“ده من بره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهم
يعانى مجتمعنا في الأونة الأخيرة من عقدة الخواجة. تلك العقدة التى تظهر ضعف الثقة بالنفس والاتكال على الغير. فنحن نختار المستورد ونفضله على المحلى وندفع فيه أكثر لمجرد أنه «شغل بره» سواء كان «بره» هو ألمانيا أو زيمبابوى!
نسلم أولادنا إلى المدارس الأجنبية لتعليمهم وسحب الثقة من المدرسة المصرية والمعلم المصرى. نضع ثقتنا فى العملات الأجنبية ــ الدولار واليورو ــ أكثر من ثقتنا فى الجنيه المصرى. نصدق الإعلام الأجنبى وإن غص بالأكاذيب والعنصرية، ولا نستمع إلى إعلامنا، ووصل بنا الأمر إلى أن بعض نسائنا يسافرن إلى بلاد بعيدة ليضعن ما فى أرحامهن ليكون المولود مستوردا «جاى من بلاد بره»!“ده من بره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهم
“ده من بره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهم
إن أمثلة الاقتباس من الغرب في حياتنا الثقافية كثيرة وقديمة، ترجع إلى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر على الأقل، وقد مارسه بعض كبار كتابنا الكبار وبعض فنانينا العظام، ولم يكن هذا الاقتباس دائماً مضراً، حتى لو كان الدافع النفسي شعوراً بالنقص.“ده من بره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهم
فطه حسين وتوفيق الحكيم مثلاً، فعلا ذلك منذ نحو مائة عام مع بعض النتائج الباهرة، وإن كانا قد ذهبا أحياناً في ذلك إلى أبعد من اللازم، كما أدرك الآن ولم أكن أدركه عندما قرأتهما في مطلع الشباب.“ده من بره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهم
إن كتاب «زهرة العمر» مثلاً لتوفيق الحكيم، أثار حماسي بشدة عندما قرأته في مطلع الخمسينات، ولم أكن قد تجاوزت الخامسة عشرة من عمري، ولكني وجدته عندما قرأته مرة أخرى بعد أن تجاوزت الستين، مثيراً للدهشة لما فيه من سذاجة سببها الافتنان الزائد عن الحد بأي شيء غربي. كذلك شعرت بالأسف لنفس السبب، عندما قرأت كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» بعد أن تجاوزت الخمسين.“ده من ب”ده من بره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهمره”.. عقدة الخواجة تسيطر على الشباب حتى احلامهم
وعلى الرغم من قدراتنا على الاستمتاع بكل ما أنتجه محمد عبدالوهاب من موسيقى، فإني أعتقد أنه أخطأ نفس الخطأ، وبدرجة كبيرة، في أعماله التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية.
وقد اكتشفت نفس الخطأ لدى زكي نجيب محمود الذي لم يكن له، بالإضافة إلى ذلك، ما كان لطه حسين أو توفيق الحكيم أو محمد عبدالوهاب من مواهب.
ولكن أحداً من هؤلاء لم يكن محتالاً، بل كانوا يفعلون ذلك مدفوعين باقتناع حقيقي بفائدته لنهضة المجتمع. وإنما أثار سخطي من اعتقدت أنه يقتبس ويتشبه بالغرب لتحقيق مصالح خاصة له، حتى ولو كان صاحب موهبة حقيقية.
شعرت بهذا مثلاً لدى مشاهدتي لأفلام يوسف شاهين ابتداء من فيلم «وداعاً بونابرت»، ذلك أنه بحدوث الانفتاح في مصر في منتصف السبعينات، لم يكن هناك بد من أن يساير بعض المخرجين المصريين ما يحدث في السينما الأوروبية والأميركية.
وكان من أبرز هؤلاء يوسف شاهين. كان يوسف شاهين قد أنتج في الستينات أفلاماً جيدة، استقبلها الجمهور المصري استقبالاً حسناً واعتبرت من أفضل الأفلام المصرية (مثل الأرض وباب الحديد)، وكانت أفلاماً ذات قصة واضحة ومفهومة، وتعالج مشكلات حقيقية تهم المصريين، فإذا به ينتج في السبعينات أفلاماً، وإن كانت متميزة من حيث التكنولوجيا المستخدمة.
ومن ثم مُبهرة للعين، كانت أيضاً مُبهمة المعنى، غير متسقة الأجزاء، ودون قصة واضحة المعالم، وبها جرعات من الجنس مختلفة الأنواع، يساير بعضها تصاعد الاعتراف بالعلاقات المثلية في الغرب.
بالإضافة إلى لمحات نرجسية تعكس إعجاباً مفرطاً بالنفس من جانب المخرج. لاحظت هذا لأول مرة في فيلم «وداعاً بونابرت» في أواخر السبعينات، ثم زاد نفوري مما أرى عندما رأيت فيلمي «المهاجر» و«المصير» في التسعينات، وتوقفت بعد هذا عن رؤية أي فيلم لهذا المخرج.
ولكن يوسف شاهين لم يكن بالطبع هو الوحيد في هذا النوع من السلوك. فهناك من كتابنا المشهورين من اكتشف انبهار كثير من القراء ببعض التعبيرات الضخمة، التي يشعرون بأنها تدل على اتصال الكاتب بالحضارة الغربية بدرجة أكبر من اتصالهم بها، وبأنها تدل على أشياء عميقة ومهمة، وإن كانت مٌبهمة ولا يعرفون معناها بالضبط، فملأوا مقالاتهم أو كتبهم بها، دون أن يقولوا في الحقيقة أي شيء على الإطلاق.
ومن كتاب القصة والرواية من استخدم صيغاً بالغة التعقيد، دون أن تكون لديهم في الحقيقة أي قصة أو حكاية تستحق أن تروى، بل وقد لا تكون هناك قصة أو حكاية على الإطلاق، اعتماداً على أن هذا التعقيد سينجح في إيهام القارئ بأن هذه الطريقة في الكتابة، قد تكون أثراً من آثار الاطلاع على آخر مذهب أدبي تنتجه الحضارة الغربية، ولم تتح للقارئ المسكين فرصة للاطلاع عليه.
هناك أيضاً من كتاب القصة والرواية والشعر عندنا، من طمح إلى تحقيق النجاح والرواج عن طريق اقتباس موقف الغرب الحديث في معاداة الدين أو التنكر له.
واعتمدوا على أن ما يكتبونه في نفس الاتجاه سوف يجد دائماً المدافعين عنه من النقاد، ممن اقتبسوا من الغرب تفسيراً للحرية يسمح بالتطاول على الدين، وتقديس الفن بدلاً من تقديس الدين، إلى حد اعتبار التطاول على الفن معصية، على نفس مستوى التطاول على الدين في العصور الوسطى. وهم في كل هذا يستمدون الدعم مما تبثه عقدة الخواجة في النفوس، من اعتبار ما يأتي من الغرب الكلمة الأخيرة والحاسمة في أي موضوع.
ولاتزال عقدة الخواجة تحكم معظم مصممي الاعلانات المصرية يصرون علي تزييف وعي المصريين, ويفضلون في إعلاناتهم عن المنتج المصري, ان يظهروا علي شاشاتهم اطفالا اجانب بيض البشرة زرق العيون, ونساء غربيات شقراوات الشعر ينافسن نجوم هوليود.
بدلا من وجه الاطفال المصريين بلونهم القمحي وعيونهم الذكية السوداء, بدلا من النساء المصريات ضاحكات الثغر خفاف الظل والروح, لاعتقادهم أن ذلك يساعد علي ترويج المنتجات التي يعلنون عنها, رغم أن الصور تنطق للوهلة الاولي بان أصحابها لا يمتون بصلة إلي المصريين!.
وفي القرن الماضي كانت السينما المصرية تقع دائما في هذا الخطأ, و تحرص علي ان يلتزم الفتي الأول في افلامها معاييرنجم هوليوود ليكون نسخة مكررة من كلارك جبيل وكاري جرانت وبيتر اوتول, إلي ان نجح بعض المخرجين الاذكياء في تقديم شخصيات من امثال يحيي الفخراني وأحمد زكي وآخرين, لا يتمتعون بمقايس الوسامة التقليدية, بقدر ما يتمتعون بعناصر جمالية أكثرعمقا, تركز علي شخصية النجم وصدق احساسه وتعبيره.
ومع الاسف وقع مصممو الاعلانات المصرية في خطأ شنيع, عندما انتجوا اعلان يحض المصريين علي الذهاب إلي الاستفتاء, وبدلا من أن يعتمدوا علي صور لشخصيات مصرية, وضعوا في صدارة الاعلان خمس شخصيات تمثل الفلاحين والجنود والمثقفين والمرأة والشباب, ثلاثة من هؤلاء اتضح أنهم اجانب تستخدمهم وكالات الاعلانات الدولية, وكانت نتيجة هذا الخطأ الشنيع ان تلقف الاعلان عدد من مواقع التواصل الاجتماعي ليصبح موضع انتقادات مرة وسخرية لاذعة لان الاعلان الذي يدعو المصريين للاستفتاء علي الدستور, لا يضم سوي وجهين مصريين احدهما يمثل الفلاح والاخر يمثل الجندي, اما الباقون فكلهم خواجات بيض البشرة زرق العيون, الامرالذي أضر بهدف الترويج للاستفتاء وقتل مصداقية الاعلان.., وأظن ان العجلة والاستسهال وعدم الاتقان وقلة الثقافة والجهل بمعايير الجمال المصري, تشكل اسبابا واضحة لهذه الاخطاء التي أعمت عيون الكثيرين عن ابداعات الشخصية المصرية وجمالها.