الغاز المصري.. يبدو أن الدول الاوروبية مقبلة على أزمة طاقة مع حلول فصل الشتاء مردها نقص الامدادات في كميات الغاز الطبيعي، التي تورد إليها من جانب روسيا وهو ما تسبب في قفزات كبيرة في الأسعار بلغت معها مستويات قياسية تجاوزت معها 900 دولار لكل ألف متر مكعب، وهو أعلى مستوى تبلغه على الإطلاق.
وتواجه القارة العجوز، احتمالات دخول فصل الشتاء بمستودعات غاز غير ممتلئة، بسبب الارتفاع القياسي لأسعار الغاز الطبيعي بالأسواق العالمية وزيادة الطلبـ حيث أن أسعار الغاز مرشحة للارتفاع في أوروبا وذلك بعد أنباء أفادت بأن عملاق الغاز العالمي شركة الغاز الروسية “غازبروم” لم تحجز سعات إضافية لضخ الغاز عبر أوكرانيا إلى أوروبا.
وفي خضم تطورات الأسعار رفعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني توقعاتها لأسعار الغاز الطبيعي للعامين الحالي والمقبل، نظرا للارتفاعات القوية التي حققها أسعار الغاز منذ بداية عام 2021 وانتعاش الطلب القوي من جانب الأسواق الأسيوية ومن أوروبا وسط التحديات التي تواجه الإمدادات الإضافية.
وحذر خبراء في مجال الطاقة من أن الأسعار قد تصل إلى مستوى 1000 دولار لكل ألف متر مكعب، وأشاروا إلى أن عدة عوامل تؤثر على الأسعار منها زيادة الطلب في آسيا والتغيرات المناخية.
أسعار الغاز تواصل ارتفاعها في أوروبا
ومن المتوقع أن تواصل أسعار الغاز ارتفاعها في أوروبا وآسيا ويرجع السبب في ذلك بشكل أساسي إلى الطلب القوي للغاية نتيجة التعافي الاقتصادي بعد حالة الركود والانكماش التي عانى منها الاقتصاد العالمي جراء تداعيات وباء كورونا التي تسببت في خسارة تزيد عن 25 تريليون دولار.
وعن أسباب القفزة الكبيرة في الأسعار في الفترة الماضية، قال خبراء، إن ذلك يعود بشكل أساسي لمخزونات الغاز المنخفضة في أوروبا والشتاء الذي يقترب بسرعة.
ورغم ذلك يتوقع خبراء أن يساهم تدفق الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر مشروع نورد ستريم 2 المعروف بخط “السيل الشمالي-2” عند تشغيله في استقرار أسعار الغاز في أوروبا.
والخط الجديد في انتظار الحصول على التصاريح اللازمة من المنظم الألماني لبدء ضخ الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر هذا الخط.
ويعود سبب نمو سعر الغاز بوتيرة متسارعة في أوروبا لعدة أسباب تتعلق بالمستوى المنخفض من احتياطيات خزانات شمال شرقي أوروبا وحالة الطقس، بالإضافة لعدم اليقين مع إطلاق خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي 2” حتى الآن.
أسعار الغاز في أوروبا
ويشير خبراء إلى أنه من بين عوامل ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، المستوى المنخفض من احتياطيات خزانات شمال شرق أوروبا، إذ تحتوي مرافق التخزين الأوروبية في الوقت الراهن ما بين 10 إلى 15 مليار متر مكعب غاز وهو أقل مما ينبغي لقضاء موسم شتاء مريح.
وكان مسؤولون تنفيذيون أوروبيون في مجال الطاقة، قد حذروا من شتاء صعب، قبل أن ترتفع أسعار الغاز الطبيعي إلى أرقام قياسية، وهو احتمال يثير الإحباط للأسر والشركات التي تتعافى من الجائحة العالمية.
ومع تزايد الطلب وضعف الامدادت توقع خبراء أن تواصل أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا تحطيم كل الأرقام القياسية ومن المنتظر تجاوز هذه المستويات مجددا في المستقبل القريب.
المعروض في السوق الفورية أقل من النصف
وأرجع خبراء تحول أوروبا من فائض في المعروض من الغاز الطبيعي إلى ندرة وتراجع في الاحتياطيات خلال عامين لعدة أسباب منها التنافس بين أوروبا وآسيا على شحنات الغاز المسال ، فمعظم إمدادات الغاز المسال مرتبطة بعقود طويلة الأجل تتوجه إلى آسيا بالمقام الأول، ما يعني أن المعروض في السوق الفورية أقل من النصف.
وتفاقم نقص المعروض مؤخرا مع ارتفاع قوي بالطلب من الصين بعد خروجها السريع من أزمة كورونا إلى جانب مواجهة البرازيل أسوأ جفاف في عقد دفعها لاستخدام الغاز الطبيعي المسال لإنتاج الكهرباء بدلا من توليدها من سدود الطاقة الكهرومائية.
من المقرر أن يواجه أصحاب المنازل والشركات في أوروبا شتاءً صعبًا بسبب زيادة أسعار الغاز الطبيعي القياسية التي دفعت بعض المصانع للتوقف عن العمل، كما أن البرودة المفاجئة ستزيد من الطلب وهو ما يفاقم من الأوضاع بدول القارة.
ويرى خبراء الطاقة أن أزمة أسعار الغاز قد تدفع أوروبا إلى تأجيل أهدافها البيئية لعام 2030 والتي تسعى خلال إلى خفض الاعتماد تدريجيا على الغاز.
ويتوقع الخبراء أن تسهم برودة الشتاء والعواصف الثلجية في أمريكا في زيادة الطلب على الغاز مع تدني مخزون الغاز الأمريكي وهو ما يرفع من أسعار الغاز وزيادة الاعتماد على الغاز الروسي.
مخزونات الغاز الطبيعي في أوروبا
ومع اقتراب موسم تشغيل أنظمة التدفئة في أوروبا في أكتوبر القادم ، تزايدت تحذيرات وكالة الطاقة الدولية بمزيد من الهبوط في مخزونات الغاز الطبيعي في أوروبا التي انخفضت لمستويات كبيرة لم تسجلها في مثل هذا التوقيت منذ أكثر من 10 سنوات.
وأشارت وكالة بلومبرج إلى أن إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب ما زالت محدودة بسبب أعمال الصيانة من منشآت الغاز الطبيعي في النرويج وتركيز عملاق الغاز الروسي “جازبروم” على زيادة مخزوناتها المحلية.
وتقل عمليات ملء مستودعات الغاز الطبيعي في أوروبا حاليا بمقدار 23 مليار متر مكعب عن المعدلات الطبيعية في مثل هذا الوقت من العام.
تفاقم أزمة الامدادات ، دعا عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي إلى ضرورة إجراء تحقيق حول وجود دور لعملاق الغاز الروسي “جازبروم” في الارتفاع الحالي لأسعار الغاز في السوق الأوروبية.
وأشار أعضاء البرلمان الأوروبي أن لديهم شكوكا في وجود عمليات تلاعب في السوق مما أدى إلى وصول الأسعار لمستويات غير مسبوقة.
ضغط سياسي من موسكو على الدول الأوروبية
وفي نفس السياق نقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن أكثر من 40 عضوا بالبرلمان الأوروبي بأن التحركات الأخيرة من جانب الشركة الروسية تثير الشكوك بوجود ممارسة ضغط سياسي من موسكو على الدول الأوروبية لإجبار الساسة الأوروبيين بعدم توجيه الانتقادات لموسكو في العديد من الملفات ومنها الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
ضغوط جازبروم تهدف إلى الحصول على الضوء الأخضر من ألمانيا من أجل التشغيل الفوري لخط أنابيب الغاز الجديد “نورد ستريم2” المثير للجدل والذي سينقل كميات كبيرة من الغاز من روسيا إلى برلين مباشرة تحت مياه بحر البلطيق دون المرور بأراضي أي دولة أخرى.
نقص الامدادات إلى أوروبا قابلها زيادة في إنتاج جازبروم خلال العام الحالي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ حوالي 13 عاما ، ورغم ذلك أعلنت الشركة الروسية الاحتفاظ بأغلب هذه الزيادة في الداخل.
وأشارت وكالة بلومبرج إلى أن شركة جازبروم أبقت على الجزء الأكبر من الإنتاج الإضافي في مستودعات داخل روسيا، حيث تقوم حاليا بتخزين كميات من الغاز الطبيعي تعادل ما تصدره كل يوم إلى أوروبا الغربية.
وبحسب وكالة إنترفاكس الروسية بلغ إنتاج جازبروم من الغاز الطبيعي منذ بداية عام 2021 نحو 357.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بمتوسط إنتاج يومي يصل لحوالي 1.37 مليار متر مكعب وهذا الرقم هو الأعلى منذ 2008.
ومع ذلك ما زالت الصادرات الروسية من الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي أقل من مستوياتها قبل جائحة فيروس كورونا، وهو ما يعمق أزمة الطاقة في هذه الدول.
هو مشروع روسى لمد أنبوبى غاز طبيعى يبلغ طول كل منهما 1200 كيلومتر، وبطاقة إجمالية تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويا ويمتد من الساحل الروسى عبر قاع بحر البلطيق إلى ألمانيا.
وتعتبر شركة غازبروم الروسية العملاقة للغاز التي تسيطر عليها الدولة المساهم الوحيد في المشروع الذي يهدف لتقليل الاعتماد على طرق العبور عبر أوكرانيا التي كان من الصعب التفاوض معها بشكل متزايد بسبب النزاع المسلح في هذا البلد.
وانطلقت أعمال بناء المشروع منذ 3 سنوات ويمر “نورد ستريم-2” عبر المناطق الاقتصادية الاستثنائية والمياه الإقليمية لكل من ألمانيا والدنمارك وفنلندا والسويد وروسيا.
وسيكون لخط أنابيب البلطيق الجديد القدرة على تلبية نحو ثلث متطلبات استيراد الغاز المستقبلية للاتحاد الأوروبي.
ووفقا لجيمس هندرسون مدير برنامج أبحاث الغاز الطبيعي في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة إن أسعار الغاز ستشهد ارتفاعا كبيرا إذا تقررت أوروبا التوقف عن شراء الغاز من روسيا تماما.
وبحسب هندرسون فإن مشروع “نورد ستريم 2” يمكن أن يقلل من تكلفة الغاز في أوروبا بنحو 25 في المئة مقارنة بالسيناريو الذي يتم فيه التخلي عن المشروع.
وتتصدر روسيا دول العالم من حيث احتياطيات الغاز فهي الأكبر في العالم وتكفي لأكثر من 100 عام باحتياطيات تقدر بنحو 1688 تريليون قدم مكعب منها 38 تريليون متر مكعب مؤكدة وتتركز أكبر حقول الإنتاج في سيبيريا.
مصر وتصدير الطاقة
ومع القفزات الكبيرة في أسعار الغاز الطبيعي خلال العام الحالي خاصة في الأسعار الفورية بالأسواق العالمية يتوقع الخبراء تنامي صادرات مصر من الغاز المصري إلى أوروبا.
وتخطط مصر لاستخدام موقعها للتوسع في التصدير إلى أوروبا بعد تصدير شحنات من الغاز المسال من مصنع دمياط إلى أوروبا التي تسعى للتخلي عن الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا للبيئة مثل النفط والفحم.
وبحسب وكالة بلومبرغ تعمل مصر لأن تصبح واحدة من أكبر 10 مصدّرين للغاز الطبيعي المسال بمجرد وصولها إلى طاقتها الكاملة.
وأسهمت اكتشافات الغاز العديدة في رفع حصة الإنتاج اليومي لمصر إلى مستوى 6.55 مليار قدم مكعب يوميا، بالإضافة إلى وجود خطة لزيادة الإنتاج الى مستوى 7.54 مليار قدم مكعب بنهاية 2021.
الغاز المصري
وترجع الطفرة التي شهدتها مصر في إنتاج الغاز بفضل الاكتشافات في حقل ظُهر العملاق بالبحر المتوسط باحتياطيات تقدر بحوالي 30 تريليون قدم مكعب غاز، جعلته الأضخم في منطقة المتوسط.
كما ساهمت عمليات البحث والاستكشاف في تحقيق مصر 98 اكتشافا للغاز باحتياطيـات حوالي 38 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي.
هذا وقدَّرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية مخزون الغاز فى حوض شرق البحر المتوسط بحوالى 345 تريليون قدم، وهى كميات يمكن أن تتجاوز الاحتياطات الأمريكية المؤكدة، ويحتوى هذا الحوض على كميات ضخمة من الاحتياطيات النفطية وسوائل الغازات حيث تشمل هذه الاحتياطيات حوالي 223 تريليون قدم مكعب من الغاز فى حوض دلتا النيل إضافة إلى حوالي 5.9 مليار برميل من الغازات السائلة، و حوالي 1.7 مليار برميل من النفط.
مصرمركزا رئيسيا لتجارة الغاز
وتأمل مصر في استغلال هذه الاكتشافات الهائلة والضخنة بجانب موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية لتصبح مركزا رئيسيا لتجارة الغاز وتوزيعه في المنطقة ، وذلك بعد أن رسّمت في الأعوام القليلة الماضية حدودها البحرية مع عدد من دول شرق المتوسط لتدعيم أنشطة البحث والتنقيب دون منازعات.
فالإستراتيجية التي وضعتها الدولة المصرية في التوسعات والتطوير والتحديثات لمعامل التكرير تهدف لزيادة التصدير وجذب استثمارات أجنبية في هذا القطاع الحيوي.
لا شك أن ما تمتلكه مصر امكانيات تتمثل في بنية تحتية قوية وموانئ ومحطات التصدير على البحر المتوسط، بجانب محطات الإسالة تسهم جميعها في خفض تكلفة الإنتاج مقارنة بالمنافسين في المنطقة ما يساعدها في أن تكون موردا للغاز الطبيعي إلى أوروبا بصورة أكبر في المستقبل.
