كتبت:شيذان عامر
انتهجت الولايات المتحدة لسنوات عديدة سياسات ممنهجة لمواجهة التحديات التى تفرضها كوريا الشمالية، بما فى ذلك تعزيز التعاون العسكرى مع حلفائها فى المنطقة والانخراط فى مبادرات دبلوماسية رئيسية بما في ذلك الالتزام بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والمحادثات السداسية لجعل كوريا الشمالية تتخلى عن برنامجها النووى مقابل المساعدة.
إلا أن أيا منها لم يكن مثمرا فترامب حاول التحرر من المقاربات الدبلوماسية للإدارات السابقة واتباع أسلوبه الخاص مع الرئيس الكوري الشمالي، لغرس الثقة المتبادلة فى الحوار إلا أنه لم يستطع إحداث هذه المعادلة التى تسمح لكوريا الشمالية بالقيام بعملية تدريجية لنزع السلاح النووى وإنما فرضت عليها نزع السلاح النووى بشكل كامل كخطوة أولى، ثم إجراء محادثات حول السلام والمصالحة وتخفيف العقوبات والاستقرار، لكن هذه «الدبلوماسية الشخصية» لم تكن مقنعة لكوريا الشمالية.
فانعقاد القمة الأولى بين ترامب وكيم في سنغافورة في يونيو 2018 وفي فبراير 2019، والقمة الثانية بين الزعيمين بالعاصمة الفيتنامية هانوي، لم تؤدي إلى أي اختراق، وانهارت خلال الساعات الأولى، وقيل وقتها إن كيم جونغ طلب أن تبادر واشنطن إلى رفع العقوبات القاسية على بيونغيانغ قبل تقديم تنازلات نووية وصاروخية، لكن واشنطن أصرت على التخلص من “الترسانة” قبل تخفيف القيود.
وفي المرة الثالثة، إلتقى الزعيمان على نحو عابر في منطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، وبقيت الأمور في حالة جمود فيما ظل الرئيس الأميركي يصف كيم بصديقه، مرددا أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية بات أفضل وأكثر أمنا لأن “كوريا الشمالية كانت في حالة هياج أكبر” خلال إدارة سلفه باراك أوباما.
لكن فى الواقع، كانت الولايات المتحدة تتبع سياسات متناقضة، مما خلق سوء تفاهم بين أطراف المفاوضات. ففى عام 2017، وفى أعقاب التوترات المتصاعدة فى شبه الجزيرة الكورية، تناقضت تصريحات ترامب مع تصريحات كبار مسئوليه فى عدة مناسبات. كما تم إقامة التدريبات العسكرية السنوية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة دونج مينج فى أغسطس 2019 دون أى توضيح من جانب الرئيس ترامب لسبب القيام بهذه المناورات مجددا بعد لقائه بكيم.
ومع استمرار رفض الولايات المتحدة طلب كوريا الشمالية بشأن نزع السلاح النووى بشكل تدريجي ربما يكمن الحل فى إنهاء الهدنة التى استمرت 70 عاما واستبدالها بمعاهدة السلام فعلى الرغم من أن الهدنة الكورية قد أنهت الأعمال العدائية للحرب إلا أنه لا تزال الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من الناحية العملية فى حالة حرب.
وعلى الرغم من أن كوريا الشمالية شنت حربا كلامية حادة رافضة أى احتمال لعقد قمة رابعة بين ترامب وكيم، إلا أنها لم تقطع علاقاتها بالكامل مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
كان ذلك واضحا على الأقل فى المناسبتين الأخيرتين إحداها عندما أعربت شقيقة كيم جونج أون، كيم جو يونج، عن استعدادها لمشاركة آرائها فى البث التلفزيونى للاحتفال بيوم الاستقلال الأمريكى مما يدل على اهتمامها بالولايات المتحدة. والأخرى بعد أيام قليلة من تنحى وزير الوحدة الكوري الجنوبي كيم يون تشول بسبب تدهور العلاقات، علقت كوريا الشمالية برنامج العمل العسكرى ضد كوريا الجنوبية، مما يشير إلى رغبتها فى عدم المبالغة فى الأمور.
ومع هذا يبدو أن السيناريو الحالى مفاداه أن كوريا الشمالية لن تقبل بأى حوار على أساس مقترحات ( نزع السلاح النووى الكامل مقابل رفع العقوبات والتطبيع الكامل). ولابد من انتهاج أسلوب جديد ودبلوماسية شخصية لتحقيق السلام.
أزمة كوريا الشمالية وتولي جو بايدن:
ناهيك عن كل التوترات القائمة حتى الآن بين أمريكا وكوريا الشمالية لا أحد يختلف على كون ترامب قد أحدث تقاربا تاريخيا مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الأمر الذي ترك تساؤلا حول ماذا سيحدث بعد وصول الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض فبعد فوزه في الانتخابات مؤخرا قد يشكل منعطفا بارزا في العلاقة التي اكتسبت بعض الهدؤ.
فبحسب موقع “شوسن إلبو” الكوري الجنوبي، من المتوقع أن تصبح بيونغيانغ أكثر حذرا،خصوصا وأن بايدن لن يتراشق التهديدات والتلاسن مع كيم جونغ أون كما كان يفعل ترامب وستصبح كلمات “العجوز المصاب بالخرف”، “السمين” و”فتى الصواريخ “جزء من الماضي.
إذا ربما تحول الأمر قليلا نحو الرسائل غير المباشرة عبر وسائل الإعلام الكورية والتي أعربت إحداها “راندونغ سينمون” عن أن كوريا الشمالية “قوة عسكرية عالمية لها القدرة على أن تضع حدا للحرب “.
فعلى بايدن أن يسلك “سياسة التدرج” إزاء كوريا الشمالية وبرنامجها الصاروخي والنووي “.
ويرجح أيضا أن تتم هذه السياسة عبر لقاءات بمستوى تمثيلي أدنى، على عكس ترامب الذي فضل لقاءات مباشرة مع كيم ووصفه بالصديق.
إقرأ أيضا:
للخروج من الأزمة.. كوريا الشمالية تهدد مواطنيها بالعقاب إذا أهدروا الطعام