ما قبل المقدمة:
يسعى هذا الطرح الاجتهادي إلى تقديم قراءة معاصرة لنصر حرب أكتوبر المجيدة عام 1973م، تتجاوز الطابع الاحتفالي- على أهميته وجدارة استحقاق هذا الحدث الجلل والجليل له- إلى إنعام النظر ملياً في مدلولات هذا النصر بمفهومه الواسع متعدد الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والنفسية والإدراكية، وعلى كافة المستويات الوطنية المصرية، والعربية، والإقليمية، والدولية.
كما أنه ليس من بين أهداف هذا الطرح- وما ينبغي أن يكون وفق المنهج العلمي والرؤية الواقعية- محاولة اجترار الماضي لمجرد الفخر والزهو الوطني الأني، أو إدعاء امتلاك مصر، الدولة والمجتمع، للحكمة بأثر رجعي.
وأخيراً، يضع هذا الطرح نصب عينيه، المستقبل المنظور والبعيد، باعتباره المستهدف الرئيسي الواجب التخطيط السليم له، وفق استيعاب شامل وفهم عميق لحركتنا في الماضي، ومواكبة دائمة ويقظة مستمرة لمجريات تفاعلاتنا في الحاضر، تأسيساً لمرتكزات راسخة ورؤى جلية تنهض عليها وتسير وفق لها استراتيجيات انطلاقاتنا المأمولة.
*******
مقدمة:
في مثل هذه الأيام قبل 49 عاماً، كان ثمة ساعات تفصل الشرق الأوسط عن الحدث الأهم في تاريخ المنطقة خلال القرن العشرين، والذي ماهية تفاعلات الحرب والسلم بها على نحو غير مسبوق أو متوقع، ألا وهو حرب أكتوبر المجيدة.
تلك الحرب التي وصفها القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون بأنها أكبر وأقوى “زلزال استراتيجي” ضرب المنطقة حتى حينه؛ وذلك بالنظر إلى جسامة التحولات التي أحدثتها، بحيث أصبحت نقطة تاريخية فاصلة لما بعدها عما كان سائداً قبلها، بدءا من التفكير الاستراتيجي والتخطيط العسكري والعملياتي، مروراً بإدارة الأزمات وصنع القرار، وليس انتهاء بالقدرات المبدعة في تخطي الصعوبات وتحويل الهزائم إلى انتصارات في غضون سنوات وليس عقود خلافاً للمألوف عسكرياً وسياسياً ومجتمعياً.
وانطلاقاً من أنها “نقطة تحول” كبرى، يجتهد كاتب هذه السطور في تسليط الضوء على أركان “تحول القوة” الاستراتيجية التي أحدثها نصر حرب أكتوبر المجيدة، سواء على الصعيد الوطني المصري، أو على صعيد الصراع العربي-الإسرائيلي، أو حتى على مستوى إقليم الشرق الأوسط، أو على الصعيد العالمي من منظور التشابك ومستويات التأثير والتأثر بين النظام الدولي والنظم الإقليمية المكونة له والمتفرعة عنه.
لماذا “تحول القوة”؟
من المعلوم أن “تحول القوة” هو أحد المصطلحات شائعة الصيت في أدبيات العلوم السياسية لاسيما في مجال العلاقات الدولية. كما أن هناك إسهامات نظرية كبرى في هذا الإطار. لكننا لن نستخدم هذا المصطلح بهذا المعنى النظري البحث، بل سنعمد إلى استعماله باعتباره يشير إلى التحول الذي نجحت “مصر 73″، قيادة وشعباً، دولة ومجتمعاً، في تحقيقه في مجالات عدة وعلى مستويات شتى، في إطار الإعداد لليوم الموعود، السادس من اكتوبر 1973م، وذلك في المجالين الداخلي والخارجي.
فقد صنعت “مصر 73″، الفارق غير المتوقع، وغيرت الكثير من المفاهيم المغلوطة، والتصورات الخاطئة، والاسترايتجيات الساكنة، إقليمياً ودولياً.. وأرست قيماً وسلوكيات وسياسات فريدة، هي جديرة بأن يتم التأصيل لها، والإضاءة عليها؛ من أجل الاقتداء بجوهرها، والاستئناس بمضامينها للأجيال الحاضرة والقادمة.
تأسيساً على ما تقدم، لا يسعنا ونحن نستقبل شهر النصر العظيم، ونحتفل بمرور 49 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة، سوى أن نسطر هذه الإضاءات الاجتهادية، ونحن فخورون بما حققته مصرنا الحبيبة في هذه المعركة العظيمة.. متفائلون بما تحققه من إنجازات.. واثقون فيما هو آت.. حيث تجتمع “عبقرية المكان” مع “إبداع الإنسان”.