الجزء الأول من دراسة المستشار خفاجى اليوبيل الماسى لمجلس الدولة :
فى دراسة تاريخية وحيدة عن اليوبيل الماسى لمجلس الدولة بمرور (75) عاماً على إنشائه تحكى دوره الوطنى ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم ثورة 1952 , للمفكر والمؤرخ القضائى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى فى مؤلفه بعنوان : ” الغائب فى اليوبيل الماسى لمجلس الدولة تاريخ ومواقف : التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة فى السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصرى ” وهى الدراسة التى حظيت بالاهتمام الوطنى للدولة , ونعرض لها لأهميتها التوثيقية المتفردة فى حياة الأمة المصرية .
ونعرض فى الجزء الأول من هذه الدراسة فى نقطتين
أولاً : بالأسماء أول تشكيل لمجلس الدولة المصرى فى عهد الملك فاروق الأول عام 1946(رئيس ووكيل و111عضواً)
مرسوم ملكى بتعيين محمد کامل مرسي باشا وزير العدل رئيسا لمجلس الدولة ومرسوم أخر بتعيين طاهر محمد بك رئيس محكمة استئناف الإسكندرية الوطنية وكيلاً للمجلس ومرسوم ثالث بتعيين مستشارين ونواب ومندوبين
يقول الدكتور محمد خفاجى إن أول تشكيل لمجلس الدولة المصرى كان فى عهد الملك فاروق الأول (1) , بلغ عددهم مجتمعين (113) من بينهم رئيس للمجلس بمرسوم ملكى منفرد , ومرسوم ملكى أخر شمل وكيل واحد و (111) عضواً فى عشر مواد , فبعد أن أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك مصر القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة فى 18 رمضان سنة 1365 هجرية الموافق 15 أغسطس 1946 أصدر الملك فاروق الأول ملك مصر مرسوماً بتعيين رئيس المجلس الدولة فى 15 شوال سنة 1365 هجرية الموافق 11 سبتمبر سنة 1946 أى بعد أقل من شهر بأيام معدودة من قانون إنشائه , تضمن المرسوم مادتين , إذ نصت المادة (1) منه على أن ” عُين محمد کامل مرسي باشا وزير العدل رئيسا لمجلس الدولة .” ونصت المادة (2) منه على إنه : ” على رئيس مجلس الوزراء تنفيذ هذا المرسوم ” وكان رئيس مجلس الوزراء حينذاك حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقى باشا , الذى صرح وقتها بالتعليق على خروج محمد کامل مرسي باشا من منصبه وزيراً للعدل – وعين بدلاً منه أحمد محمد خشبة باشا – وتعيينه رئيساً لمجلس الدولة بقوله للسادة الوزراء حينذاك ” كامل باشا قد رقى إلى وظيفة أعلى وأسمى” .
وفى ذات تاريخ 15 شوال سنة 1365 هجرية الموافق 11 سبتمبر سنة 1946 أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك مصر مرسوماً أخر بتعيين طاهر محمد بك وكيلاً واحداً لمجلس الدولة ومستشارين ونواب ومندوبين به .
ويلاحظ أن أول تشكيل لمجلس الدولة قد خلا من اسم الفقيه الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا لأنه وقت إنشاء مجلس الدولة كان وزيراً للمعارف العمومية فى أكثر من وزارة ابتداء من عام 1945 حتى عام 1949 , وفى ذات عام 1949 عُين رئيساً لمجلس الدولة مباشرة بمرسوم ملكى .
وقد تضمن المرسوم الملكى الصادر فى 11 سبتمبر 1946 أول تشكيل لمجلس الدولة بموجب المادة (1) منه تعيين طاهر محمد بك ، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية الوطنية ، وكيلاً لمجلس الدولة , وكان حينذاك الوكيل الوحيد لمجلس الدولة .
كما تضمن المرسوم المذكور فى المادة (2) منه تعيين (7) مستشارين لمحكمة القضاء الإدارى من خيرة قضاة المحاكم الوطنية حيث عُين مستشاراً لمحكمة القضاء الإدارى كل من المستشارين بالمحاكم الوطنية : زکی خير الأبوتيجي بك ، وأحمد زكي البهنيهي بك ، والدكتور محمد عبد المنعم رياض بك ، والدكتور حلمی بهجت بدوى بك ، والسيد على السيد بك ، ومحمد على راتب بك ، و محمد سامي مازن بك المستشار الملكي المساعد بأقسام قضايا الحكومة.
وبالنسبة لقسم الرأى بمجلس الدولة فقد تضمن تعيين (9) مستشارين وفقا للمادة (3) من المرسوم سالف الذكر , حيث عهد لستة منهم برئاسة ست إدارات فضلاً عن ثلاثة أعضاء , ورؤساء الإدارات هم يعين كل من : 1- محمد على نمازی بك، المستشار الملكي بأقسام قضايا الحكومة , مستشارا الرأي ، و يعهد إليه بالإدارة الخاصة برئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة ووزارتى المالية والتجارة والصناعة , 2- طه السيد نصر بك ، المستشار المالكي بأقسام قضايا الحكومة، مستشارا بقسم الرأي ، ويعهد إليه بالادارة الخاصة بوزارتي الخارجية والعدل ؛ 3- أبو العينين سالم بك، المستشار المحاكم الوطنية مستشارا بقسم الرأي ، و يعهد إليه بالإدارة الخاصة بوزارات المعارف العمومية والزراعة والشئون الاجتماعية , 4- محمد البابلى بك ، مدير المنوفية ، مستشارا بقسم الرأي، ويعهد اليه بالادارة الخاصة بوزارتي الداخلية والصحة العمومية , 5- محمود صابر العقارى بك ، المستشار الملكي المساعد بأقسام قضايا الحكومة ، مستشارا بقسم الرأي ، و يعهد اليه بالإدارة الخاصة مصلحة السكك الحديدية و التلغرافات والتليفونات , 6- محمد الشافعي اللبان بك، مدير عام قسم قضايا وزارة الأوقاف ، مستشاراً بقسم الراي ، ويعهد اليه بالإدارة الخاصة بوزارات الأشغال العمومية والمواصلات والدفاع الوطني .
بينما عُين مستشاراً بقسم الرأى ثلاثة , اثنين قضاة والثالث أستاذ بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول وهم : 1- عبده محمد محرم بك، مدير إدارة المحاكم الوطنية بوزارة العدل ، مستشاراً بقسم التشريع ؛ 2- الدكتور وحيد فكري رأفت ، القاضي بالمحاكم المختلطة ، مستشاراً بقسم التشريع ,3- الدكتور محمد زكي عبد المتعال ، الأستاد بكلية الحقوق في جامعة فؤاد الأول، مستشاراً بقسم التشريع.
وبالنسبة لوظيفة نائب أول بمجلس الدولة , فقد تضمنت المادة (4) من المرسوم الملكى المذكور تعيين (8) هم : حبشی إبراهيم سمرى أفندى ، وإبراهيم يحي بك بأقسام قضايا الحكومة ،و محمد عفت أفندى رئيس مجلس حسبى مصر والمنتدب وكيلاً للتفتيش القضائى بوزارة العدل , وأحمد محمود محمد منصور أفندی ، وأنطون صفير بك ، والسيد ابراهيم الديواني أفندي بأقسام قضايا الحكومة ، وعمر لطفي أفندى القاضى بالمحاكم المختلطقة ؛ وکامل بطرس المصرى افندى بأقسام قضايا الحكومة.
وبالنسبة لوظيفة نائب من الدرجة الأولى بمجلس الدولة , فقد تضمنت المادة (5) من المرسوم الملكى تعيين (7) أعضاء من المحاكم الوطنية وأقسام قضايا الحكومة بوظيفة نائب من الدرجة الأولى هم :1- عبد الله فكری كشك بك ، 2- على على أبو الغيط أفندى ، 3- محمد ذهنی أفندى ، 4- وديع زکی أفندى ، 5- يوسف مرقس حنا أفندى ، 6- حامد عبد الكريم أفندى ، 7- عبد العزيز خير الدين أفندى .
أما بالنسبة لوظيفة نائب من الدرجة الثانية بمجلس الدولة فبمقتضى المادة (6) من المرسوم سالف البيان تم تعيين (9) من أقسام قضايا الحكومة والمحاكم الوطنية ووكلاء النائب العام بالمحاكم الوطنية هم : 1- فرنسيس بطرس افندى , 2- محمد د وصفي أباظة افندی ، 3- الدكتور عبد الحكيم عبد الحميد فراج ,4- محيي الدين محمد حسن افندي , 5- عبد الرحمن محمد نصير افندی، 6- على ابراهيم بغدادی افندی ، 7- طه عبد الوهاب افندی , 8- الدكتور أحمد موسى، 9- سعد كامل افندي.
وبالنسبة لوظيفة مندوب من الدرجة الأولى بمجلس الدولة فبموجب المادة (7) من المرسوم سالف الذكر تم تعيين (17) من أقسام قضايا الحكومة والمحاكم الوطنية وعضو بلجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب وعضوين مفتشين بوزارة الداخلية فى وظيفة مندوب من الدرجة الأولى هم : 1- منير حنين المصرى أفندى , 2- محمد نصر الدين أباظة افندي ، 3- فتح الله فهيم عبد الكريم الصفتى افندي , 4- على رفعت بركات افندي ، 5- عبد الغني عبد الجليل أبو سمرة افندي ، 6- محمد السعيد خضير افندی ، 7- عبد الفتاح حسن افندی ، 8- محمود محمد ابراهيم افندی ، 9- حسن السيد أيوب افندي ، 10- وهبه البدوى افندي ، 11- محمد المكاوي أحمد الشيخ افندي ، 12- محمد توفيق الغودی افندي ، 13- أحمد رجائي العشماوى افندی ، 14- أحمد حمدى صفوت افندي ، 15- عبد الجليل الشافعي افندي ، 16- عبد المجيد السيد نصر افندی ،17- أحمد فهمى عليان الببلاوى افندى .
وفى وظيفة مندوب من الدرجة الثانية بمجلس الدولة فوفقاً للمادة (8) من المرسوم الملكى المذكور عُين (21) عضوا من المحاكم الوطنية وأقسام قضايا الحكومة وهم : 1- محمد تاج الدين يس افندى 2- عبد المنعم سالم مشهور افندی ، 3- محمد شلبي يوسف افندي ، 4- حسنی جورجی غبريال افندي ، 5- خيرى المصرى افندي ، 6- محمد زکی موسی جاد الله افندي , 7- منير أمين دله افندي ،8- محمد أبو نصير افندى ، 9- لبيب مسيحه حنا آفندی ، 10- جبرائيل بطرس افندي ، 11- إبراهيم نور الدين افندی ، 12- على محسن مصطفى افندى ،13- حسن حسني افندي ، 14- مصطفى المرجوشى افندي ، 15- محمد حمدي عبد الله البشرى افندي ، 16- مهنى عطا الله المنقبادی افندی ،17- محمود مختار افندی ، 18- خليل شنياره افندي ، 19- محمد محمد عباس افندی ، 20- الفتاح بيومی نصار افندى ، 21- عوضين إبراهيم الألفي افندی .
وبالنسبة لوظيفة مندوب من الدرجة الثالثة فئة (أ) بمجلس الدولة فقد عُين (12) عضواً وفقا للمادة (9) من المرسوم الملكى سالف الذكر بأقسام قضايا الحكومة وواحد وكيل النائب العام بالمحاكم الوطنية وأخر أستاذ بكلية الحقوق ببغداد وهم : 1- محسن عبد الحافظ محمود افندى 2- عادل عزيز زخاری افندي ، 3- محمود محمد لطفي افندي ,4- عبد الفتاح محمود حسن افندي ، 5- محمد حسنى المشاوى افندي ، 6- ضياء الدين عارف افندی الأستاذ بكلية الحقوق ببغداد ؛ 7- عبد المجيد أمين مصطفى مازن افندى ، 8- محمد عبد الفتاح خيرت راضی افندی ، 9- يوسف كمال عبد الغني المهيلی افندی ،10- حسنين رفعت محمد حسنين افندی ، 11- حسن محمد نور الدين افندي ، 12- محمد نيازی افندي .
وفى وظيفة مندوب من الدرجة الثالثة فئة (ب) بمجلس الدولة – وهى أخر درجة فى القانون القديم – فقد عُين (21) عضواً وفقا للمادة (10) من ذات المرسوم الملكى بأقسام قضايا الحكومة وهم : 1- محمد عبد الرازق سری افندی ، 2- حامد السيد حندوسة افندي , 3- أحمد على ابراهيم البحراوى افندى ، 4- أحمد كمال أبو الفضل افندي ، 5- محمد عبد الخالق مذکور افندى ، 6- لطفی نجيب عبد الله افندی ، 7- محمد زکی هاشم افندي ، 8- محمد عبد الجواد حسين افندي ، 9- مصطفی فتحی مصطفی افندی ، 10- حسين كامل محمد كامل افندي ، 11- مراد عثمان حسنی افندي ، 12- عثمان عبد الحليم عثمان افندی ، 13- محمد ابراهيم فهمى السيد افندي ، 14- أحمد محمود فهمي الكاشف افندى ، 15- ابراهيم حسين صالح خليفه افندي ، 16- صادق حسن محمد مبروك افندي ،17- على لبيب حسن افندی ، 18- أحمد فؤاد عبد الوهاب أبو العيون افندي ، 19- رضا عبد القادر عبد الرازق افندي ، 20- جمال الدين حسين أحمد علما افندي ، 21- حسين صالح عبد المجيد أفندی.
وقد كان تدرج درجة مندوب بالفئات الثلاث قائمة وقت صدور القانون الأول لمجلس الدولة عام 1946 وتم تعديلها بالقوانين اللاحقة لتصبح درجة واحدة دون فئات .
ثانياً : سبب سمعة مجلس الدولة العلمية وتميزه عن نظرائه فى دول العالم هو اختيار جهابذة القانون فى عصرهم
ويقول الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى أن سبب سمعة مجلس الدولة العلمية وتميزه عن نظرائه فى دول العالم هو اختيار جهابذة القانون فى عصرهم , هؤلاء هم الرعيل الأول لمجلس الدولة منذ إنشائه عام 1946 من ذوى العلم والفضل والباقة العطرة الزاهية وهم شوامخ عالم الفكر القانونى , كانوا من رواد وعباقرة القانون فى العالم العربى , وقاموا بالبناء الفكرى لقواعد القانون الإدارى فى مصر ,وأرسوا دعائم اللغة القانونية الرصينة الأديبة للقضاء الإدارى الذى نشأ وولد عملاقاً على أيديهم , وقدموا للأبناء والأحفاد مبادئ فى الفكر القانونى الرفيع , وتركوا للخلف خير ميراث يتركه سلف لخلف عماده الحق والعدل , وقد غابوا عن هذه الدنيا لكن ما غابت ذكراهم مستقرة فى وجدان أهل العلم , هذا الميراث هو التراث العظيم الرفيع القدر والمقام تنهل منه أجيال متلاحقة تربوا على هذه العبقرية الفذة واستلهموا من روحها , واستظلوا بعدلها واستناروا برقيها , واستكملوا البناء وأضافوا إليه ما تحتاجه البيئة الحديثة من فكر .
وقد حافظ المجلس على انتقاء أعضائه من أوائل القانون فى كل جيل ليعلو صرح مجلس الدولة المصرى بين الأمم عدلاً ويقيناً وحقاً وصدقاً , فإن كان العدل أساس الحكم فالقضاء مصدر هذا العدل لأنه القِبلة لكل مظلوم من ضياع الحقوق وهو الملاذ لكل مستضعف مهضوم جارت عليه الإدارة بسلطانها فساءت استعمالها وصدها عن غيها قاض عادل أقام ميزان العدل , فالعدالة – على حد التعبير الفرعونى البليغ – هى خبزنا ونحن نشرب دائماً من نداها .
وسوف نعرض غداً للجزء الثانى من هذه الدراسة الفريدة .
الجزء الأول من دراسة المستشار خفاجى اليوبيل الماسى لمجلس الدولة :
بالأسماء والصور أول تشكيل لمجلس الدولة المصرى فى عهد الملك فاروق الأول عام 1946(رئيس ووكيل و111عضواً)
مرسوم ملكى بتعيين محمد کامل مرسي باشا وزير العدل رئيسا لمجلس الدولة — ومرسوم أخر بتعيين طاهر محمد بك رئيس محكمة استئناف الإسكندرية الوطنية وكيلاً للمجلس — ومرسوم ثالث بتعيين 111 مستشارين ونواب ومندوبين
سبب سمعة مجلس الدولة العلمية وتميزه عن نظرائه فى دول العالم هو اختيار جهابذة القانون فى عصرهم
كتب :
فى دراسة تاريخية وحيدة عن اليوبيل الماسى لمجلس الدولة بمرور (75) عاماً على إنشائه تحكى دوره الوطنى ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم ثورة 1952 , للمفكر والمؤرخ القضائى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى فى مؤلفه بعنوان : ” الغائب فى اليوبيل الماسى لمجلس الدولة تاريخ ومواقف : التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة فى السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصرى ” وهى الدراسة التى حظيت بالاهتمام الوطنى للدولة , ونعرض لها لأهميتها التوثيقية المتفردة فى حياة الأمة المصرية .
ونعرض فى الجزء الأول من هذه الدراسة فى نقطتين
أولاً : بالأسماء أول تشكيل لمجلس الدولة المصرى فى عهد الملك فاروق الأول عام 1946(رئيس ووكيل و111عضواً)
مرسوم ملكى بتعيين محمد کامل مرسي باشا وزير العدل رئيسا لمجلس الدولة ومرسوم أخر بتعيين طاهر محمد بك رئيس محكمة استئناف الإسكندرية الوطنية وكيلاً للمجلس ومرسوم ثالث بتعيين مستشارين ونواب ومندوبين
يقول الدكتور محمد خفاجى إن أول تشكيل لمجلس الدولة المصرى كان فى عهد الملك فاروق الأول (1) , بلغ عددهم مجتمعين (113) من بينهم رئيس للمجلس بمرسوم ملكى منفرد , ومرسوم ملكى أخر شمل وكيل واحد و (111) عضواً فى عشر مواد , فبعد أن أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك مصر القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة فى 18 رمضان سنة 1365 هجرية الموافق 15 أغسطس 1946 أصدر الملك فاروق الأول ملك مصر مرسوماً بتعيين رئيس المجلس الدولة فى 15 شوال سنة 1365 هجرية الموافق 11 سبتمبر سنة 1946 أى بعد أقل من شهر بأيام معدودة من قانون إنشائه , تضمن المرسوم مادتين , إذ نصت المادة (1) منه على أن ” عُين محمد کامل مرسي باشا وزير العدل رئيسا لمجلس الدولة .” ونصت المادة (2) منه على إنه : ” على رئيس مجلس الوزراء تنفيذ هذا المرسوم ” وكان رئيس مجلس الوزراء حينذاك حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقى باشا , الذى صرح وقتها بالتعليق على خروج محمد کامل مرسي باشا من منصبه وزيراً للعدل – وعين بدلاً منه أحمد محمد خشبة باشا – وتعيينه رئيساً لمجلس الدولة بقوله للسادة الوزراء حينذاك ” كامل باشا قد رقى إلى وظيفة أعلى وأسمى” .
وفى ذات تاريخ 15 شوال سنة 1365 هجرية الموافق 11 سبتمبر سنة 1946 أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك مصر مرسوماً أخر بتعيين طاهر محمد بك وكيلاً واحداً لمجلس الدولة ومستشارين ونواب ومندوبين به .
ويلاحظ أن أول تشكيل لمجلس الدولة قد خلا من اسم الفقيه الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا لأنه وقت إنشاء مجلس الدولة كان وزيراً للمعارف العمومية فى أكثر من وزارة ابتداء من عام 1945 حتى عام 1949 , وفى ذات عام 1949 عُين رئيساً لمجلس الدولة مباشرة بمرسوم ملكى .
وقد تضمن المرسوم الملكى الصادر فى 11 سبتمبر 1946 أول تشكيل لمجلس الدولة بموجب المادة (1) منه تعيين طاهر محمد بك ، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية الوطنية ، وكيلاً لمجلس الدولة , وكان حينذاك الوكيل الوحيد لمجلس الدولة .
كما تضمن المرسوم المذكور فى المادة (2) منه تعيين (7) مستشارين لمحكمة القضاء الإدارى من خيرة قضاة المحاكم الوطنية حيث عُين مستشاراً لمحكمة القضاء الإدارى كل من المستشارين بالمحاكم الوطنية : زکی خير الأبوتيجي بك ، وأحمد زكي البهنيهي بك ، والدكتور محمد عبد المنعم رياض بك ، والدكتور حلمی بهجت بدوى بك ، والسيد على السيد بك ، ومحمد على راتب بك ، و محمد سامي مازن بك المستشار الملكي المساعد بأقسام قضايا الحكومة.
وبالنسبة لقسم الرأى بمجلس الدولة فقد تضمن تعيين (9) مستشارين وفقا للمادة (3) من المرسوم سالف الذكر , حيث عهد لستة منهم برئاسة ست إدارات فضلاً عن ثلاثة أعضاء , ورؤساء الإدارات هم يعين كل من : 1- محمد على نمازی بك، المستشار الملكي بأقسام قضايا الحكومة , مستشارا الرأي ، و يعهد إليه بالإدارة الخاصة برئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة ووزارتى المالية والتجارة والصناعة , 2- طه السيد نصر بك ، المستشار المالكي بأقسام قضايا الحكومة، مستشارا بقسم الرأي ، ويعهد إليه بالادارة الخاصة بوزارتي الخارجية والعدل ؛ 3- أبو العينين سالم بك، المستشار المحاكم الوطنية مستشارا بقسم الرأي ، و يعهد إليه بالإدارة الخاصة بوزارات المعارف العمومية والزراعة والشئون الاجتماعية , 4- محمد البابلى بك ، مدير المنوفية ، مستشارا بقسم الرأي، ويعهد اليه بالادارة الخاصة بوزارتي الداخلية والصحة العمومية , 5- محمود صابر العقارى بك ، المستشار الملكي المساعد بأقسام قضايا الحكومة ، مستشارا بقسم الرأي ، و يعهد اليه بالإدارة الخاصة مصلحة السكك الحديدية و التلغرافات والتليفونات , 6- محمد الشافعي اللبان بك، مدير عام قسم قضايا وزارة الأوقاف ، مستشاراً بقسم الراي ، ويعهد اليه بالإدارة الخاصة بوزارات الأشغال العمومية والمواصلات والدفاع الوطني .
بينما عُين مستشاراً بقسم الرأى ثلاثة , اثنين قضاة والثالث أستاذ بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول وهم : 1- عبده محمد محرم بك، مدير إدارة المحاكم الوطنية بوزارة العدل ، مستشاراً بقسم التشريع ؛ 2- الدكتور وحيد فكري رأفت ، القاضي بالمحاكم المختلطة ، مستشاراً بقسم التشريع ,3- الدكتور محمد زكي عبد المتعال ، الأستاد بكلية الحقوق في جامعة فؤاد الأول، مستشاراً بقسم التشريع.
وبالنسبة لوظيفة نائب أول بمجلس الدولة , فقد تضمنت المادة (4) من المرسوم الملكى المذكور تعيين (8) هم : حبشی إبراهيم سمرى أفندى ، وإبراهيم يحي بك بأقسام قضايا الحكومة ،و محمد عفت أفندى رئيس مجلس حسبى مصر والمنتدب وكيلاً للتفتيش القضائى بوزارة العدل , وأحمد محمود محمد منصور أفندی ، وأنطون صفير بك ، والسيد ابراهيم الديواني أفندي بأقسام قضايا الحكومة ، وعمر لطفي أفندى القاضى بالمحاكم المختلطقة ؛ وکامل بطرس المصرى افندى بأقسام قضايا الحكومة.
وبالنسبة لوظيفة نائب من الدرجة الأولى بمجلس الدولة , فقد تضمنت المادة (5) من المرسوم الملكى تعيين (7) أعضاء من المحاكم الوطنية وأقسام قضايا الحكومة بوظيفة نائب من الدرجة الأولى هم :1- عبد الله فكری كشك بك ، 2- على على أبو الغيط أفندى ، 3- محمد ذهنی أفندى ، 4- وديع زکی أفندى ، 5- يوسف مرقس حنا أفندى ، 6- حامد عبد الكريم أفندى ، 7- عبد العزيز خير الدين أفندى .
أما بالنسبة لوظيفة نائب من الدرجة الثانية بمجلس الدولة فبمقتضى المادة (6) من المرسوم سالف البيان تم تعيين (9) من أقسام قضايا الحكومة والمحاكم الوطنية ووكلاء النائب العام بالمحاكم الوطنية هم : 1- فرنسيس بطرس افندى , 2- محمد د وصفي أباظة افندی ، 3- الدكتور عبد الحكيم عبد الحميد فراج ,4- محيي الدين محمد حسن افندي , 5- عبد الرحمن محمد نصير افندی، 6- على ابراهيم بغدادی افندی ، 7- طه عبد الوهاب افندی , 8- الدكتور أحمد موسى، 9- سعد كامل افندي.
وبالنسبة لوظيفة مندوب من الدرجة الأولى بمجلس الدولة فبموجب المادة (7) من المرسوم سالف الذكر تم تعيين (17) من أقسام قضايا الحكومة والمحاكم الوطنية وعضو بلجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب وعضوين مفتشين بوزارة الداخلية فى وظيفة مندوب من الدرجة الأولى هم : 1- منير حنين المصرى أفندى , 2- محمد نصر الدين أباظة افندي ، 3- فتح الله فهيم عبد الكريم الصفتى افندي , 4- على رفعت بركات افندي ، 5- عبد الغني عبد الجليل أبو سمرة افندي ، 6- محمد السعيد خضير افندی ، 7- عبد الفتاح حسن افندی ، 8- محمود محمد ابراهيم افندی ، 9- حسن السيد أيوب افندي ، 10- وهبه البدوى افندي ، 11- محمد المكاوي أحمد الشيخ افندي ، 12- محمد توفيق الغودی افندي ، 13- أحمد رجائي العشماوى افندی ، 14- أحمد حمدى صفوت افندي ، 15- عبد الجليل الشافعي افندي ، 16- عبد المجيد السيد نصر افندی ،17- أحمد فهمى عليان الببلاوى افندى .
وفى وظيفة مندوب من الدرجة الثانية بمجلس الدولة فوفقاً للمادة (8) من المرسوم الملكى المذكور عُين (21) عضوا من المحاكم الوطنية وأقسام قضايا الحكومة وهم : 1- محمد تاج الدين يس افندى 2- عبد المنعم سالم مشهور افندی ، 3- محمد شلبي يوسف افندي ، 4- حسنی جورجی غبريال افندي ، 5- خيرى المصرى افندي ، 6- محمد زکی موسی جاد الله افندي , 7- منير أمين دله افندي ،8- محمد أبو نصير افندى ، 9- لبيب مسيحه حنا آفندی ، 10- جبرائيل بطرس افندي ، 11- إبراهيم نور الدين افندی ، 12- على محسن مصطفى افندى ،13- حسن حسني افندي ، 14- مصطفى المرجوشى افندي ، 15- محمد حمدي عبد الله البشرى افندي ، 16- مهنى عطا الله المنقبادی افندی ،17- محمود مختار افندی ، 18- خليل شنياره افندي ، 19- محمد محمد عباس افندی ، 20- الفتاح بيومی نصار افندى ، 21- عوضين إبراهيم الألفي افندی .
وبالنسبة لوظيفة مندوب من الدرجة الثالثة فئة (أ) بمجلس الدولة فقد عُين (12) عضواً وفقا للمادة (9) من المرسوم الملكى سالف الذكر بأقسام قضايا الحكومة وواحد وكيل النائب العام بالمحاكم الوطنية وأخر أستاذ بكلية الحقوق ببغداد وهم : 1- محسن عبد الحافظ محمود افندى 2- عادل عزيز زخاری افندي ، 3- محمود محمد لطفي افندي ,4- عبد الفتاح محمود حسن افندي ، 5- محمد حسنى المشاوى افندي ، 6- ضياء الدين عارف افندی الأستاذ بكلية الحقوق ببغداد ؛ 7- عبد المجيد أمين مصطفى مازن افندى ، 8- محمد عبد الفتاح خيرت راضی افندی ، 9- يوسف كمال عبد الغني المهيلی افندی ،10- حسنين رفعت محمد حسنين افندی ، 11- حسن محمد نور الدين افندي ، 12- محمد نيازی افندي .
وفى وظيفة مندوب من الدرجة الثالثة فئة (ب) بمجلس الدولة – وهى أخر درجة فى القانون القديم – فقد عُين (21) عضواً وفقا للمادة (10) من ذات المرسوم الملكى بأقسام قضايا الحكومة وهم : 1- محمد عبد الرازق سری افندی ، 2- حامد السيد حندوسة افندي , 3- أحمد على ابراهيم البحراوى افندى ، 4- أحمد كمال أبو الفضل افندي ، 5- محمد عبد الخالق مذکور افندى ، 6- لطفی نجيب عبد الله افندی ، 7- محمد زکی هاشم افندي ، 8- محمد عبد الجواد حسين افندي ، 9- مصطفی فتحی مصطفی افندی ، 10- حسين كامل محمد كامل افندي ، 11- مراد عثمان حسنی افندي ، 12- عثمان عبد الحليم عثمان افندی ، 13- محمد ابراهيم فهمى السيد افندي ، 14- أحمد محمود فهمي الكاشف افندى ، 15- ابراهيم حسين صالح خليفه افندي ، 16- صادق حسن محمد مبروك افندي ،17- على لبيب حسن افندی ، 18- أحمد فؤاد عبد الوهاب أبو العيون افندي ، 19- رضا عبد القادر عبد الرازق افندي ، 20- جمال الدين حسين أحمد علما افندي ، 21- حسين صالح عبد المجيد أفندی.
وقد كان تدرج درجة مندوب بالفئات الثلاث قائمة وقت صدور القانون الأول لمجلس الدولة عام 1946 وتم تعديلها بالقوانين اللاحقة لتصبح درجة واحدة دون فئات .
ثانياً : سبب سمعة مجلس الدولة العلمية وتميزه عن نظرائه فى دول العالم هو اختيار جهابذة القانون فى عصرهم
ويقول الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى أن سبب سمعة مجلس الدولة العلمية وتميزه عن نظرائه فى دول العالم هو اختيار جهابذة القانون فى عصرهم , هؤلاء هم الرعيل الأول لمجلس الدولة منذ إنشائه عام 1946 من ذوى العلم والفضل والباقة العطرة الزاهية وهم شوامخ عالم الفكر القانونى , كانوا من رواد وعباقرة القانون فى العالم العربى , وقاموا بالبناء الفكرى لقواعد القانون الإدارى فى مصر ,وأرسوا دعائم اللغة القانونية الرصينة الأديبة للقضاء الإدارى الذى نشأ وولد عملاقاً على أيديهم , وقدموا للأبناء والأحفاد مبادئ فى الفكر القانونى الرفيع , وتركوا للخلف خير ميراث يتركه سلف لخلف عماده الحق والعدل , وقد غابوا عن هذه الدنيا لكن ما غابت ذكراهم مستقرة فى وجدان أهل العلم , هذا الميراث هو التراث العظيم الرفيع القدر والمقام تنهل منه أجيال متلاحقة تربوا على هذه العبقرية الفذة واستلهموا من روحها , واستظلوا بعدلها واستناروا برقيها , واستكملوا البناء وأضافوا إليه ما تحتاجه البيئة الحديثة من فكر .
وقد حافظ المجلس على انتقاء أعضائه من أوائل القانون فى كل جيل ليعلو صرح مجلس الدولة المصرى بين الأمم عدلاً ويقيناً وحقاً وصدقاً , فإن كان العدل أساس الحكم فالقضاء مصدر هذا العدل لأنه القِبلة لكل مظلوم من ضياع الحقوق وهو الملاذ لكل مستضعف مهضوم جارت عليه الإدارة بسلطانها فساءت استعمالها وصدها عن غيها قاض عادل أقام ميزان العدل , فالعدالة – على حد التعبير الفرعونى البليغ – هى خبزنا ونحن نشرب دائماً من نداها .
وسوف نعرض غداً للجزء الثانى من هذه الدراسة الفريدة .
الجزء الثاني من دراسة المستشار خفاجى اليوبيل الماسى لمجلس الدولة :
فى دراسة توثيقية تاريخية وحيدة لليوبيل الماسى لمجلس الدولة بمرور (75) عاماً على إنشائه , تفتح الجمهورية الجديدة فى عهد الرئيس السيسى كنوز اليوبيل الماسى لمجلس الدولة فى السيادة الوطنية , تحكى دوره الوطنىالغائب ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم ثورة 1952للمفكر والمؤرخ القضائى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى فى مؤلفه بعنوان : ” الغائب فى اليوبيل الماسى لمجلس الدولة تاريخ ومواقف : التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة فى السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصرى ” وهى الدراسة التى حظيت بالاهتمام الوطنى للدولة , ونعرض لها لأهميتها التوثيقية المتفردة فى حياة الأمة المصرية .
ونعرض للجزء الثانى من تلك الدراسة لأسس التحكيم الدولى الحمائية ضد الاحتلال البريطانى عن القتلى من المتظاهرين وللتاريخ فإن أول فتوى فى تاريخ مجلس الدولة استغرقت 11 يوماً فى فبراير 1947 عن التحكيم بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية عن مقتل 42 مصرياً بمظاهرات الإسكندرية والقاهرة وإصابة 494 أخرين , ومقتل إثنين من قوات الاحتلال البريطانى والحل العبقرى من الأجداد الأوائل ( هيئة تحكيم ثلاثية من مصر وبريطانيا والثالث بمعرفة رئيس محكمة العدل الدولية) على النحو التالى :
يقول القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى أول وثيقة لمجلس الدولة أن حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء محمود فهمى النقراشى باشا – الولاية الثانية – طلب من إدارة الرأى لرئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبةووزارتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الدولة فى كتابه رقم1-1/165 المؤرخ في 13 فبراير سنة 1947 بشأن اقتراح الحكومة البريطانية الالتجاء إلى التحكيم على طريقة معينة في أمر الخلاف القائم بينها وبين الحكومة المصرية في موضوع المطالبةالمقدمة منها للحصول على تعويض عن الحوادث التي وقعت بالإسكندرية في 4 مارسسنة 1946 و 21 فبراير 1946 بالقاهرة فى مظاهرات الطلاب والعمال ضد الاحتلال البريطانى والتى نجم عنها قتلى من الطرفين مقتل 42 مصرياً بمظاهرات الإسكندرية والقاهرة وإصابة 494 ومقتل إثنين من قوات الاحتلال البريطانى.
وأضاف الدكتور محمد خفاجى أن رئيس إدارة الرأى لرئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبةووزارتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الدولة حينذاك هو المستشار محمد على نمازى بك الذى ورد فى كتابه رقم 1/34/1-102 بتاريخ 24 فبراير 1947 أى بعد 11 يوماً فقط وهو ما يدل على أن مجلس الدولة ولد منذ البداية على الإنجار وسرعة البت فى الموضوعات بالقدر الذى يكفل تأصيل المسألة من جوانبها القانونية فى بحث مستأنى تحكمه الريث , وليس استعجالاً ينقصه أصول العلم القانونى الرصينكما تستسهل الأجيال الحالية , وأن الأجداد الأوائل عايشوا ميلاد القانون الدولى وأضافوا إليه من الأمانى القومية ما أصبح نهجاً دولياً تفخر به مصر في مسئولية الدول.
ويشير دكتور محمد خفاجى كانت وقائع هذاالموضوع بأكمله تتلخص – وكما يرويها كتاب رئيس إدارة الرأى المستشار محمد على نمازى بك إذ أنه أعدها بمفرده وهذا ما يبين من أسلوب مخاطبة صاحب الدولة رئيس مجلس الدولة بأسلوب المفرد العائد عليه – في أنه في صباح يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 انتظم طلبةالجامعة المصريةوالمدارس الثانويةوغيرها من معاهد العلم , وكذلك طوائف من العمالفي مواكب على هيئة مظاهرات سلمية سارت في شوارع مدينة القاهرة معبرة عنالأماني القومية وظلت الحالة هادئة إلى الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسةوالأربعين مساء تقريباً حيث حدث في ذلك الوقت أن كانت بعض السيارات الحربيةالبريطانية في طريقها من شارع القصر العينى إلى ميدان الإسماعيلية .
وفي المسافةبين مبنى الجامعة الأمريكية وثكنات الإسماعيلية اقتحمت صفوف المتظاهرين فأصابتعدداً من الأشخاص نقلوا إلى مستشفى القصر العينى , وثبت من الفحص الطبيوالتشريح لجثث من قتل أن أحدهم توفی فعلا نتيجة مصادمة سيارة , وقد كان هذاالحادث العارض السبب في إثارة شعور المتظاهرين وفي انتقال الحالة فجأة من الهدوءإلى الاضطراب الذي صاحبه وزاد من حدته إطلاق الرصاص على المتظاهرين من أفرادالقوات البريطانية الموجودين في المعسكر المقام على الأرض المعروفة بسرایالإسماعيلية ومن ثكنات قصر النيل , وترتب عليه إصابة عدد من الأشخاص يناهزالخمسين ومع تلك الظروف الطارئة نتيجة تصرف سئ من أفراد القوات البريطانية تمكنرجال البوليس المصري من اتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة الحالة إلى طبيعتهاالهادئة .
وفي يوم ۲۲ فبراير سنة 1946 قابل الوزير المفوض في السفارة البريطانية دولة رئيس مجلس الوزراء وطلب شفوياً العمل على معاقبة من ارتكبوا الجرائم ودفعتعويض عن الإتلاف والخسائر التي وقعت ومعرفة الإجراءات التي تنوي الحكومة المصرية اتخاذها لصيانة واستتباب النظام ثم أرسلت السفارة البريطانية كتاباً في ۲۳فبراير سنة 1946 تكرر فيه ما تقدم إبلاغه شفويا .
وفي ۲۳ فبراير سنة 1941 أرسل دولة رئيس مجلس الوزراء المصرى رداً إلى السفارةالبريطانية – نراه فى كرامة وكبرياء – أشار فيه إلى دهشته من لهجة التبليغ البريطاني وإلى أنه قد مضت خمسساعات من بدء قيام المظاهرات السلمية دون وقوع أية حادثة , وأن الحوادث التي وقعتفي يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 إنما كانت نتيجة لحادث سيارات النقل التابعة للجيشالبريطاني ولإطلاق الرصاص من الجنود البريطانيين على الجماهير رغم أنه في اليومالسابق لهذه الحوادث قد تم الاتفاق بين السلطات البريطانية والمصريةعلى تفادي مروررجال الجيش البريطاني في اليوم المذكور , ومع ذلك فإنه يصرح بأنه مما لا شك فيه أنالحكومة المصرية ستتخذ الإجراء اللازم لمعاقبة الأشخاص الذين ثبتت إدانتهم فيالجرائم أو الجنح التي وقعت خلال حوادث يوم ۲۱ فبراير سنة 1941 وإنه من المحقق أنما سيسفر عنه التحقيق القضائي من إتلاف و تخریب ستدفع عنه التعويضات اللازمةلمن حاقت بهم أضراراً.
ثم أرسل دولة رئيس الوزراء کتاباًأخراً إلى السفارة البريطانية في ۲۹ فبراير سنة 1946 کرر فيه أن حوادث الاعتداء إنما كانت تالية لما حدث من السيارات البريطانيةوإطلاق الرصاص على المتظاهرين , وأن وجود المنشآت العسكرية البريطانية في جميعأحياء القاهرة والإسكندرية يجعل من العسير معه اجتناب الاحتكاك بين السكانوالجنود , وبالرجوع إلى بيان عدد المصابين والقتلى في حوادث يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 يتضح أن ما حدث من تصرفات أفراد القوات البريطانية قد أدى إلى قتل خمسة عشرشخصاً وإصابة أربعة وتسعين .
وفي مارس سنة 1946 قامت بالإسكندرية من الساعة التاسعة صباحاً مظاهراتسلمية واستمرت الحالة هادئة وكان رجال البوليس يتخذون الإجرامات المناسبةللمحافظة على الأمن ولتفرقة المتظاهرين دون أن يقع من هؤلاء الأخيرين أي اعتداء , غير أن المتظاهرين لاحظوا أن فندق الأطلانتيك يرفع علم البحرية البريطانية وقد أشارأحد الضابطين البريطانيين القائمين على أمر هذا الفندق أنه استطلع رأى الرؤساء فيماإذا كان يمكن رفعه في ذلك اليوم الذي كان محددا من قبل لإبداء مظاهر الحداد فأجابوهبرفعه – وكان رفع هذا العلم في ذلك اليوم مما أثار المتظاهرون وزاد في ثائرتهم إطلاقالرصاص عليهم من العمارات التي يقيم بها أفراد القوات البريطانية مما أدى إلىسريان الإشاعات بينهم عن مقتل البعض منهم نتيجة لإطلاق هذا الرصاص , وعندماقذف بعض المتظاهرين كشك البوليس الحربي البريطاني في ميدان سعد زغلول بالطوبقابلهم الجنود البريطانيون داخل الكشك بإطلاق الرصاص من المترالیوز باستمرار ووقعالكثير من المتظاهرين مصابين نتيجة لذلك , وحينئذ شرع المتظاهرون فجأة في مهاجمةهذا الكشك واشعال النار فيه . فقامت قوات البوليس والجيش المصرى بكل ما فياستطاعتها لإنقاذ أفراد القوة التي بالمخفر وتمكنت من إنقاذ ثلاثة منهم واخراج اثنينشقاطريقهما وسط المتظاهرين دون الانضمام إلى إخوانهم السابقين واستمر أحدهمايطلق النار على المتظاهرين , مما دعى إلى وقوع التصادم بينهما وبين المتظاهرين وكانتنتيجة ذلك إصابتهما بما أدى إلى وفاتهما .
وقد أرسلت السفارة البريطانية إلى دولة رئيس مجلس الوزراء في ۱۸ مارس سنة 1946 احتجاجاعما وقع في حادث 4 مارس سنة 1946 السالف الذكر أشارت فيه إلى أن عجز ولاة الأمور هو الذي أدى إلى قتل جنديين بريطانيين , وقد أجاب دولةرئيس مجلس الوزراء بكتابه المؤرخ ۳۳ مارس سنة 1946 بأن القوات المصرية قد أدتواجبها على صورة يستحيل معها اتهامها باللين أو التسامح وأن المشكلة الحقيقيةالتي هي مصدر المتاعب كلها محصورة في وجود القوات البريطانية في البلاد , مع أنالأمة كلها ترغب في أن ترى تلك القوات تنسحب خصوصاً وقد انقضى ما يزيد علىالسنة من وقف القتال.
وتبين من تقرير رئاسة نيابة الإسكندرية المحرر في ۲۰ مابو سنة 1946 أن عددمن قتل من المصريين بلغ ۲۷ شخصاً من بينهم نساء وأطفال وجرح من المصريين 342 شخصاً عدا كثيرين أصيبوا ولم يتقدموا لتوقيع الكشف عليهم مما يجعل عدد المصابينيربو على أربعمائة شخص.
وفی ۷يونية سنة 1946 أرسلت السفارة البريطانية كتاباً أرفقت به تقریرین محررين بمعرفة السلطات البريطانية يشيران إلى أنه كان من الممكن إنقاذ حياة الجنديينلو أن قوات البوليس والجيش المصري تصرفت بحزم أو همة , وقد أجاب دولة رئيسمجلس الوزراء على ذلك في ۲۰ يونيو سنة 1946 بكتاب أرفق معه صورة من تقريررئيس نيابة الإسكندرية ومن تقرير النائب العام وقد تضمن بياناً وافياً للوقائع الثابتةمن التحقيق القضائي وأوضح في كتابه أن مسئولية الحوادث تقع على عواملالاستفزاز التي أثارها رجال القوات البريطانية , وأنه يخالف للأسباب الموضحة فيالكتاب وفي تقريري النيابة العمومية وجهة نظر الحكومة البريطانية في شأن اعتبارالسلطات البريطانية مسئولة عن مقتل هذين الجنديين أو التزامها بأي تعويض عنهما .
وقد عادت السفارة البريطانية وأرسلت كتاباً في 7 أكتوبر سنة 1946 أشارت فيه إلى عدم موافقتها على أن رجال الأمن في مصر قد اتخذوا التدابير الكافية لحمايةأرواح رجال البوليس الحربي البريطاني المشار إليهم , ونفت وقوع أية مسئولية من جانبهم , وأنهم لم يطلقوا النار إلا دفاعاً عن النفس ولذلك فإن الحكومة البريطانية تطالبرسمياً بالتعويض عن مقتل رجلى البوليس الحربي , وأشارت إلى أن رئيس الوزراء قداقترح شفوياً أنه قد يمكن تعيين رجلين من رجال القانون من قبل الحكومتين ليجتمعاويفحصا كافة الوثائق التي يمكن الوصول إليها ويراجعا الوثائق التي أدت بكل منالحكومتين إلى اتخاذ موقف معين في هذا الأمر , وذلك للوصول إلى أحكام يتففانعليها بناء على وقائع القضية , وأن الحكومة البريطانية ترى أنه من الأفضل التوسع فيهذا الاقتراح واتخاذ تدابير من شأنها تسوية النزاع بصفة نهائية , أي أن النزاع ينبغي أن يحال إلى حكم واحد محايد رفيع الشأن قد تتفق الحكومتان على تعيينه أو عوضاً عنذلك لو استحال تنفيذ هذا الاقتراح يعين من قبل رئاسة محكمة العدل الدولية , وأنالحكومة البريطانية لتفترض أن الحكومة المصرية لا ترغب في أن يتخذ هذا الحادثأهمية مبالغاً فيها فيما لو رفع الأمر بالفعل إلى محكمة العدل الدولية ذاتها .
وفي ۱۲ يناير سنة 1947 أرسلت السفارة البريطانية مذكرة أشارت فيها إلىأنها سبق أن سلمت في ۱۸ يوليو سنة 1946 إلى صدقي باشا عندما كان رئيساً للوزارة ملخصاً عن قوائم بالمطالبات المالية التي قدمها مدنیون بريطانيون بخصوصالاضطرابات التي حدثت في نوفمبر سنة 1945 وفي شهر فبراير ومارس سنة 1946 , وأنه في 31 أكتوبر سنة 1946 كتب المستر بوكر لإسماعيل صدقى باشا- إبان ولايته – خطاباً وبعث بقوائم أخرى بالمطالبات عن أضرار وقعت في نفس هذه المناسبات على أشخاص منالعسكريين , كما استعلم عن مدى ما وصل إليه بحث المطالبات التي قدمت في ۱۸ يوليو وأشارت السفارة البريطانية إلى أنها لم تتلق جواباً على تلك المسائل .
وفی ۲۱ يناير سنة 1947 أرسلت السفارة البريطانية كتابا تشير فيه إلى أنها لمتتلق بعد رد الحكومة المصرية على اقتراح التحكيم السابق إيضاحه بكتابها المؤرخ في 7 أكتوبر سنة 1946
وإني ألاحظ – والكلام على لسان المستشار محمد على نمازى بك رئيس إدارة الرأى المذكورة ورأينا فهمه لقمة قواعد القانون الدولى العام فى بداياته – من الوجهة القانونية أنه لا تترتب قبل الدولة أية مسئولية دولية مالم تكن قد أخلت بواجب من الواجبات الدولية المفروضة عليها وتلك المسئولية لا تنشأإلا بين دولة ودولة حكمها في ذلك حكم العلاقات الدولية عامة , فيخرج بهذا أيةالمسئولية تنشأ بين الدولة والأفراد إذ المرجع في ذلك الحكم القانون الداخلى لا القانونالدولي العام , وعلى أية حال فلا مسئولية ما لم يثبت وقوع عمل خاطئ أو غير مشروعمن الدولة.
وفيما يتعلق بمسئولية الدولة عن الأضرار التي تحدث نتيجة للمظاهراتوالاضطرابات وتلحق بالأجانب المقيمين في أرضها فالأصل إنما هو تقرير عدم مسئوليةالدولة عن تلك الأضرار باعتبار أن جميع الأعمال التي تقوم بها لحفظ الأمن تعتبر منالأعمال المتعلقة بسيادة الدولة وأن مطالبتها بتعويض في هذه الحالة يعتبر إجراءً ماساً بأعمال السيادة ,إلا أنه يؤخذ في الاعتبار دائما عند بحث مدى مسئولية الدولة إثباتوقوع تقصير في بسط حمايتها على الأجانب المقيمين في بلادها استناداً إلى أن ذلكيمكن أن يعتبر عملا خاطئا صادرا من جانبها.
وأساس مسئولية الدولة في هذه الحالة إنما ثبوت التقصير الفاحش من جانبها فياتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع وقوع الضرر بالقدر المستطاع وفی تعقب الجانين الذينقاموا بارتكاب أفعال مخالفة للقانون ألحقت ضررا بالأجانب , ومن ثم فإن مجرد وقوعالضرر لا ينهض أساساً للمسئولية ما لم يكن ناتجاً عن إهمال جسيم , بل ينفي عنالدولة المسئولية قيامها باتخاذ الإجراءات المناسبة , ومدى الإجراء المناسب مرجعه طبيعةالحالة وما أحاط بها من الملابسات أو تداخل من عوامل فجائية , إذ لا يمكن مطالبةالدولة باتخاذ المستحيل بل ينحصر واجبها في اتخاذ الإجراءات الممكنة , ومن ادعیمسئولية الدولة في مثل هذه الأحوال فعليه اللجوء إلى القضاء إذا شاء.
وقد أتيح للدول فرصة مناقشة المذاهب المختلفة في مسئولية الدول عند اجتماعهاسنة ۱۹۳۰ بناء على دعوة عصبة الأمم في مؤتمر تجميع قواعد القانون الدولي العامالخاص بمسئولية الدول عما يصيب الأجانب المقيمين على الإقليم من ضرر فيأشخاصهم وأملاكهم , وقد ناقش أعضاؤه مختلف المبادئ والنظريات المتعلقة بالمسئوليةالدولية في هذا الصدد , واكتفي بتدوين المبادئ التي تم الاتفاق عليها على شكلمواد , وقد نصت المادة العاشرة على أنه: فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق بأجانب منعمل الأفراد لا تكون الدولة مسئولة إلا إذا كان الضرر اللاحق بالأجنبی ناشئاً عنتقصير الدولة في اتخاذ ما تستلزمه الحالة من الإجراءات لمنع وقوع العمل الذي سببالضرر أو إصلاحه أو توقيع العقوبة على فاعله.
إلا أنه يلاحظ أن الكثير من الدول مع تمسكها بالمبدأ الخاص بعدم وجود أي التزامقانونی بالتعويض ترى في بعض الحالات منح تعويضات بباعث من العطف والرحمة أوالداعی المجاملات السياسية, وقد سارت مصر فعلا في أكثر من مناسبة على صرفتعويضات من باب العطف والمساعدة كما تفعل في حالات الكوارث والنوازل العواملالتي ترى التدخل فيها للتخفيف من أثر الأضرار , وأحدث قرار أصدرته في هذا الشأنقرار مجلس الوزراء الصادر في سنة 1935 وقد جاء فيه أن الوزارة لا تسأل قانوناً عنالتعويضات في مثل هذه الظروف , غير أن المجلس یری من باب الإحسان تشكيل لجنةالنظر هذه التعويضات وقد حدث مثل ذلك في سنة ۱۹۳۰ على إثر الحوادث التيوقعت في الإسكندرية والقاهرة وقد أصدر مجلس الوزراء قراراً في 14 سبتمبر سنة۱۹۳۰ بتشكيللجنة لفحص ما يقدم من الطلبات في هذا الصدد والفصل فيهابالرفض أو تقدير التعويض المناسب على الأسس المحددة في ذلك القرار , وقد جاء به أنالحكومة ليست مسئولة في الحق والقانون عن تعويض ما حصل من الضرر في تلكالحوادث , والواقع فوق ذلك أن ما بذله رجال الحكومة من الجهد الشديد وما اتخذوه منتدابير الحيطة والمحافظة على النظام كان له أفضل الأثر في اتقاء كثير من الأضرار , وفي تخفيف ما لم يكن ثمة سبيل إلى اتقائه من الأخطار , غير أنه يحسن مع ذلك أنتنظر الحكومة على سبيل التعطف والرأفة في أمر التعويض على من حصلت لهم أضرارفي سباق تلك الحوادث , وقد جرت الحكومة في الحالات المتقدمة على غرار ما اتبع عقبحوادث سنة ۱۹۱۹ من تشكيل لجان وكل إليها النظر والفصل في طلبات التعويضعن الحوادث المذكورة .
وبتطبيق المبادئ القانونية والدولية المتقدم بيانها على وقائع حوادث ۲۱ فبراير ومارس سنة 1946 يتضح عدم وجود تقصیر من جانب السلطات المصرية, وبالتالي لا يمكن القول بوجود أية مسئولية على الدولة يترتب معها وجود التزام قانونیبالتعويض عن الأضرار التي تكون قد لحقت بالأجانب الموجودين في مصر دون تفرقةبين جنسياتهم ولمن لحقه ضرر أن يلجأ إلى المحاكم المصرية في هذا الصدد إذا شاء , أما أمر صرف منحة فمتروك لتقدير الحكومة على ضوء ما قد تراه من اعتبارات مبناهاالعطف وروح المساعدة.
ولذلك فإني لا أرى مطلقا ما يبرر اعتبار مطالبة مثل هؤلاء الأفراد المتصفینبالجنسية البريطانية أو بغيرها من الجنسيات محل تحكيم دولي لأنه كما سبق إيضاحهمن مبادئ القانون الدولي تعتبر العلاقة بين الدولة وهؤلاء الأفراد محكومة بقواعدالقانون الداخلى لا القانون الدولي العام فالجهة التي يحتكمون إليها للمطالبة بتعويضفي المحاكم المصرية وحدها, ولا تترتب في مثل هذه الحالات مسئولية دولية تخضعللتحكيم الدولي إلا إذا حصل إنكار للعدالة بعد استيفاء جميع طرق الإجراءاتالقضائية déni de justice.
على أنه يلاحظ بهذه المناسبة أن دولة رئيس مجلس الوزراء السابق قد أشار فيكتابه للسفارة البريطانية في ۲۳ نوفمبر سنة 1946 إلى أنه من المحقق أن ما سيسفرعنه التحقيق القضائي من إتلاف و تخریب ستدفع عنه التعويضات اللازمة لمن حاقت به أضرار , ثم أبدى في بيانه بمجلس النواب عن هذه الحوادث عند مناقشتها أيام ۲۰و ۲۹ و ۲۷ فبراير سنة 1946, أما دفع تعويضات عن الخسائر مسألة قلنا أن الأحكامالقضائية هي التي تحددها .
أما فيما يتعلق بمطالبة الحكومة البريطانية بالتحكيمفي موضوع مقتل رجلیالبوليس الحربي البريطاني في حادث 4 مارس سنة 1946 فإن النزاع بين الحكومتينالمصرية والبريطانية حول مدى مسئولية الحكومة في هذا الصدد يمكن أن يكون محلتحكيم على اعتبار أنه نزاع بين دولتين وقد أصاب الضرر منه اثنين من رجال الجيشالبريطاني , على أنه فيما يبدو أنه قد وقعت تصرفات خاطئة لا مبرر لها من أفرادالقوات البريطانية في حادث ميدان الإسماعيلية بالقاهرة في يوم ۲۱ فبراير سنة 1946 كانمن نتيجتها قتل واصابة بعض المصريين كما ترتب على مثل هذه التصرفات في 4مارس سنة 1946 بميدان سعد زغلول بالإسكندرية قتل وإصابة البعض الآخر , ومثل هذه التصرفاتقد تدعو المطالبة الحكومة البريطانية بتعويض عن تلك الأعمال الخاطئة التي أدت إلىالأضرار السالفة الذكر , وتلك المطالبة أيضاًمما يصح أن يكون محل تحكيم بين الدولتينباعتبار ذلك موجه من الحكومة المصرية قبل الحكومة البريطانية.
ولذلك فإنی أری – والكلام على لسان المستشار محمد على نمازى بك رئيس إدارة الرأى المذكورة – أنه يجب ربط موضوع هاتين المطالبتين معاً فيما إذا رأتالحكومة المصرية قبول اقتراح التحكيم المقدم من الحكومة البريطانية بحيث يتناولالمحكمون في هذه الحالة بحث مدى مسئولية الحكومة المصرية عن مقتل اثنين من أفرادالقوات البريطانية في 4 مارس سنة 1946 وبحث مدى مسئولية أفراد القواتالبريطانية عن مقتل خمسة عشر شخصاً وإصابة أربعة وتسعين من المصريين في حادث۲۱ فبراير سنة 1946, ومقتل سبعة وعشرين شخصاً وإصابة أربعمائة من المصريين فيحادث 4 مارس سنة 1946.
أما فيما يتعلق بتأليف هيئة التحكيم فيحسن أن تكون من ثلاثة أشخاص تعینكل من الحكومتين واحداً منهم والثالث يتم اختياره باتفاق الحكومتين , فإن لم يتفقااختاره رئيس محكمة العدل الدولية .فإذا وافقتم دولتكم على ما تقدم لى بيانه فإني أتشرف بأن أرفق مع هذا مشروعالرد الذي يمكن إرساله للسفارة البريطانية في هذا الشأن. وقد انتهى كتاب مستشار الدولة محمد على نمازى بك فى 24 فبراير 1947 .
ويختتم الدكتور محمد خفاجى هكذا يمكننا القول , أن فتوى إدارة الرأى لرئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبةووزارتي المالية والتجارة والصناعة بمجلس الدولة التى أعدها المستشار محمد على نمازى بك , فرقت بين حالتين بشأن الأضرار التى تحدث للأجانب المقيمين على الإقليم المصرى بأية صفة ولو كانوا محتلين نتيجة المظاهرات والاضطرابات : الأولىأن العلاقة بين الأجانب المقيمين على الإقليم المصرى يخضعون لقواعدالقانون الداخلى لا القانون الدولي العام , ومن ثم فإن الجهة التي يحتكمون إليها للمطالبة بالتعويض هى المحاكم المصرية وحدها, ولا تترتب في مثل هذه الحالات مسئولية دولية تخضعللتحكيم الدولي.والثانية أن يكون النزاع بين الحكومتينالمصرية والبريطانية حول مدى مسئولية الحكومة في هذا الصدد يمكن أن يكون محلتحكيم على اعتبار أنه نزاع بين دولتين يخضع لأحكام القانون الدولى العام عن طريق التحكيم الدولى .وفى ذلك تمييز دقيق بين قواعد التحكيم الدولى وقواعد القانون الدولى العام وسريان القانون الداخلى على كل من يقيم فوق الأراضى المصرية .كما يدل أيضا على معايشة القاضى الإدارى لحركة تطور القانون ولو على المستوى الدولى حينما تعرض للمذاهب المختلفة في مسئولية الدول عند اجتماعهاسنة ۱۹۳۰ بناء على دعوة عصبة الأمم في مؤتمر تجميع قواعد القانون الدولي العامالخاص بمسئولية الدول عما يصيب الأجانب المقيمين على الإقليم من ضرر فيأشخاصهم وأملاكهم وأصبح نهجاً دوليا قرره القاضى الإدارى المصرى الأول .
ونعرض غدا للجزء الثالث من تلك الدراسة التوثيقية المتفردة