تحقيق : سماح عثمان
أناس محرومون من أبسط حقوقهم وهو التنفس بشكل طبيعي ، أصواتهم المريضة تقص مأساة واحدة ، تشوه الأجنة أفقد نساءهم حلم الأمومة ، وضيق التنفس أفقد أطفالهم الحق في الحياة السوية ، تحيطهم المداخن من جميع الاتجاهات تطلق سمومها في صدورهم بلا رحمة، يهاجم السرطان رئات الكثير منهم الهزيلة حتي يخترقها ، يكممون أفواههم طوال اليوم حتي يحدوا من أضرار الهواء المسرطن ، جنوب الجيزة بأكملها لا تخلو بيوتها من أمراض الصدر والقلب والرئتين ، تعاني سيداتها من الإجهاض المتكرر ، ويعاني كبارها من سرطان الرئة، إذا كانت شكاوي الكثيرين في محافظات مصر تتركز في غياب الصرف الصحي وتردي الخدمات الصحية، فإن هؤلاء يطالبون بحقهم في التنفس ، ، إنهم أهالي قرية عرب أبو ساعد بمدينة الصف التابعة لمحافظة الجيزة التي تضم أكثر من 2500 مصنع طوب ، وبالإضافة لمصانع الكوك والريش والسماد والحديد والصلب وغيرها.
قال محمد عبده حسان أننا يوميا نستيقظ على روائح كريهة وغازات سامة تصيب البشر والنبات ، وبالأخص الأطفال والحوامل ، وقد جاءت عدة وسائل إعلام ولكن دون فائدة أو استجابة ، فكل ليلة تهب علينا رائحة عفنة ونتنة ، وهذا مابدأ منذ 8 أعوام وقد صعدنا تلك المشكلة إلى المحافظة ،وأضاف حسان أن الأهالى لايعلموا من هو مالك هذا المصنع فالأقاويل تتردد حول ملكيته لرجل أعمال مصري شهير وشراكاته مع مستثمرين أجانب ، فقد فقدنا الأمل فى إمكانية التغيير فلم نجد مسئول أو حتى رئيس مجلس مدينة يأتى ليستمع إلينا فعندما ذهبنا للمسئولين عن المصنع للشكوى والمطالبة بغلق أو نقل المصنع تم تجاهلنا تماما ولم ينظر إلينا أحد ، وبقى الحال كما هو عليه .
التخلص من نفايات المصنع بالجبل وإصابات باختناقات وأمراض جهاز تنفسي
أما بخصوص النفايات التى تخرج من المصنع فيتم التخلص منها فى الجبل ، فكل الروائح التى تنبعث منه تكون بعد منتصف الليل والجميع نيام بغض النظر عن الأضرار التى ستلحق بنا من اختناقات والإصابة بأمراض الجهاز التنفسى ، والكارثة الأكبر هى تشوه الأجنة وإصابة الأطفال والنساء الحوامل بامراض خطيرة ، ووزارة الصحة لانرى لها طرف جلباب ، وبالنسبة للشكاوى فهى كثيرة ومتعددة منذ 10 سنوات ، ولم نجد باب مسئول إلا وطرقناه ، فمنذ أن تم انشاؤه ووجدنا مخاطره تحدثنا كثيرا مع كل ذاهب وآت .
وأكد “حسان” أن القصة فى البداية لم نكن على الوعى الكافى بمخاطر الانبعاثات علينا أما الآن فمن كثرة استنشاقنا للروائح السامة والكريهة يوميا فأصبحنا على وعي بما يحدث.
ترعة “كوم أمبو” تحمل جميع مخلفات المصانع وبورت مساحات شاسعة من الأراضي
ومن جهته قال أحمد جنيدى أن مخلفات المصنع يتم تحويلها على ترعة “كوم أمبو” مباشرة وهى التى تروى الزراعات والمحاصيل الخاصة بكل قرى ونجوع مركز الصف ، وهو ماتسبب فى تبوير مساحات شاسعة من الأرض وإصابة باقى المحاصيل بأمراض ويتناولها البشر الذى يتناول خضروات ملوثة وبها مواد كيماوية خطيرة ويصاب هو الآخر بأمراض مميتة .
العاملون بالمصنع لايتقاضوا سوى رواتبهم ولا تصرف لهم مكافآت نهاية الخدمة
وأكد جنيدي أن المصابين بالفشل الكلوى والكبدى من كبار وصغار لاأحد يحاول أن يتعرف على السبب الرئيسى فالمتواجدون بتلك القرى ناس “غلابة” لايهتمون بالسبب بقدر مايهتمون بالعلاج ، فهذا المصنع جاء بالأمراض والأوبئة ولا أحد يقف أمامه لأن مستثمريه أجانب ومعهم رجل الأعمال المصري ، ودخل معهم مؤخرا أحد أعضاء مجلس النواب عن المركز فبدلا من أن يخدم الشعب يتجه لخدمة هؤلاء رجال الأعمال ، فهذه المصانع عند إنشاءها لابد من موافقة مجلس المدينة ووزارة البيئة فكيف صدرت تلك الموافقات بدون تدخل عضو مجلس النواب الذى تطول يده لكل منصب إدارى ، فكاد أن يتم بناءه بالمنطقة الصناعية بدمياط ولكن اعترض الأهالى وبالتالى تم بناؤه بمركز الصف فى وسط المنازل بالرغم من وجود ظهير صحراوى بمساحة كبيرة لم يتم استغلاله بجانب وجود منطقة جبال لماذا لم يتم بناء المصنع عليها ؟ ، وكيف حصل مُلاك المصنع على تراخيص عمل من وزارة البيئة ومجلس المدينة ؟ وكيف حصل على تلك الأراضى المقام عليها وهى تتبع لملكية الدولة وليست أرض الأهالى ؟ ، فالمساكن موجوده قبل بناء المصنع بأعوام طويلة ، بالإضافة إلى العاملين بالمصنع يتقاضون رواتب عالية ولكن ليس لهم مكافأة نهاية الخدمة أو مزايا كتأمين صحي أو غيره فعند إغماء أو إرهاق أياً منهم بسبب استنشاق المواد السامة وخصوصا مادة الأمونيا السامة ، يتناول ألبان وعصائر ويرتدي الكمامات ولكن ليس لهم مستشفى للعلاج ، كل هذا يحدث بدون تدخل عضو مجلس النواب،وبالرغم من ذلك يصمت عن كل هذه التجاوزات بل يوجد تعتيم متعمد .
أكثر من 90 % من السكان مرضى وجميع القرى تصلها نسبة التلوث
وأكد “جنيدي” أن تتسبب أدخنة المصنع والمخلفات الجوية التى تصدر عنه في فشل كلوي وسرطان وتشويه أجنة، بما يقرب من 90 % من السكان مرضى من مناطق عرب أبو ساعد ،الشوبك والشرفا وحتى الوصول لمركز الصف لأكثر من 100 ألف نسمة ، فالمواد يمكن أن تقل رائحتها على بُعد المسافة ولكن تظل سمومها تنتشر وتنهش فى جسد البشر حتى يكتشفوا مرضهم فى فترة متقدمة .
وبالنسبة لإدارة هذا المصنع فتستأجر مجموعة من “العربان” لحراسته ومنع أى شخص من الاقتراب منه وافتضاح أمرهم وإلا سيُطلق عليه الرصاص الحي .
3 آلاف فدان تروى بالمياه الجوفية وتحمل مواد مسرطنة للبشر والحيوان
وأضاف جنيدى أن تتجه مياه الصرف الصحى من جميع مراكز الصف ومدينة حلوان مع مخلفات مصنع السماد والطوب إلى ترعة “كوم أمبو” وعرضها 8 أمتار والتى تمتد بطول الجبل الذى يسقى منها 3 آلاف فدان مساحة أراضى ، وتنحدر إلى عرب الحصار ، وتدخل بها مياه جوفية من باطن الأرض وهو مايخفف من أضرارها حيث تحتوى على مواد قاتلة للبشر والنبات والحيوان ولكنها تحمل مواد مسرطنة .
عربان يحرسون المصنع ويهددون كل من اقترب منه بالقتل
فيما قال ناجي حجاج أن حدثت واقعة وتم فتح خزان المصنع الذى يخرج منه الروائح الكريهة والسامة فى الثالثة عصرا على غير العادة حيث يتم فتحه بعد منتصف الليل والناس نائمون ويستنشقون تلك الروائح ولا يشعرون ، وبعد انصراف جميع العمال والموظفون من المصانع المحيطة كنت أعمل بساعات إضافية فتوجهت إلى حارس مصنع السماد لاستفسر عن الأمر ، جاء مجموعة من “العربان” المكلفين بالحراسة واضطررت للمغادرة قبل إيذائي
وأضاف أن لدى أقارب يعملون داخل المصنع يقصون مايحدث عند استنشاق غاز الأمونيا بمجرد تسربه فيتسبب فى حالات إغماء ويتم إفاقتهم بالمياه والألبان .
وبالنسبة للمخلفات التى تُلقى بترعة “كوم أمبو” فلا تقتصر على السماد فقط بل تشمل الحديد والصلب ومصنع الكياويات “الكوك” وهى ترعة تسقى مساحات شاسعة من الأراضى على امتداد قرى ومراكز جنوب الجيزة ، وهذه الأراضي تملحت وحدث لها حالات تبوير وأصبحت المحاصيل إما فاسدة أو حاملة للأمراض فنضطر لري الأراضي منها لعدم وجود مياه عذبة أو بدائل فلا يوجد خير فى الأرض مثل من قبل ، فإذا لم أمرض من الهواء فسأمرض من الطعام أو المياه .
خدعونا بالتوقيع للحصول على أجهزة كهربائية ونحن كنا نوقع على موافقات بناء المصنع
وقالت “أم محمد” 35 عام أننى انتقلت منذ 17 عام لأعيش بمنطقة عرب أبو ساعد ، وقالوا لنا أن هناك رجل أعمال يوزع أجهزة كهربائية على الأهالي وطلبوا منا التوقيع على أوراق للحصول عليها وبالفعل قمنا بالتوقيع وفوجئنا بعد ذلك أنها كانت توقيعات لأخذ موافقات من الأهالى لبناء مصنع السماد فاستغلوا أُمية وفقر الأهالى وخدعوهم بأجهزة كهربائية ، وتم بناؤه وبمرور الوقت أصيبت بناتى الثلاث بأمراض مختلفة ، ورزقت بطفل يبلغ عام ونصف واكتشفنا بعد ولادته بإصابته بضمور فى المخ وثقب فى القلب بسبب مخلفات المصنع وعندما يأتى الليل نشم روائح كريهة مثل رائحة النشادر ، فقمت بإجراء أشعة على المخ وعلى القلب وللعلم أن زوجى ليس من أقاربي بمعنى أن المرض ليس وراثيا.
وأضافت أن عرضت ابنى على مستشفى “أبو الريش” والدمرداش وأتابع معهم العلاج الطبيعي ، وأعطيه الأدوية باستمرار ، وهذه الأمراض ليست مقتصرة على أطفال القرية بل جميع أطفال قرى مركز الصف .
إجهاض الحوامل وتشوه الأجنة وإصابة الكبار بالأمراض المستعصية
وقال “سالم أبو ساعد ” من سكان المنطقة أن تشوهات الأجنة والإجهاض منتشرة بنسبة كبيرة بسبب تسرب المواد السامة من الفلاتر ، وانتشرت لعدة قرى مجاورة ، فمنذ إنشاء المصنع والأمراض منتشرة بين الكبير والصغير ، ولاأحد يستطيع أن يقف فى وجه “ساويرس” صاحب المصنع ، فما يحدث لايرضي مخلوق فزوجتى أجهضت 4 مرات بسبب سوء حالتها الصحية ، فالكثير قاموا بالكشف عن الجنين وعندما وجدوه مشوها يقوموا بإجهاضه بشكل متعمد ، فالآباء والأجداد عاشوا منذ زمن طويل بالمنطقة ولم يصاب أحدهم بأى مكروه ولكن ظهرت الأمراض والأوبئة منذ عام 2005 وقت إنشاء هذا المصنع وهو ينتج للتصدير ولا يتواجد فى الأسواق المحلية ، قمنا بعمل 4 وقفات بالمركز وتم القبض علينا، فالإدارة قامت فى بداية الأمر باستغفال الناس واستغلال فقرهم وأميتهم ، وتوقيعهم على موافقات تشغيل المصنع رغم اعتقادهم بأنها توقيعات لاستلام أجهزة كهربائية .
باحثة بمركز بحوث الصحراء: غاز الأمونيا تعدي النسبة المسموح بها بمراحل
فيما قالت الدكتورة إيمان دياب الباحثة بمركز بحوث الصحراء أننى أعددت تقريرا بيئيا بالمشاركة مع القوات المسلحة ولكن لاأستطيع أن أظهر التقرير لوسائل الإعلام لأن عليه توقيع عقيد عسكري ، فالتقرير البيئى شمل العديد من المنشآت منها مصنع السماد ومنطقة المحاجر التى كانت سبب فى التلوث بعرب أبو ساعد ، فكانت النسبة المسموح لها من انبعاثات المصنع من غاز “الأمونيا” 25 % حسب واقع تقارير البيئة الصادرة عن المصنع ، وهذه نسبة عالية جدا لأن 1% فقط تسبب تشوهات بالأجنة ، لذا طالبت بتعديل النسبة إلى أقل من 1% ، فالناس تشعر بالرائحة لأنها تصل إلى 15 % .
وأكدت “دياب” أن القوات المسلحة ليس من مهامها تخفيض الانتاج بل تخاطب جهاز شئون البيئة وهو المسئول عن ذلك ، فالمصنع أُنشئ بالتحايل بإيهامهم بالتوقيع للحصول على أجهزة كهربائية ولكنها كانت موافقات على بناءه ،وهو دخيل عليهم ، فالأمر الآن يحتاج توفيق الأوضاع بسبب انتشار تشوهات الأجنة والسرطان والفيروسات الكبدية ، كما أن بالمنطقة مصنع للكيماويات “الكوك” وشركة أخرى إيطالية حررت بلاغات ضد مصنع السماد بسبب الروائح وإعياء العمال والموظفين بها .
وأضافت أن من شدة التلوث وجدنا “ماعز” على هيئة جمل ، فالوضع الآن تحت تصرف القوات المسلحة، فعندما قمت بزيارة المنطقة منذ عام وجدت محصول القمح والبصل محروقين وفاسدين بسبب تلوث الهواء واتجاه الرياح حاملة معها غاز “الأمونيا ” السام وهذا مؤكد من خلال تحاليل وفحص الهواء .