يعد التمويل الأخضر من الموضوعات الحديثة والمهمة التي يجب التركيز عليها، إذ يحظى باهتمام المجتمع الدولي ومنظمات حماية البيئة، فهو نموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية سريعة النمو التي تعتمد بشكل مباشر على الاستثمارات الخضراء التي تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة بين الموارد الطبيعية للبيئة، وبين استغلال هذه الموارد بما يخدم المجتمع ويحقق الرفاه الاقتصادي، والحد من الآثار العكسية للنشاطات الإنسانية على التغير المناخي، والاحتباس الحرارى واستنزاف الموارد، وفي الوقت الراهن، ما يزال الاستثمار في الممارسات المستدامة يتضاءل أمام تدفق رأس المال إلى الوقود الأحفوري وغيره من القطاعات والممارسات غير المستدامة، حيث تقدر المؤسسات العالمية المعنية بتغير المناخ أن حوالي 2.4 تريليون دولار أو ما يقرب من 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي يجب استثمارها سنويًا في مجال الطاقة النظيفة بين عامي 2016 و2035، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو أمر من غير المرجح أن يتم الوفاء به عند مستويات الاستثمار الحالية، وهو ما فتح المجال أما التمويل الأخضر كأحد أهم سبل التمويل المستدام.
دراسة أعدها مركز فاروس المتخصص في الشئون الإفريقية، إنه تتعدد تعريفات التمويل الأخضر ومنها تعريف “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” التمويل الأخضر بأنه: تمويل يستهدف تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل النفايات إلى الحد الأدنى، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية[ii]. كما يقصد بالتمويل الأخضر “استخدام المنتجات والخدمات المالية مثل القروض والتأمين والأسهم والسندات وغيرها من أجل تمويل المشروعات الخضراء أو الصديقة للبيئة، وتشمل تلك الاستثمارات كل من: الطاقة المتجددة، معالجة النفايات وإعادة تدويرها، تدوير مياه الصرف الصحي، حماية التنوع البيولوجي، التخفيف من التلوث الصناعي… إلخ[iii]“. ويعرف أيضًا التمويل الأخضر على أنه “الأموال التي تحقق التـوازن الاستراتيجي المتوسـط والطويل الأجل للأهداف البيئية والخدمية في القطاعات البيئية، بالشكل الذي يضمن تلبيه حاجات الأفراد من السلع والخدمات وبين المحافظة على البيئة ودوام مواردها
وأضافت الدراسة يعتبر التمويل الأخضر نوع مهم من التمويل المستدام طويل الأجل الذي دمج المعايير البيئية والاجتماعية في قرارات الأعمال والاستثمار، لذلك فإن الحاجة إلى التمويل المستدام أمر بالغ الأهمية بالنسبة للدول الأفريقية التي تكافح من أجل الحد من تغييرات المناخ.
وتابعت الدراسة يجسد التمويل الأخضر جزء من الهدف السابع والثامن من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المعنى بكل من (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد) وهو جوهر الاستدامة لأنه يسعى إلى تعزيز النمو المستدام والشامل، والعمالة الكاملة والمنتجة، والعمل اللائق للجميع. ويشدد على وجه الخصوص على تعزيز قدرة المؤسسات المالية المحلية على التشجيع والتوسع، والوصول إلى الخدمات المصرفية والتأمين والخدمات المالية للجميع دون الاضرار بالبيئة، وهي تلك الأهداف الانمائية التي تسعى أفريقيا نحو تحقيقها تماشيًا مع المتطلبات التنموية العالمية، كما يتماشى مع أحد أهداف أجندة التنمية المستدامة لأفريقيا 2063 الذي ينص على أن تكون: أفريقيا مزدهرة من خلال النمو الشامل والتنمية المستدامة والقضاء على الفقر، وتحقيق رخاء مشترك من خلال التحول الاقتصادي والاجتماعي للقارة، ويشمل هذا الهدف سبل الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وحماية البيئة
وأوضحت الدراسة أنه يجب على الدول الأفريقية التعامل مع تغير المناخ باعتباره قضية إنمائية، ومعالجتها بشكل منهجي في استراتيجياتها وسياساتها الإنمائية من أجل تعزيز التنمية منخفضة الكربون، وكفاءة استخدام الموارد واستمراريتها.
ولفتت الدراسة أنه على شركاء التنمية والمجتمع الدولي تعزيز بناء قدرات المؤسسات الإقليمية الأفريقية لتحسين الوصول إلى التمويل المتعلق بالمناخ. ورفع مستوى التفاعل بين التمويل متعدد الأطراف والوطني المتعلق بالمناخ في سياق اتفاقية باريس للتغلب على نقص التمويل. ومن ثم هناك حاجة للدول الأفريقية للتغلب على الحواجز التي تعترض التمويل من خلال تحقيق تكامل أقوى بين مصادر التمويل الدولية والوطنية، وتعزيز التعاون الإقليمي العابر للحدود بين الدول الأفريقية بشأن القضايا المتعلقة بتغير المناخ في نهج أكثر تناسقًا وتكاملًا، ويجب على الحكومات الأفريقية أيضًا أن تنظر في نُهج تمويل المناخ المبتكرة التي يمكنها زيادة رأس المال، وخفض تكاليف التخفيف من خلال تسخير قدرة القطاع الخاص على التنافس على تقديم الاستثمارات المناخية.