قال الشيخ عبدالرحمن اللاوي ، الأمين العام للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف بسوهاج إن بعض العلماء عرف اليتيم في اللغة هو من فقد أباه قبل البلوغ وهو الصغير الفاقد للأب من الإنسان وفاقد الأم من الحيوان واليتيم من الأشياء هو الفريد من بينها فيقال هذا عمل يتيم أي لا نظير له
ولكن اليتيم في اصطلاح الفقهاء هو من فقد عائله وهو الأب ولم يبلغ سن الرشد سواء أكان ذكرا أم أنثى ويكون الرشد ببلوغ الحلم وذلك ما اتفق عليه جمهور الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام علي كرم الله وجهه : ” لا يتم بعد احتلام ”
منهج فريد
ولا يخلو أي مجتمع من البشر من يتيم وهذا اليتيم له حقوق على وصيه ومجتمعه الذي يعيش فيه لذلك جاءت شريعة الإسلام بمنهج فريد من نوعه في الوصية باليتيم من حسن في الكفالة والرعاية و المعاملة قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله علي وسلم : “فأما اليتيم فلا تقهر” ولقد لام الله تعالى أولئك الذي لا يحسنون إلى اليتيم ولا يكرمونه فقال تعالى ” كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ” الفجر(17) وقال أيضا : ” فذلك الذي يدع اليتيم” الماعون (2) أي يدفعه بعنف وجفوة. يقول بعض العلماء وحاصل الأمر في دع اليتيم أمور : أحدها : دفعه عن حقه وماله بالظلم . والثاني : ترك المواساة معه والثالث : يزجره ويضربه ويستخف به
وجاء الإسلام واليتيم يعامل معاملة سيئة وينظر إليه نظرة مهينة فرفع الإسلام قدر اليتيم وأعلى قيمته وحفظ له كرامته وإنسانيته في مجتمعه الذي يعيش فيه فأخذ بيده من أوحال الذل والبؤس والهوان حتى لا تتلقفه آيادي الانحراف والتشرد و الضياع وهذه اصفات السيئة التي لاتنعكس سلبا على اليتيم فحسب بل تنعكس على المجتمع كله
وقال تعالى : “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ ..” البقرة (220) وجاء الإسلام ليعلم البشرية الرحمة واللطف واللين مع اليتيم فقال صلى الله عليه وسلم : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لا يُعَذِّبُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَحِمَ الْيَتِيمَ ، وَلانَ لَهُ فِي الْكَلامِ ، وَرَحِمَ يُتْمَهُ وَضَعْفَهُ….” وبلغت وصية الإسلام باليتيم حتى رفع شأن البيت الذي فيه يتيم يكرم فقال صلى الله عليه وسلم : “أَحَبُّ الْبُيُوتِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُكْرَمُ ” .
كفالة اليتيم
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه : ” خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه”. وورد أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه قال :” أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ ” . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : ” ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ” . وورد أيضا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ , كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ , وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ , كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ ” , وقَرنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .
ولقد دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كفالة اليتيم وبين لنا ثواب هذا العمل الإنساني العظيم فقال صلى الله عليه وسلم : ” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا ” . [قال ابن بطال : حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا : أنا أول من يفتح باب الجنة ، إلا أني أرى امرأة تبادرني ، فأقول لها : ما لك ومن أنت ؟! فتقول : أنا امرأة قعدت على أيتام لي .
مال اليتيم
وإذا كان اليتيم غنيا فعلى وصيه أن يراعي الله في ماله وأن يحسن له فيه التصرف قال تعالى : وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ …” الأنعام 152 يقول بعض العلماء : على كافل اليتيم الغني أن يستعفف إذا كان غنيا وأن يأكل قدر حاجته إذا كان فقيرا قال تعالى : ” وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ ..” النساء 6 وورد أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَيْسَ لِي مَالٌ ، وَلِي يَتِيمٌ ؟ فَقَالَ : ” كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ ، غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَذِّرٍ ، وَلَا مُتَأَثِّلٍ مَالًا ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ تَقِيَ مَالَكَ ” .ومعنى متأثل أي جامع
وعلى الوصي أن يحافظ على مال اليتيم بالاستثمار والتجارة فيه حتى لا تأكله الزكاة. فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة” وقد ثبت هذا من كلام سيدنا عمر رضي الله عنه : :اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة”
وليحذر كافل اليتيم الغني قول الله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا “النساء 10