف بالموهبة الفنية ودعمها و أصبح المسرح و السينما من أهم العوامل التوجيهية للمواطن والشعب، وبعد كل هذه المعاناة يفقد الفن أهميته و رونقه و ضياع كفاح كل شخص عافر من أجل وصول فن التمثيل الى مكانة مرموقة، و أصبح الاهتمام بالازياء و المظهر الخارجى أهم من القيمة الفنية لعمل الفنى و نقل الثقافات، وأصبح أهم النجوم ليس من لديه الخبرة الأكبر و ليس من لديه قدرة فنية وموهبة أكبر، بل من لديه متابعين كثر، و آسفاه على ما وصل اليه الفن اليوم.
نجوم اليوم يهدرون كفاح نجوم الأمس
تاريخ الفن :
فن التمثيل هو مرآة المجتمع، وعلى الرغم من الهدف الرئيسي لفن التمثيل هو الترفيه بالمقام الأول، إلا أن التمثيل له أهداف أخرى منها إعادة تمثيل التاريخ وتبسيطه للمشاهدين، ومنها رسائل مجتمعية و ثقافية و سياسية، فصلا عن تخليد للتاريخ القديم و المعاصر.
ويعد التمثيل تطوير لفن الرسم و خاصة القصص، حيثما تم تنفيذ الرسوم و رسمها بدلا من على الورق الى مسرح الحياة و لسهولة نقل هدفها الى المواطن و المراد توعيته، فمثلا فيما مضى كان المواطن المصرى القديم يقوم بالتعبير عن اعتراضه على الحكم برسومات فنية كاريكترية مثلا صراع القط و الفار، و يقصد به صراع المواطن مع الدولة ، و ايضا حينما يقوم برسم بردية لـ حمار يفوز على الأسد و يعبر عنه المصرى القديم بهدف سياسي، وحينما يقوم حمار بلعب الشطرنج وهكذا، الا ان جاء جوزيف باربيرا و صديقه ويليام هنا ليقتبسوا هذه الرسوم الفرعونية و يتم تحويلها الى برنامج كرتونى متحرك و يتم تحريك الجماد وهو نفس فكرة الفن بعيدا عن أن تحويل الرسوم الفرعونية للقط و الفار كانوا اهدافهم سياسية بينما قاموا مبدعينها بتحويلها الى هدف كوميدى و ترفيهى بجانب بناء قصة كاملة، إلا أن بالفعل بدأ فن التمثيل بالعصر الاغريقى عن طريق تقديم اسكتشات وتم تطويرها الى المسرح، بالبداية الاسكتش كان تعبيرا عن رأى المواطنين و توصيل رسائل للحكام عن طريق اسكتش فنى او مسرحية صغيرة اى معارضة بطريقة غير مباشرة، ومع التطور المجتمعى وكثرة مشاكل المجتمع ازدادت المشكلات الاجتماعية ايضا فضلا عن السياسية فقط، ولذلك أصبح لفن التمثيل و المسرح أهمية كبرى بالتوعية وتوجيه حلول للمشكلات المجتمع و تسليط الضوء على بعضا منها حتى تلقى الاهتمام.
وكان المؤلف فى العصر الاغريقي هو الممثل و الكاتب و المخرج، وكان المسرح هو النوع السائد وكان المؤلف هو الممثل الوحيد وكان يقوم بتغيير ملابسه وأقنعته لكي يقوم بأداء كل الأدوار حتى الدور النسائي لذا كان المؤدي يستعين بعدة اكسسوارات وشعور مستعارة لتساعده على أداء كل الأدوار.
ثم تطور الامر فى العصر الرومانى و زاد عدد الممثلين و أصبح مهمة المؤلف هى فقط الابداع فى كتابة النص اى السيناريو و القصة.
كما كان الامر فى العصر الفرعونى رسم اللوحات بهدف دينى و سياسيى، الا ان التمثيل فى العصور الوسطى فى اوربا استخدم للوعى الدينى و فكرة الثواب و العقاب ، و دعم مبادئ الكنيسة و المبادئ الاخلاقية، فضلا عن تجسيد القصص الدينية الحقيقة على شكل مسرحية حتى تترسخ فى عقول أبناء الكنيسة، و تطور الامر لنشأة فرق مسرحية تقوم بأعمال متنوعة فى الشوارع و هى ما تسمى باسكتشات فنية ، فنشأت الفرق المتنقلة وفرق المسارح المختلفة والتي كانت تتنافس فيما بينها على عرض مايجذب الجمهور، و قدمت الكوميديا والكوميديا السوداء التى تحمل معنى هم يضحك وهم يبكى وتمثيل مشاهد العنف والحرب والقتل على المسارح، حسب ذوق الجمهور. من أبرز رواد تلك الفترة شكسبير وبن جونسون، وما لا يعرف عن شاكسبير التمثيل فى عصره كان مقصورا على الرجال، حيث لم يكن مسموحا للنساء باعتلاء المسارح وبالتالي كان الغلمان يقومون الشخصيات النسائية بارتداء الأزياء النسائية وتغيير الصوت حتي يكون مقنعا.
لم يكن التمثيل يحظى بكثير من التقدير في تلك الفترة، فلا زال الممثلون يقارنون بالمهرجين وغيرهم من لاعبي السيرك.
تاريخ التمثيل عند العرب بالعصور القديمة و الحديثة:
أخذ التمثيل مجرى آخر ما بين الحلال و الحرام ، حيث ان ذاك الفترة كانت لم تبعد عن عصر الفتح الاسلامى بالالاف السنين بل كان يبعد ما يقرب من 300 عام من فتح الاندلس، ففتح الاندلس كان عام 700 م و لكن العصور الوسطى فى اوربا كانت 1000 ميلادي، و لكن كان هناك فن عند الاغريق و الرومان و اليونان ايضا، وكان التمثيل له عدة أسماء عند العرب أبرزها الحكاية،ورأى فقهاء أنه حلال بشروط ورأى فقهاء آخرون أنه محرم، وأُلّفت كتب في تاريخ التمثيل وفي حكمه، منها:
طيف الخيال، لابن دانيال الموصلي 760هـ مطبوع في آخر كتاب إبراهيم حمادة ،
خيال الظل، واللعب والتماثيل المصورة عند العرب، تأليف، أحمد تيمور باشا،
خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال: تأليف،إبراهيم حمادة، طبع وزارة الثقافة بمصر عام 1961م، الوفاقات في العادات، تأليف،محمد توفيق البكري، رسالة طبعت بحاشية كتابه (صهاريج اللؤلؤ)، طبع بمصر بلا تاريخ، وشرحه أحمد بن الأمين الشنقيطي، إقامة الدليل على حرمة التمثيل، تأليف/أحمد بن الصديق الغماري ،عام 1356هـ، إزالة الالتباس عما أخطأ فيه كثير من الناس، تأليف،عبد الله بن الصديق الغماري، طبع في آخر رسالة أخيه المتقدمة، فن التمثيل عند العرب، تأليف،محمد حسين الأعرجي.
تاريخ السينما:
انطلقت البداية الأولى للسينما على أساس اختراع التصوير الضوئي؛ وإن كان ابن الهيثم هو المؤسس الأول لمبادئ علم البصريات فان الايطالى ليوناردو دافنشي هو واضع مبادئ علم البصريات الحديث، وابتكاره لطريقة عمل الرسوم أو الصور، ثم إمكانية عرضها بعد ذلك. كانت هذه الطريقة هي الأساس الذي قامت عليه صناعة التصوير الفوتوغرافي وفن التصوير السينمائي.
ومن ثم، كان يستلزم الصورة الضوئية الأولى التي صنعها “نيسفور نيبسى” حوالي سنة (1823م) ثبات المصوَّرْ مدة أربع عشرة ساعة، وانخفضت هذه المدة حتى حوالي نصف ساعة في عام (1839م) على يد «مانده داكير»، ثم وصلت إلى عشرين دقيقة سنة (1840م)، وفي سنة (1851م) ظهرت تقنية “الكليشة” (النسخة) التي تمكن في سحب كمية من الصور الإيجابية على الورق، ووصل زمن اللقطة (الثبات) إلى بضع ثواني لتظهر مهنة المصور الضوئي، وهكذا يثبت أن فكرة الفن هو تحريك الرسوم الثابتة، و الاستعانة بأشخاص يشخصون الشخصيات، و بدأت السينما فى العالم العربى فى مصر و سوريا عام 1908.
مقومات الممثل:
و كان يجب ان يمتلك الممثل عدة مقومات أن يتمتع بالجاذبية الطبيعية لاسيما التأثير الفطري والحضور والقابلية التي هي الكاريزما حتى يصدقه الناس، كما يجب أن يستطيع تقمص الشخصيات على اختلافها التمتع بالمرونة الجسدية (البلاستيكا) والانسيابية والحيوية كما وصفها ستانسلافسكي القدرة على تخيل المكان والتماهي مع مفهوم منظور الشخصية ومنظور الدور ويجب على الممثل ان يتاقلم مع الدور وتشخيص الأداء المناسب لكي يتلقاه المشاهد بصور عفوية وواضحة ريثما تتشرب نفسه الإقناع من إبداع الممثل في تجسيد ومحاكاة شخصية النص المكتوب في الأدب لتظهر في قوة وحضور الممثل والأداء تلك هو التشخيص نقل الأدب إلى الفن كما تنتقل صور الطاقة في ظواهر الطبيعة أو الفيزياء من ضوء الشمس إلى كهرباء عبر تقنية الخلايا الشمسية فيتولد الإبداع من تحويل الآداب عبر تقنية تشخيص النص بالتمثيل إلى فنون.
و على الرغم من كل هذه الجهد و التطور الى أن كما ذكرنا كان يقال عن الممثل مشخصاتى و يتم الاستهانة به و بعض العائلات تتبرأ من أولادها ان رغبوا بامتهان مهنة التمثيل، الا ان رويدا رويدا بدأ الاعتراف بالمهنة و دورها فى المجتمع و من ثم تكليل جهد الممثل الى المشاركة و التكريم بالمهرجان السينمائى.
أول مهرجان بالعالم:
مهرجان البندقية السينمائي عام 1932م ، فى ايطاليا كما كانت بداية السينما من هناك الا ان بداية تكليل جهد الممثل ايضا كانت من ايطاليا،و جائزة المهرجان الرئيسية هي الأسد الذهبي “Leone d’Oro“، والتي تمنح لأفضل فيلم يعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان. إضافة لجائزة كأس فولبي “Coppa Volpi” التي تمنح لأفضل ممثل وممثلة.
ومن ثم كان اول مهرجان عربى « مهرجان القاهرة السينمائي الدولي » :
بدأ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فعالياته بعد حرب أكتوبر بثلاث سنوات، وبالتحديد في 16 أغسطس 1976 على أيدي الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، الذي نجح في إدارة هذا المهرجان لمدة سبع سنوات حتى عام 1983، ثم شكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد نقابات الفنانين للإشراف على المهرجان عام 1985، الذي تولى مسؤوليته الأديب والعملاق سعد الدين وهبة، حيث احتل مهرجان القاهرة خلال هذه الفترة مكانة عالمية.
شارك فى المهرجان على مدار دوراته العديد من النجوم حول العالم من هوليوود و بوليوود فضلا عن مشاركين من عدة دول اخرى، الا ان بالاعوام الاخيرة، فقد المهرجان رونقه بالمشاركات العالمية كما كان بالسابق و يقتصر على عدة نجوم قليلة من دول اخرى، و يكون منهم نجم او اثنين عالمين او لديهم قاعدة جماهيرية العريضة ، فضلا عن مهرجان الاسكندرية الدولى الذى قام اطلاقه عام 1979 الناقد كمال الملاخ، و قد زاد من أهمية مهرجان القاهرة السينمائي الدولى، و أصبحت مصر تشارك بأكبر المهرجانات السينمائية، كما أن نجم بوليوود الشهير اميتاب باتشان كان دائم حضور المهرجان خاصة بفترة التسعينات و بداية الاالفينات، و العديد من نجوم هوليوود، وكانت تعد مصر أكبر ملتقى فنى عالمى، و لا يمكن أنكار تفوق مهرجان كان و بجانب جوائز الاوسكار الذى يتطلع اليها نجوم العالم، الا ان كان من الممكن ان يتمنى الجميع الحصول على جوائز مهرجان القاهرة السينمائى ايضا و الاسكندرية ان تخلى عن الاهتمام بالازياء اكثر من الاعمال الفنية و زيادة عدد المشاركات الدولية للنجوم حول العالم، و تستطيع مصر بالفعل ان تفعل ذلك.
مهرجان الجونة:
الا ان جاء مهرجان الجونة بضجة كبيرة و ترويج ضخم، واطلاق المهرجان بمدينة الجونة التى تعد من أروع مدن مصر ، و بالفعل ان هناك جزء من اهداف المهرجانات هى تنشيط السياحة، الا ان يفتقد المهرجان كل الاهداف الفنية فقط هو سباق بين الازياء و التعرى ، من المؤكد ان فساتين النجمات بالستينات كانت مكشوفة و كان هناك رموز لانوثة و الدلال منهم السندريلا و هند رستم، لكن فى هذه الاونة لم يكن المصريين و العرب بمثل هذه الاوضاع ما بين الصراع للحصول على لقمة العيش و محاربة الاحباط، و زيادة عدد سكان القاهرة عن السابق و سكان مصر بشكل عام و العالم، ومع ارتفاع الزيادة السكانية و زيادة الضغوط الاقتصادية، اصبح المواطن يفتقر للحصول على لقمة عيشه، فكيف يشعر حينما يجد الجنود المسئولة للدفاع عن مشاكله من خلال اعمالهم الفنية يبعون قضيته و يتنافسون على الازياء اهم من قضايا المواطن، بالطبع هناك نجوم هوليوود و بولييوود يظهرون باطلالات اكثر جراءة من نجوم العرب، لكن عاداتهم ليست عاداتنا فالفن مراة للمواطن المصرى و هل المواطنات المصريات او الغالبية العظمى يستطيعن ارتداء مثل هذه الاطلالات؟! ، هل الشارع المصري ثقافته السائدة هذه الازياء؟!، لا نريد ان لا يهتم النجوم بمظهرهم بل نريد ان يقومون بمهمتهم الفعلية أكثر من الاهتمام بالمظهر الخارجى، و الا ما هى اهمية مهنتهم ان تخلوا عن هدفها السياسى؟!، ان كنا نريد اتباع عادات الغرب فعلينا تعلم المبادئ الاخلاقية التى نقلت لهم من عاداتنا فى الاساس على الاقل يمكننا استرجاع ما فقدناه.
هدف المهرجانات:
هو نقل الثقافات و الحضارات عن طريق عرض الافلام و التعامل مع اشخاص من دول متعددة ،بجانب نقل و اكتشاف لغات و لهجات عديدة تتسبب فى التبادل الثقافى الدولى بين دول متعددة ، و لم يكن هدف المهرجانات هو التنافس على أكثر فستان انيق او من يستطيع التعرى أكثر او من يستطيع لفت الانتباه أكثر من الاخر.
وبعد كل هذا العناء من أجل اثبات الذات و الاعتراف بالمهنة و ظهور اكاديميات متخصصة تعلم أساسيات فن التمثل وتصقل الموهوبين وراغبي الانخراط في العمل الفني بشكل احترافي علمي أو أكاديمي منظم معترف به بشهادات رسمية معتمدة تليق بالمهنة الخطيرة وشديدة التأثير في المجتمع ، فضلا عن نقابات تحافظ على حقوق الممثلين في المجتمع وتدعم من يحال إلى التقاعد بسبب تقدم السن أو عدم القدرة على العطاء، كما تبت في الإشكاليات والنزاعات التي تتم بين أفراد صناعة المحتوى الفني مثل السينما أو المسرح حاليا دون باقي منصات التواصل الجماعي والإعلام المرئي والمسموع وذلك بين الأطراف الأخرى منهم أو من غيرهم؛ حتى لا تضيع حقوقهم، و اهتمام الاعلام و الصحافة بتسليط الاضواء على المهنة لوصول الاعمال الفنية الى اكبر قاعدة جماهيرية يتم التخلى عن كل هذا من أجل استعراض الازياء؟!