لعل من اكثر الأدوية إفادة للبشرية وإنقاذا لأرواح ملايين البشر عبر عقود من الزمن هو دواء ( Digitalis) والذى يسمى تجاريا عقار لانوكسين او ديجوكسين.
هذا العقار كان يستخدم فى علاج هبوط عضلة القلب بشكل اساسي منذ اختراعه فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر وحتى عهد قريب، وإن كان قد تضاءل استخدامه حاليا بعد ظهور أدوية حديثة ازاحته من على قمة أدوية القلب بعد تربعه عليها لما يقرب من قرنين من الزمان.
تعود الحكاية الى القرن الثامن عشر، فى بريطانيا، كان هناك طبيب وعالم نباتات طبية اسمه وليام ويثيرينج، الذى ولد عام 1744وتوفى عام 1799، بعد إن اهدى للبشرية دواءا عظيم الفائدة. كان الأطباء فى هذا الوقت يعالجون بالاعشاب، حيث لم يكن هناك أدوية بعد. وكانوا يصعدون الى التلال المرتفعة حيث تنموا النباتات الطبية فى مناطق معينة فى بيئة نظيفة غير ملوثة. فلما صعد السيد وليام الى احد التلال التى تنمو عليها النباتات الطبية، جمع ما يحتاجه من زهورها واوراقها التى تستخدم فى العلاج للأمراض التى كان يعرف تشخيصها ويعرف النبات المستخدم فى علاجها. ولكن لفت نظره زهرة لنبات غريب لم يره قبل ذلك فى حياته.
أثارت زهرة هذا النبات فضوله، وكانت على شكل مخالب الثعلب، ولم يكن يعرفها قبل ذلك. قرر أن يجمع بعضها وياخذها معه ليسأل عنها من يعرفهم من الأطباء.
وفى طريق عودته الى بلدته، استوقفه بعض الناس فى احدى القرى الصغيرة وطلبوا منه أن يأتى معهم ليناظر مريضة تعانى من مرض عجيب احتار أطباء البلدة فى علاجه. ذهب معهم فإذا هو يرى مريضة تعانى من تورم شديد فى جميع جسمها وتعانى من صعوبة شديدة بالتنفس نتيجة اختزان جسمها للماء وعدم قدرته على التخلص من الماء الزائد عن حاجته. هو لم يرى حالة مثل هذه من قبل، ولا يعرف علاجا لها فيما تمتلئ به حقيبته من أعشاب طبية، فإعتذر للقوم أنه لن يستطيع المساعدة فى علاج مريضتهم.
لكن اهل المريضة توسلوا إليه توسلا حارا أن يفعل أى شيئ يخفف به معاناة هذه المريضة البائسة. إحتار حيرة شديدة، وتأثر تأثرا بالغا، وبينما هو فى هذه الحالة، تذكر ذلك النبات الغريب الذى لم يعرف استخدامه بعد. أخبر القوم أنه لا يعلم أن دواءا لديه لعلاج هذه السيدة، ، وأنه لا يعرف تشخيص مرضها اصلا، ولكن معه نباتا يظن أنه من الممكن أن يكون له فعالية طبية. وحيث ان هذه السيدة كانت هالكة لا محالة، فيمكن أن تتعاطى هذا النبات المجهول الذى قد يفيدها وقد لا يفيدها. رحب أهل المريضة بالفكرة، وترك لهم كمية من هذا النبات وهو فى قرارة نفسه لا يظن انها ستنجو من الهلاك. انطلق عائدا الى بلدته، وبعد فترة عاد ليصعد الجبل لإحضار المزيد من النباتات التى يستخدمها فى العلاج. وأثناء مروره ببلدة تلك المريضة، وجد اهل البلدة جميعا فى استقباله استقبالا حافلا. اندهش دهشة شديدة، فأبلغوه أن دواءه السحرى انقذ حياتها وأخرج الماء المتراكم فى جسمها وعادت تزاول حياتها كالأصحاء.
هنا أدرك الرجل أن هذا الدواء فعال فى طرد الماء الزائد من الجسم عن طريق إدرار البول من الكلى. وطبعا قام بدراسة مستفيضة لهذا النبات وعرف أنه دواء لعلاج تراكم المياه فى الجسم. وقام بوصف تاثيرة الطبى وإثاره الجانبية بالتفصيل وكان ذلك فى عام ١٧٨٥.
طبعا بعد وفاته وعبر سنوات من دراسة هذا النبات واستخلاصه دوائيا تم التعرف على طريقة عمله التى كانت مختلفة بعض الشيئ عن تصور السيد ويليام، حيث اتضح أن السبب الرئيسى لتأثير الدواء على الكليتين وأدرار البول منهما يرجع إلى تأثيره المقوى لعضلة القلب حيث يجعل ضخها للدم أقوى مما يزيد من كمية الدم المتدفق للكليتين فيحدث ادرار البول وتختفي اعراض هبوط القلب. مازال الدواء يستخدم حتى الآن وإن كان استخدامه اقل من ذى قبل.
إن هذه الصدفة العجيبة، وذكاء هذا الطبيب وحنكته أهدت للبشرية اختراعا طبيا مذهلا انقذ ارواح ملايين البشر منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن.
الصدفة لعبت ايضا دورا كبيرا فى اختراعات طبية أخرى كثيرة، غيرت وجه ممارسة الطب وسنتناول بعضها فى مقالات قادمة بإذن الله.