في إطار الاهتمام بالمحافظة علي الأمن المناخي ، فقد حرص المشرع المصري قي أكثر من موضع علي إصدار التشريعات التي تهدف إلي المحافظة علي البيئة المائية بحسبانها من أهم المكونات البيئية .
فلم يكن الإنسان في القدم يستخدم مواد ملوثة للقضاء علي الآفات كما يلجأ اليوم باستخدام مواد كيماوية أو صناعية في حياته اليومية ، الأمر الذي جعله يقوم بإلقاء مواد ضارة في نهر النيل والمجاري المائية أو في مياه البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة أو الحرة ، فمع التقدم التكنولوجي والصناعي بدأ الإنسان يدخل للبيئة المائية عناصر جديدة غريبة عنها، وهذه العناصر مع مرور الوقت بدأت تؤثر سلبياً على كافة نواحي الحياة .
و لذلك اهتمت غالبية دول العالم من خلال دساتيرها وتشريعاتها إلى وضع قوانين وتوقيع اتفاقيات لحماية البيئة المائية ، وأولت اهتمام خاص بالمحافظة على الموارد المائية والمحافظة عليها باعتبارها مورداً أساسياً للتنمية الاقتصادية، وذلك من خلال وضع سياسة وطنية تهدف إلى حماية هذا المورد الحيوي وتوفيره مع ضمان استدامته للأجيال القادمة .
ولقد تناول المشرع المصري موضوع الحماية الجنائية للبيئة المائية علي مستويين ، أولهما بيئة المياه العذبة ، وثانيهما بيئة الشواطئ و المياه المالحة ، ولقد ورد النص علي تجريم تصريف أو إلقاء مواد ملوثة في قانون حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث ، وكذلك في قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 وهذا فيما يخص المياه العذبة ، وكذلك في قانون البيئة فيما يخص الشواطئ و المياه المالحة .
ويقصد بالتصريف بصفة عامة كل إلقاء أو تسريب أو انبعاث أو تفريغ لأي نوع من المواد الملوثة أو التخلص منها في نهر النيل والمجاري المائية أو مياه البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة أو البحر .
حماية الشواطئ من التلوث :
لقد نص المشرع في المادة 69 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 علي أنه يحظر علي جميع المنشآت بما في ذلك المحال العامة والمنشآت التجارية والصناعية والخدمية تصريف أو إلقاء أية مواد أو نفايات أو سوائل غير معالجة من شأنها إحداث تلوث في الشواطئ المصرية أو المياه المتاخمة لها سواء تم ذلك بطريقة إرادية أو غير إرادية مباشرة أو غير مباشرة ، ويعتبر كل يوم من استمرار التصريف المحظور مخالفة منفصلة . وهو ما يعنى أن يحرر محضر مستقل عن كل يوم من أيام التصريف فيعتبر جريمة منفصلة عن اليوم السابق عليه أو اللاحق عليه فتتعدد العقوبات بعدد أيام التصريف المحظور وتحكم المحكمة بعقوبة مستقلة عن كل يوم منها .
وقد عاقبت المادة 87 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 المعدلة بالقانون رقم 9 لسنة 2009 كل من يخالف حكم المادة 69 بالغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه ، وفى حالة العود تكون العقوبة الحبس بالإضافة إلى الغرامة المشار إليها .
حماية نهر النيل من التلوث :
كما حظر المشرع في المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1982 بشأن حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث تصريف أو إلقاء المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية من العقارات والمنشآت التجارية والصناعية والسياحية ومن عمليات الصرف الصحي وغيرها في مجاري المياه …. إلا بعد الحصول علي ترخيص من وزارة الري ووفق الضوابط والمعايير التي يصدر بها قرار من وزير الري بناء علي اقتراح وزير الصحة .
وتعبير التصريف يتسع ليشمل كل تسرب أو صب أو انبعاث أو تفريغ لأي نوع من المواد الملوثة أو التخلص منها .
وعاقب المشرع في المادة 16 من هذا القانون من يخالف أحكام هذه المادة بعقوبة الحبس مدة لا تزيد علي سنة وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد علي ألفي جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين ، وفي حالة تكرار المخالفة تضاعف العقوبة ، ويجب علي المخالف إزالة الأعمال المخالفة أو تصحيحها في الميعاد الذي تحدده وزارة الري …. وإلا قامت بذلك الوزارة علي نفقته .
وحماية نهر النيل من التلوث ثمة من سمات المصري القديم الذي كان يحرص علي المحافظة على نظافة نهر النيل ، و عدم تلويث مياهه المقدسة ، أو القاء المخلفات و القاذورات فيها ، و كان اقراره و قسمه بأنه لم يلوث مياه النهر من أهم شروط دخوله الجنة .
وفي السنة النبوية المطهرة روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَبُولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه ، وكذلك يكره بقرب بئر أو نهر أو حوض ( رواه البخاري: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦٨ / ٢٣٦ )
ما هية الملوثات :
والمقصود بالمخلفات الصلبة هي جميع المواد الصلبة سواء كانت ناتجة عن النفايات أو القمامة أو مواد الكسح أو المخلفات الجافة أو كسر الأحجار أو مخلفات المباني أو الورش أو أية مواد صلبة متخلفة عن الأفراد أو المباني السكنية وغير السكنية حكومية أو خاصة ، وسواء كانت تجارية أو صناعية أو سياحية أو عامة وتشكل كذلك وسائل النقل .
وتشمل المخلفات السائلة المخلفات الصناعية والمخلفات الآدمية أو الحيوانية الناتجة عن عمليات الصرف الصحي أو شبكاتها أو من عقارات أو منشآت أخري كالمحال العامة والتجارية ، كما تشمل المخلفات الحيوانية والسائلة الناتجة عن عمليات الذبح والسلخانات والمجازر ومزارع الدواجن والحظائر وغيرها ، وتطبيقاً لذلك قضي بتوافر جريمة صرف المخلفات في مجاري المياه إذا قام المتهم بتصريف مخلفات منزله في مصرف مائي .
ولقد ورد في قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 نوع آخر من الملوثات وهو جثث الحيوانات النافقة ، ولقد جرم المشرع في هذا القانون إلقاء جثث الحيوانات النافقة في نهر النيل أو الترع أو المساقي أو المصارف أو البرك أو في العراء ، وأوجب دفن هذه الجثث علي عمق كاف بعيداً عن مصادر المياه .
كما تشمل الملوثات ما ينتج عن السفن من مخلفات تتمثل في الزيوت أو المزيج الزيتي أو المواد الضارة ، وكذلك مخلفات السفن من المواد العضوية أو أية مواد آخري سواء كانت صلبة أو سائلة أو غازية .