لبنان.. جنة الشرق وزهرة العرب، لم تعد يفوح عطرها كما كان يستنشقه عشاق البلد الذي تذوب فيه الخلافات السياسية والطائفية بين شعبه الراقي والمتمدن، إلا أن الأزمات لم تبرح البلاد في ثباته الجميل، فقد صار أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
إن موقع البلاد على مفترق الطرق بين المناطق النائية العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط سهّل تاريخها الغني وصاغ هوية ثقافية للتنوع العرقي والديني، ومن ذلك الوقت لم تستقر لبنان سياسياً، وباتت وسط اضطرابات وولاءت خارجية لأطرافها الداخلية، مما خيم جبال من الهموم على الشعب اللبناني، أزدادت عقب انفجار مرفأ بيروت 2019.
وتستضيف «أوان مصر» الدكتور عبد الله نعمة، أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي، للحديث عن الأوضاع اللبنانية، وأبرز القضايا على الساحة اللبنانية، متمثلة في انفجار مرفأ بيروت، والأزمة الخليجية عقب تصريحات وزير الإعلام السابق، جورج قرداحي، والانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
وإلى الحوار..
كيف ترى الأزمة اللبنانية الخليجية؟
لقد أساءت المملكة العربية السعودية كثيرًا للبنانيين مع أن تصريحات وزير الإعلام كانت قبل توليه الوزارة ولم يهاجم وزير الإعلام اللبناني السعودية، لكنه تحدث عن الموضوع بشكل استراتيجي، كما أن الوقت الذي تحدث فيه جوروج قرداحي، كانت السعودية خارجة عن حكومة ميقاتي.
ومع زيارة الرئيس الفرنسي للسعودية جعلت العلاقات تتطور بعد أن كان الطريق مسدود بين الدولتين، ولقد تم تشكيل الحكومة بسبب المساعدات الخارجية التي تأتي للبنان، لأن إذا لم تكن هناك حكومة لن نجد من يُساعد لبنان، وكانت مصر صائبة في تشكيل الحكومة ودورها الكبير، لكن هذا أمرًا لم يكن في صالح السعوديين لخروجهم عن الحكومة، وكانت النتيجة صائبة وقرارات الدولة المصرية جاءت في وقتها.
هل كان وقت خروج تسجيلات وزير الإعلام مخطط له؟
إن تسجيلات جوروج قرداحي، وزير الإعلام اللبناني، كانت قبل توليه الوزارة بشهر ونصف تقريبًا وعندما تشكلت الوزارة كانت السعودية ودول الخليج لا يرغبون فيها.
ليثير السعوديون تسجيلات قرداحي ولتأخذ حجمًا أكبر من حجمها بكثير، وتسائل أن الكثير من الإعلام السعودي عندما حارب الرئيس اللبناني لماذا لم تحاسبهم السعودية؟، معتبرًا أن جورج قرداحي، وزير الإعلام اللبناني، لم يخطأ في السعوديين وما قاله “أن الحرب اليمنية ما هي إلا حربًا عبثية”، وبعدها شُنت حرب على لبنان وعلى وزير الإعلام اللبناني، يا أما أن يقدم استقالته يا أما أن تُقدم الحكومة استقالتها، يا أما أن تُمنع المعونة.
هناك خطوط حمراء في الشرق الأوسط، أن جميع القوات تتصارع مثل “إيران ـ أمريكا ـ فرنسا ـ روسيا” وغيرهم الجميع له مصالح، لكن مشكلة السعودية وحزب الله هي “حرب اليمن” مؤكدًا أن إثارة مشكلة جورج قرداحي أساسها حرب اليمن، السعوديين معتبرين أن وجود حزب الله ضلع كبير في لبنان وهو ذاته من يحاربهم في اليمن، كيف أن يقوموا بإرسال مساعدات إلى لبنان وهم يُخاربون حزب الله في اليمن؟، وهذا الموضوع بالنسبة للسعوديين هو الأساس، وحزب الله أراد أن يُريح السعوديين وأصدر بيانًا بأنه أنسحب من اليمن، لكن حزب الله لم ينسحب من اليمن.
والشعب اللبناني ليس له دخل في تلك الصراعات المتواجدة على الساحة السياسية، ولبنان ليس ضد الخليج مشيرًا إلى أن لبنان عرب وغير معقول أن يسيروا عكس العرب، ووزير الاعلام عبر عن رأيه ليس تعبيرًا عن رأي الشعب اللبناني، حتى وإن كان في الوزارة وصرح بتلك التصريحات فإنه رأيه وليس رأي الشعب.
وإن تصريحاته لم يتفق عليها الجميع، فمن الممكن أن شخصًا يكون معه وآخر لا، أنه صرح وتحمل نتيجة تصريحاته، ولكني أرى أن ما قاله وزير الإعلام، لا يستدعي كل هذه الضجة التي حدثت.
هل استقالة جورج قرداحي ارجعت العلاقات بين السعودية ولبنان بشكل كامل؟
والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أن يتجه للسعودية، ضغط على الرئيس ميقاتي بأن يضغط على جورج قرداحي لتقديم استقالته، لضمان نجاح الزيارة، مؤكدًا أن السعوديين يُساعدون لبنان منذ أكثر من 50 عامًا، لكن هناك مشكلة بين لبنان والسعودية، أن السعودية تُريد لبنان أن تسير مثلما تريد، إذا أخلت لبنان السعودية تقطع العلاقات، والسعودية تطلب لبنان أن تخرج من إيران وإيران لم تفعل شيئًا للشعب اللبناني، والسعودية تطلب من لبنان الخروج من إيران وعلى النظير الآخر لا يمدون بشيء، والسعودية تريد سياستها في لبنان وإيران تُريد سياستها في لبنان، والشعب اللبناني هو من يدفع ثمن الصراعات.
والعلاقات التجارية بدأت تكون مثل البداية، لكن السعوديين لم يرجعوا العلاقات مع لبنان بنسبة مئة في المئة إلا بعد الإنتخابات الرئاسية، لأنهم غير راضيين على سياسة حزب الله في السعودية، واستقالة جورج قرداحي مجرد حُجة ليس أكتر.
ما الذي أدى إلى تصاعد الأزمات اللبنانية مُنذ الإستقلال؟
إنه بعد الحرب الطائفية، نتج عنه شيء يسمى بـ “اتفاق الطائفة”، اتفقوا على شيئًا معينًا وبدأو يسيروا عليه وبعد مقتل الشهيد رفيق الحراري عام 2005، والحرب العبثية عام 2006، بعدها سيطر حزب الله على البلاد وبقى حزب الله قوة ضاربة في لبنان، أدى ذلك إلى سيطرة حزب الله على السياسة اللبنانية بالكامل.
إن هناك خطين متصارعين في لبنان، الخط الأول إيران والثاني “أمريكا ـ فرنسا وغيرهم”، وهؤلاء مازالوا يتصارعوا منذ 2002، ورفيق الحراري استشهد ضمن صراع هؤلاء؛ ولبنا ظل يدفع نتيجة تلك الصراعات حتى الآن، لأنه هو الدولة الأصغر والأضعف، وأن الصراع المتواجد حاليًا ظل لسنوات، والشعب الذي يدفع ثمن تلك الصراعات حتى الآن.
هل يتسبب خلاف شركاء حزب الله في تأجيل الإنتخابات؟
إن المجتمع الدولي يراهن على الإنتخابات لتغيير النظام السياسي في لبنان، لكن حتى وإن اُقيمت الإنتخابات لن يتغير النظام السياسي في لبنان، لأن حزب الله من الكيان اللبناني وهو شعب لبنان حتى وإن كانت هناك بعض الدولة معترضة عليه، وجميع الوعود الأمريكية بعد 30 سنة حروب، لم تُنفذ وأن حزب الله حزب مقاومة في لبنان، لكن لبنان ليس راضي على تلك السياسية التي يُدمر فيها الشعب اللبناني لكي يرضي إيران وأفاق الحل يجب أن يكون استراتيجيًا، بأن تتفق إيران وأمريكا.
هل من الممكن أن يصل سمير جعجع للحكم؟
إن القوات اللبنانية أخذت شعبية مسيحية كبيرة في لبنان، ويعتبر سمير جعجع حليف السعودية في لبنان، ويتوقع أن الطائفة السنية في لبنان ارتباطًا بالرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، أن السنة لن تخسر في لبنان، وسمير جعجع ليس لديه خلافات مع نبيه بري، والمسيحيين قريبين من الرئيس بري، معتبرًا أن الانتخابات القادمة ستكون فيها صراعات كبيرة، وحزب الله حريص بأن لا يخسر نبيه بري ولا سعد الحريري.
ماذا تُفسر زيارة الرئيس ميقاتي إلى مصر؟
سر زيارة الرئيس ميقاتي إلى مصر، بسبب الكهرباء وتشكيل الحكومة، و70% بسبب موضوع الكهرباء، ومصر لم تتأخر عن لبنان قط، دائمًا ترسل مساعدات بدون أي مقابل.
وأفاد أن الدولة المصرية عرض على لبنان أن تبني محطات كهرباء في لبنان، لكن المسؤول عن الكهرباء الطيار الوطني الحر واتفق مع ألمانيا لبناء محطاط الكهرباء، وسياسة الطيران الوطني الحر ضد سياسة مصر لذلك أراد أن تُنشئها ألمانيا
يعرف الشعب اللبناني جيدًا أن الدولة المصرية تقف بجانب لبنان بدون مقابل ودائمًا الشعب اللبناني يُشيد بمواقف مصر التي دائمًا تدعم لبنان والشعب اللبناني، والدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي، يضع لبنان في قلبه وعينيه.
لماذا لا تحل الأزمات العربية عربيًا وتتجه للغرب وتتفاقم؟
أود أن أؤكد أن الغرب قوة عُظمى ولها مصالح، عندما ننظر إلى لبنان نجد أن الجانب السياسي ليس أساسيًا لكن الجانب الإقتصادي الأهم والحرب في الشرق الأوسط ليست مقتصرة على السياسة، لكنها تتجه إلى الإقتصاد أكثر، وفرنسا تتدافع عن لبنان طمعًا في البترول لذلك معتبرة نفسها الأب الروحي للبنان، وروسيا لأنها أكبر شركات مصدرة للغاز لأوروبا، ويعتقد نعمة أنه يوجد اتفاق بين روسيا وفرنسا وأمريكا لأخذ الغاز والبترول المتواجد في لبنان، والمشكلة مشكلة اقتصادية بحتة، والسلطة السياسية في لبنان هي التي جعلت الآمر هكذا.
هل من الممكن أن يكون هناك أي فوضى شعبية لـ فشل الانتخابات؟
إنه من الممكن أن يكون هناك فوضى شعبية، ليقضوا على الانتخابات لأنهم بدأو هذه الأيام بزيادة سعر الدولار، لأن هناك قوة سياسية في لبنان لا تُريد الانتخابات، مثل الرئيس عون والطيار الوطني الحر ليس لديهم مصالح في الإنتخابات.
من المتسبب الحقيقي في انفجار ميناء بيروت؟
لا شك، إن إسرائيل المتسبب الأول في انفجار ميناء بيروت، لأن انفجار بهذا الحجم لا يسير إلا بـ الطيران، لأن المواد المتواجدة في الميناء ملكًا لحزب الله وهذا معناه أن إسرائيل اعتدت على لبنان، لتجعل الشعب اللبناني يتهم حزب الله، ومن الممكن أن تكون إسرائيل لم تكن تعلم ان الانفجار سيكون بهذا الشكل، وإذا كان حزب الله الذي وضع تلك المواد وانضربت من إسرائيل لم يصرح بذلك خوفًا من الشعب، واذا كانت الدولة اللبنانية على علم بتلك المواد وإسرائيل قامت بتفجيرها تُعد كارثة أكبر، لأن الحكومة حينها سيكون لديها استهتار بالشعب اللبناني وتكون هي المسئولة.
واختتم أن انفجار بهذا الحجم كاد أن يُدمر لبنان بـ الكامل، لكن المجتمع الدولي سيخرج إسرائيل من تلك التهمة وسيورط حزب الله فيه، والتحقيق سيخرج المدان فيه حزب الله لسبب واحد، لأن حزب الله هو الذي كان مسئولًا عن ميناء بيروت، والتحقيق لن يقول أن إسرائيل هي التي فجرت، ولبنان مع حزب الله ضد إسرائيل، لكن لبنان ليست مع سياسة حزب الله التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني.
تاريخ موجز عن لبنان
تم تشكيل الجمهورية اللبنانية في 1 سبتمبر 1926 من قبل فرنسا، وفي 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 1943 عندما أصبحت لبنان دولة ذات سيادة تحت سلطة الحكومة الفرنسية الحرة.
واتسم تاريخ لبنان منذ الاستقلال بفترات متبادلة من الاستقرار السياسي والفوضى جنباً إلى جنب مع الازدهار الذي تأسس على موقع بيروت كمركز إقليمي للتجارة والتمويل.
ثم اندلعت حرب أهلية في لبنان عام 1975 نتيجة تصاعد التوترات الطائفية، وفي أكتوبر 1976، أنشأت جامعة الدول العربية قوة ردع عربية سورية ، مهمتها إعادة الهدوء إلى البلاد.
وفي عام 1982 وقع الغزو الإسرائيلي، لتعقد قمة جامعة الدول العربية في مايو 1989، فقد وافق مجلس النواب اللبناني على اتفاق الطائف، واحتوى على جدول زمني موجز لانسحاب سوريا من لبنان وإجراء لنزع الطائفية عن النظام السياسي في البلاد.
وانتهت الحرب في نهاية عام 1990 وأدت إلى خسائر في الممتلكات والأرواح ودمرت اقتصاد البلاد. كما انسحبت إسرائيل من لبنان عام 2000، تغير معها النظام السياسي الداخلي بشكل كبير.
ثم اندلعت ثورة الأرز عام 2005 عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في انفجار سيارة مفخخا، وخرجت عدة مظاهرات للمطالبة بإخراج القوات السورية من لبنان وتشكيل لجنة دولية للنظر في الاغتيال، كان ذلك في 26 أبريل 2005 عندما عاد الجنود السوريون إلى سوريا.
ومن ذلك الوقت لم تستقر لبنان سياسياً، وباتت وسط اضطرابات وولاءت خارجية لأطرافها الداخلية، مما خيم جبال من الهموم على الشعب اللبناني الراقي، أزدادت عقب انفجار مرفأ بيروت 2019.