كان الفنان الإسباني الراحل بابلو بيكاسو ، يحرص على الحياة وسط الكثير من الأشياء المتنافرة والمختلفة، بدءا من الصحف القديمة وبقايا الأوراق المُستخدمة في التغليف، مرورا بالمُغلفات المستعملة وعبوات التبغ وبطاقات ركوب الحافلات، وصولا إلى المناديل الورقية.
وعندما كانت أكداس الورق التي يحتفظ بها بيكاسو فوق طاولاته، تصل إلى ارتفاعات أكبر من اللازم، كان يجمعها معا بمشابك كبيرة، ويعلقها لتتدلى من السقف مثل الثُريات.
ولدى وفاة بيكاسو عام 1973 عن عمر ناهز 91 عاما، كان قد جمع آلافا من القصاصات الورقية والأغراض المتنوعة، التي سيُعرض بعض منها في الأكاديمية الملكية بلندن، كجزء من معرض مكرس لإبراز شغف الرسام الراحل بالورق.
ويضم المعرض 300 من هذه القطع، التي تتوزع ما بين أعمال فنية أنجزها الرجل، أو مقتنيات من مجموعته. وجُمِّعَت هذه القطع على مدار 80 عاما، وتكشف عن مدى قدرة الفنان الإسباني الراحل على تجميع الأشياء والاحتفاظ بها، وكذلك مدى اتساع رؤيته في هذا الصدد.
الغريب أنه كان من النادر أن تظهر الاستوديوهات (المراسم) التي رسمها بيكاسو في لوحاته على النحو الفوضوي، الذي اتسمت به الأماكن التي كان يعمل هو بها بالفعل. فأحد الرسوم التخطيطية التمهيدية للوحته “الحياة”، ذاك العمل ذي الطابع السوداوي الذي يعود لعام 1903 وينتمي لما يُعرف بالمرحلة الزرقاء في مسيرته الفنية، كان يُظهر لوحة واحدة من القماش، موضوعة بإحكام على حاملها.
كما يمكن القول إن لوحة مثل “مرسم النحات” التي تعود إلى عام 1931، كانت مرتبة ومنظمة بأقصى ما يمكن. لكن الصور التي التُقِطَت لمنزل بيكاسو على سبيل المثال، أظهرت مشهدا مختلفا، يكشف عن أنه كان يتلذذ بالفوضى. فمرسمه في فيلته “لا كاليفورنيا” بمدينة كان الفرنسية، كان يكتظ بالأشياء، من قبيل لفائف الورق والصناديق، وعبوات الطلاء التي كانت تشغل كل فضاء يمكن تخيله، بما في ذلك المقاعد والكراسي.
وفي هذا الإطار، اعتاد بيكاسو التفاعل مع الموضوعات المنشورة في الصحف، من خلال الرسم فوقها بالقلم الرصاص أو بالحبر. وفي واقع الأمر، لم يكن هذا الرجل يحجم عن “الخربشة” بقلمه، على أي شيء يجده أمامه سوى نادرا، حتى وإن كان هذا الشيء لا يتعدى ورقة تغليف مغطاة بنص مكتوب أو رسم نقشي.
فحتى في هذه الحالة، كان ينهمك في الرسم فوق الرسم أو النص، إلى حد يجعل من العسير التمييز بين ما رسمه، وبين ما كان موجودا على سطح الورقة من الأصل. وفي بعض الأحيان، أدى ذلك إلى نتائج مضحكة، كما حدث عندما أمسك بقلم حبر ورسم به على صورة لعارضة أزياء، بحيث أطال قدميها لتخرج من ردائها.
ورغم أن الأعمال الفنية التي نفذها بيكاسو باستخدام ما جمعه من أشياء ومهملات، مثل المناديل الورقية وغيرها، قد لا تكتسي بالجاذبية التي تتمتع بها أعماله الأخرى التي استخدم فيها خامات تقليدية، كلوحة “آنسات آفنون” على سبيل المثال، فإن حقيقة حرصه على الاحتفاظ بتلك الأغراض والاعتناء بحفظها وتسجيل تاريخ وضعها ضمن مقتنياته.
الخلاصة، أن أكوام المهملات والأشياء والقصاصات التي تركها بيكاسو ورحل، لا توثق مجريات حياته اليومية فحسب؛ وإنما تكمن فيها كذلك تصوراته، سواء كانت مكتملة أو لا، وحتى لحظات شروده وحيرته، والتي انبثق منها جميعا في نهاية المطاف، الكثير من أفكار أعماله الفنية. المقال الأصلي علي موقع الـ بي بي سي