كتبت – سماح عثمان
“حسيت إن روحي اتولدت من جديد” هكذا عبرت نورا عن فرحتها بحياتها الجديدة، لم تكن نورا فتاة تعيش حياة عادية بل عاشت سنوات من عمرها في الشوارع لاتتمتع بأي حقوق ولا تشعر بالأمان، قضت سنوات في الشمس والصقيع إلا أن الصدفة قادت شباب مؤسسة “معانا لإنقاذ إنسان” من مقابلتها وإقناعها بالانتقال معهم للعيش في بيت ذو أسقف وحوائط يحميها من مخاطر الطريق.
وعلى الجانب الآخر يعيش رجل خمسيني يدعى صلاح في الشارع منذ أكثر من 1500 يوم تاركا وراءه أولاده الثلاثة، إذ كان يعيش حياة هادئة مستقرة ويعمل سائقا حتى توفت زوجته فدخل في نوبة اكتئاب حادة ونزل للشارع تاركا بيته الذي يذكره بزوجته وذكرياته معها ، إلى أن صادفه أيضا فريق مؤسسة “معانا لإنقاذ إنسان” التى تقوم برعاية واستضافة المشردين من كبار السن .
آمن صلاح أن حياته لم تنتهي وبدأ في حياة جديدة بعد سن الخمسين فلجأ إلى المؤسسة وطلب مساعدته في العمل كسائق وبالفعل تم توظيفه في خلال 5 أيام براتب ثابت.
حياة بعد موت
مضت الحياة بشكل طبيعي داخل الدار واعتقد أنه سيمر العمر في الوظيفة الجديدة دون حدوث جديد، إلا أن حدث مالم يكن يتوقعه في الوقوع بحب جديد بعد وفاة زوجته، وهي نورا التى لخصت قصتها قائلة “عشت حياة قاسية جدا مع والدي الذي كان يعذبني ويضربني حتى هربت للشارع ولكن حظي كان أفضل من صلاح لأنني لم استمر في الشارع أكثر من 4 أشهر أي 120 يوما فقط بينما هو قضى فيه 4 سنوات”.
ذهب صلاح وطلب يدها من مدير الدار الذي بدوره سأل هذه النزيلة الخمسينية ففرحت بشدة أن هناك أملا جديدا لها في حياة مختلفة عن تلك التي عانتها مع عائلتها قبل التشرد في الشوارع ثم الذهاب لهذه المؤسسة.
وافقت نورا على الزواج بصلاح، وتم تنظيم زفاف ضخم لهما كأي عروسين في مقتبل العمر ببدلة عريس وفستان أبيض.
ليس هناك إحصائيات رسمية عن حجم المشردين في شوارع مصر، ولكن الأسباب غالبا ما تكون اقتصادية اجتماعية ناتجة عن خلافات عائلية أو فقدان الزوج أو الزوجة في سن متقدم، بحسب خبراء في ملف التضامن الاجتماعي.
وفي يناير 2019، بدأت الحكومة في تنفيذ مبادرة أُطلق عليها اسم “إحنا معاك” للبحث عن المفقودين والمشردين ومن هم بلا مأوى من الجنسين ومن كافة الأعمار.
وقررت وزارة التضامن الاجتماعي تكوين فرق عمل مشتركة من التدخل السريع ومشروع أطفال بلا مأوى، تتولى مهمة البحث في الشوارع لإنقاذ المشردين ومن هم بلا مأوى، وتقديم وجبات ساخنة لهم، مع نقلهم لدور رعاية اجتماعية.
ويقول محمود وحيد مدير مؤسسة “معانا”:”واجهنا عراقيل كبيرة وإجراءات معقدة حتى أسسنا هذه الدار”، مؤكدا أن هذه كانت المرة الأولى في مصر لإنشاء دار متخصصة في استضافة كبار السن من المشردين، حيث كان المتعارف عليه هو دور مسنين ورعاية اجتماعية حكومية أو دور أيتام من الأطفال.
وقال محمود وحيد: “نسعى لأن تستوعب الدار وفروعها 500 نزيل وسنجعل النزلاء من كل الأعمار، وحاليا عدد النزلاء 180 فقط ولدينا بلاغات عن مشردين تصل إلى 100 بلاغ يوميا، مما يؤكد أن القضية ضخمة وتستحق”.
أما صلاح ونورا فلم يقتصر الأمر عند الزواج بل قامت المؤسسة باستئجار شقة للزوجين من راتب الزوج، ويتم تجهيزها حاليا لينتقلان إليها، حيث يرغب صلاح في إنجاب طفل ذكر بينما ترغب نورا في إنجاب فتاة.