هل رأيت يومًا ما إعلانات التأمين على الحياة في إعلانات ولافتات الطرق، أم شاهدتها في المقاطع الترويجية لعدد كبير من الشركات التأمينية التي تقع على نفس المنوال والشاكلة دون تمييز أم طاردوك باتصالات أقرب للسخافة منها لمحاولة مساعدتك، على الرغم من رفضك مرارًا وتكرارًا الاشتراك أو الدخول في عالمهم الذي يتسم بعروض لا حصر لها هدفها الأبرز.. “جُر رجل الزبون”.
ويسعى السواد الأعظم من شركات التأمين على الحياة في التهام الشخص المؤمن عليه بعروض وهمية لا تبرز عيوبها أو سلبياتها، ولكنها توضح كافة المميزات والإيجابيات والبدائل الممكنة، وآليات الشكوى في حالة حدوث أي سقطة غير مقصودة، وعلى غرار ذلك، ترصد “أوان مصر” واقعة جديدة من العيار الثقيل لحالة نصب علني على مرئى ومسمع من الجميع وتحت عيون القانون.
لن أطيل فضولك عزيزي القارئ لمعرفة الواقعة كاملة؛ لتكن القاضي الحاكم بأمره في رواية بطلها رجل يدعى “سامح.ط”، أودع 3 وثائق تأمينية لأسرته في إحدى شركات التأمين الكبرى والمعروفة على مسامع الكثير منا.
ونظرًا لمرض “سامح”، بادرت الشركة في إرسال موظفة لتقاضي المبلغ التأميني بشكل منتظم شهريًا، والذي يبلغ 1700 جنيه، وبعد فترة تغيرت الموظفة المسئولة عن تحصيل التأمينات من ذلك الرجل العاجز، وسارعت الشركة في إرسال موظفة جديدة تدعى “مها. إ.م”، البالغة 34 عامًا، حيثما يقيم ذلك الرجل المريض.
موظفة شركة تأمين
بدأت “مها. إ.م” في تحصيل الـ1700 جنيه شهريًا، وفي كثير من الأحيان كانت تحصل الأموال بعد شهرين، أي 3400 جنيه، والتي بدأت باستلام المبالغ التأمينية بعد إبرازها أوراقها للتحقيق من شخصيتها، لمدة 20 شهرًا
شركة التأمين والأسرة المنكوبة
يشاء القدر أن يتوفى الرجل العاجز “طلعت”31 أغسطس الماضي، ليبدأ فصل جديد في واقعة اليوم، علمًا بأن “مها” كانت تستلم المبلغ الشهري في يوم 29 أغسطس، أي قبل يومين من وفاة صاحب التأمين.
بدأت “مها” في محاولة منع الأسرة المنكوبة بأي طريقة، بشرط عدم ذهابهم بأي طريقة من الطرق للانتهاء من الأوراق، وعلى ذلك سوف تتولى كافة الإجراءات الإدارية، خاصة أن أسرة المتوفى اعتقدت أن الموظفة كانت تحنو عليه وتعتبره في مقام والدها.
استمرت الموظفة في إيجاد أعذار لا حصر لها، والمماطلة بحجج فارغة، وبالتالي لم يتم الانتهاء من إجراءات وفاة الشخص المؤمن عليه، والذي تتضور أسرته جوعًا لحاجتهم لمعاش يعينهم على الحياة؛ وحفاظًا على ماء الوجه من مد اليد للتسول والاقتراض، وفقا لشعار شركتهم التي باعت الوهم بشعار “بكرة بيبدأ بالنهاردة”.
دخل الشك لقلب أرملة الشخص المتوفى “سامح”، وقررت الذهاب لشركة التأمين لحسم الأمر، والانتهاء من كافة الأوراق بنفسها وتقديم الوثائق لمعرفة حقوق زوجها ؛ لتتفاجأ بضرورة التوجه للمحكمة لإثبات وصاية الأم على ابنتها القاصر، البالغة 15 عامًا، خاصة أن الموظفة “مها”، المسئولة عن التحصيل الشهري للتأمين، لم تُخبر الأم مطلقًا عن ضرورة تقديم وثائق الوفاة للمحكمة لاستصدار حكم بالوصاية على ابنتها القاصر، خاصة أن الشركة ربطت هذا الأمر بحصول السيدة وابنتها على شيك بالمبلغ كامل.
بالفعل سارت الأمور على ما يرام، وذهبت السيدة لتقديم كافة الأوراق للحصول على حقها هى وابنتها في معاش زوجها؛ لتأتي الطامة الكبرى عندما سمعت موظف الشركة، الجالس خلف النافذة الزجاجية التي تفوق منها برودة التكييف دون النظر لمعاناة أم تنتظر المجهول الأسود، قائلاً: “لا يا فندم.. اللي من حق حضرتك وثيقة واحدة فقط!!”.
وفي صدمة من صفعة كلمة الموظف، ردت السيدة عليه، بنبرة مجروحة يشوبها الدهشة والسرعة في آن واحد: “إزاي المندوبة كانت عنده قبل الوفاة بيومين.. وأنا معايا إيصالات بتثبت كده”، ليرد الموظف، على نفس وتيرته الباردة: “الشركة لغت يا فندم الإيصالات من ٣ سنين، والدفع عن طريق فوري أو العميل يذهب لمقر الشركة بنفسه”.
ومن قسوة الواقعة، سارعت الأم الأرملة: “طب حضرتك لما الوثائق الـ٣ وقفوا محدش بلغنا ليه برسالة”، ليؤكد الموظف أن الشركة بالفعل راسلتهم، وأن الرقم المحمول المُسجل لدى الشركة ما هو سوى رقم الهاتف الخاص بالموظفة المحتالة “مها”، وبالتالي أي رسائل تستطيع استقبالها هى دون معرفة الشخص المؤمن عليه أو أسرة المتوفى”.
وفي لحظة تكالبت كل هموم الدنيا على أكتاف السيدة الأرملة، التي وقعت ضحية محتالة استباحت أموال العامة بالباطل، وأكل مال اليتيم، والتسبب في تشرد وجوع أسرة ستلقى الأمرين بدون رب بيت، أو معاش يعينهم على الحياة، وقالت السيدة، بنبرة حزينة يشوبها البكاء: “طب يا بني لما الإيصالات دي أتلغت من ٣ سنين سيبنها ليه مع الموظفين.. ليه خليتوها تضحك على الناس، وتغدر بيهم وتاخد شقى عمرهم.. شقى الراجل اللي مات ومفيش مصدر رزق عشان أصرف على بنته.
وبعد مرور فترة، قامت الشركة بإصدار قرار بوقف الموظفة عن العمل، وضياع حق الأسرة المنكوبة دون وجه حق، هكذا أسدل الستار عزيزي القارئ عن واقعة اليوم، ويبقى الحكم لك وحدك، في شركات تصطنع الأمان لعملائها، وتسعى لإخفاء بياناتهم الأساسية والضرورية، مما يعد أمرا في غاية الخطورة، والذي يتنافى مع كل القوانين التي تحكم عمل هذه الشركات.
ويبقى السؤال، أين هيئة الرقابة المالية، الجهة المنوطة قانونا عن محاسبة ومراقبة شركات التأمين، ومراجعة نشاطها، وفحص شكاوى العملاء، أين الدور الرقابي الواضح لكافة الأنشطة القائمة بها هذه الشركات، أين الضمان في حماية حقوق العملاء حتى لا يقعوا ضحية للنصب الممنهج من جانب بعض شركات التأمين.. وعند الله تجتمع الخصوم.