شهادة المجاملة :
هناك الكثير من الاشخاص الذين يستهينون بالشهادة الزور واليمين الكاذبة ، فيقومون علي سبيل المجاملة بدعم موقف الأصدقاء أو الأقارب في المنازعات والقضايا المختلفة، وقد تكون الشهادة بمقابل للحصول علي بعض المال , إلا أن الشهادة الزور تُعد جريمة من أخطر الجرائم التي تؤثر في سير العدالة ، وتضلل القضاء، حيث يعمل شاهد الزور على تغير الحقيقة إلى باطل أو العكس.
وذلك عن طريق شهادة النفي أو الإثبات التي تتم أمام محكمة الجنح، أو محكمة الجنايات أو المحالكم المدنية ، حيث يتم إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله الشاهد عما شاهده أو أدركه بحواسه بطريق مباشر ، أو سمعه من آخر .
والشاهد إما أن يكون شاهد إثبات ، و إما أن يكون شاهد نفي ، فحينما يكون الشاهد لديه معلومات بشأن إثبات الواقعة ومرتكبها من حيث تحديد الأفعال المرتكبة ونسبتها إلي فاعلها ويطلق عليه هنا شاهد الإثبات ، وإما أن يكون لدي الشاهد معلومات تتعلق بنفي الجريمة فيطلق عليه في هذه الحالة شاهد نفي .
وتتحقق جريمة الشهادة الزور في حالة إصرار الشاهد على الأقوال الكاذبة التي يقوم بالإدلاء بها أثناء الدعوى الأصلية التي تقام أمام محكمة الجنايات، أو المحكمة المدنية، أما في حالة رجوع الشاهد عن الأقوال الكاذبة أثناء المرافعة ، فإن هذه الأقوال تعتبر كأنها لم تكن من الأساس .
وتنصب الشهادة علي الوقائع المكونة للجريمة أو الوقائع السابقة عليها التي تفيد في معرفة الباعث علي ارتكاب الجريمة أو الوقائع التي تلت وقوعها ، وقد تتعلق بما يعرفه الشاهد عن نفسية المتهم وشخصيته ، ولا يلزم أن تكون الشهادة مكذوبة من أولها إلى آخرها ، بل يكفى أن يتعمد الشاهد تغيير الحقيقة فى بعض وقائع الشهادة أو جزء منها .
هذا وقد يجامل بعض الأشخاص أصدقاءهم أو أقاربهم المتورطين فى بعض الجرائم، ويقومون بالشهادة الزور ليساعدوهم علي الإفلات من العقاب، خاصة فيما يخص قضايا الأسرة، وربما يكون شاهد الزور لا تربطه بالمتهم وأهله أي صلة ، ولا تكون الشهادة الزور إلا للحصول علي المقابل من المال .
تعريف الشهادة الزور واليمين الكاذبة :
الشهادة الزور ، واليمين الكاذبة جريمتين مستقلتين ، خصص المشرع لكل منهما نصوصاً مستقلة ، وإن كان ذلك تحت باب واحد وهو الباب السادس من الكتاب الثالث من قانون العقوبات بداية من المادة 294 حتي 301 من قانون العقوبات .
ولم يضع المصري في قانون العقوبات تعريفاً للشهادة الزور أو اليمين الكاذبة تاركاً ذلك للفقه والقضاء ، فعرفها الفقه بإنها تعمد تغيير الحقيقة أمام القضاء بعد حلف اليمين القانونية ، مما يؤدي إلي تضليل القضاء وعرقلة العدالة .
والزور في اللغة هو وصفُ الشيء على خِلاف حقيقته أي مموه بالكذب، أما اصطلاحًا فهي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام أو تحريم حلال، والهدف منها التضليل، وحرف مسار قضية ما عن مسارها الصحيح .
أما اليمين الكاذبة فهي القسم بالله الذي يتم أمام القضاء ، وهي نوعات يمين حاسمة وهي التي يتم من خلالها حسم النزاع بين الأطراف ، ويمين متممة ، وهي التي تتم لإكمال دليل ناقص .
مخاطر الشهادة الزور واليمين الكاذبة :
للشهادة الزور مخاطر اجتماعية علي مستوي الفرد وعلي مستوي المجتمع لما تخلفه من آثار نفسية وخيمة تحيق بالمضرور وبالمجتمع من كل جانب ، إذ تُنشئ آلاماً مريرة في النفوس ، و تخلق الأحقاد في القلوب ، لما تتسبب فيه من ضياع للحقوق ، وترسيخ للظلم بكافة أنواعه ، فضلاً عن أن فيها نصرة للظالم على حساب المظلوم ، و ما يشيعه ذلك من تفشي الظلم و البغي والطغيان بسبب إفلات المجرم من العقاب ، أو إدانة برئ لم يرتكب أي جرم ، وهو ما يهدد أمن المجتمع واستقراره ، ولذلك فقد حرص المشرع علي تجريمها ، ليكون هذا التجريم بمثابة التحذير الشديد لكل من تسول له نفسه من الشهود لارتكاب هذا الفعل والتسبب في إعاقة العدالة و تضليل القضاء .
التحذير من الوقوع في فخ الشهادة الزور واليمين الكاذبة :
وفي هذا المقال نحذر من خطورة الشهادة الزور واليمين الكاذبة التي يستهين بها الناس ، ويقدمون عليها كنوع من المجاملة أو المساندة للمقربين لهم دون النظر إلي العواقب الوخيمة ، سواء العواقب الشرعية أو القانونية لهذه الأفعال الخطيرة التي تُعد اعتداء صارخ علي الحقيقة ، وعرقلة واضحة وصريحة لتطبيق القانون وتسيير العدالة .
وما من شك أن شهادة الشهود سواء في المسائل المدنية أو الشرعية أو الجنائية تمثل أهمية قصوي في سير الدعوي ، حيث تمثل وسيلة هامة من وسائل الإثبات فهي من أهم إجراءات الدعوي الجنائية ومن أهم الأدلة التي يستعين بها القاضي في الخصومة المدنية والجنائية ، حيث تنصب الشهادة علي وقائع مادية ومعنوية يصعب ثباتها بالوسائل الآخري .
والواقع يشهد علي أن الأحكام في غالب الأحيان تبني علي شهادة الشهود ، حيث تكون الشهادة خير معين للمحكمة في تكوين عقيدتها ، ولذلك فإن للمحكمة أن تسمع شهادة أي إنسان يحضر من تلقاء نفسه لإبداء معلومات متعلقة بالدعوي .
إشكالية نص تجريم الشهادة الزور واليمين الكاذبة :
في الحقيقة فإن جريمة الشهادة الزور واليمين الكاذبة تعتورها إشكاليات تشريعية تتمثل في أن صياغة النصوص التي تناولت الجريمتين قد اشترطت أن تكون الشهادة الزور واليمين الكاذبة في مجلس القضاء ، وطرحت كل شهادة زور آخري ، أو أي يمين كاذبة آخري جانباً ولم تلق لها بالاً ، بالرغم من خطورة هذه الشهادات التي تتم أمام جهات التحقيق ، أو جهات التحري ، أو الجهات الإدارية ، أو غيرها من جهات جمع المعلومات ، وهي بالطبع شهادة يترتب عليها أثار كثيرة .
لذا نهيب بالمشرع أن يتدخل بالتعديل ليوسع من تجريم الشهادة الزور واليمين الكاذبة التي تتم أمام جهات التحقيق ، وجهات التحري والجهات الإدارية وغيرها من جهات جمع المعلومات ، لذات العلة التي تم تجريم الشهادة الزور أمام القضاء .